اعتقل لـ7 أشهر ورفض النزوح إلى الجنوب.. الطبيب الفلسطيني محمد أبو سلمية أحد رموز الصمود في غزة

بحزنٍ ينم عن صدمته من هذه الفاجعة، تلقى مدير مجمع الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلمية، نبأ استشهاد عدد من أفراد عائلته. وجاءت هذه الاستشهادات نتيجة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث قصفت طائراتها منزل عائلة الطبيب في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. ويأتي هذا القصف استمرارًا لعدوانها العسكري الهمجي على مختلف الأحياء، وضمن مخططها الإجرامي لتدمير المباني وتشريد السكان.
وتأتي هذه الجريمة الاحتلالية بعد أن رفض أبو سلمية بشكل واضح وصريح كل المحاولات لوقف العمل في مجمع الشفاء ونقله إلى الجنوب، ودعا مراراً وتكراراً إلى توفير الحماية الدولية للمستشفيات في قطاع غزة.
قبل أيام قليلة، حذّر مدير مستشفى الشفاء من أن الوضع قد يتفاقم إلى “كارثة” إذا استمر احتلال مدينة غزة. وأضاف أن 800 ألف فلسطيني لا يزالون في غرب المدينة. وهذا يعني أن عشرات الآلاف قد يموتون يوميًا إذا واصلت إسرائيل هجومها.
وفي مقابلة مع الجزيرة، ناشد الطبيب الفلسطيني “الضمير الحي في العالم” بإنهاء الحرب بسرعة وفتح الممرات الإنسانية والسماح بدخول الإمدادات الإنسانية والطبية لإنقاذ السكان المدنيين، الذين قال إنهم يموتون من “الجوع والقصف والمرض”.
ويريد الاحتلال تدمير القطاع الصحي بشكل كامل من خلال قصف ما تبقى من المستشفيات وفي الوقت نفسه قصف الناس في الشوارع من جميع الاتجاهات وتحويل المدينة إلى جحيم وإجبار الناس على التجول بلا هدف، كما يقول أبو سلمية.
أبو سلمية من أبرز رموز الصمود في قطاع غزة، اعتقلته قوات الاحتلال مع بداية حرب الإبادة التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أثناء إخلائه الجرحى والطواقم الطبية من المجمع الطبي الذي حاصره جيش الاحتلال واقتحمه آنذاك.
أمضى الطبيب الفلسطيني سبعة أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرض لإهانات وتعذيب شديدين. عامله الجيش الإسرائيلي كقائد عسكري، وليس كطبيب أو رئيس مجمع طبي يقدم مساعدات إنسانية.
في خطابات تلفزيونية سابقة، صرّح أبو سلمية بأن جيش الاحتلال “سعيدٌ للغاية” بعد اعتقاله، وكأنه حقق إنجازًا باهرًا. وخلال احتجازه، أصرّ المحققون على أن المجمع كان “قاعدة عسكرية”. إلا أنه أكد أن المستشفى منشأة طبية إنسانية.
وأكد أن إطلاق سراحه من السجن دون تهمة في يوليو/تموز من العام الماضي دحض جميع مزاعم قوات الاحتلال بشأن المجمع، ودحض روايتهم الزائفة. وقال: “خرجت من السجن بعزيمة وإصرار أكبر على العودة إلى المجمع، لأنني وجدت محبة الناس وعطفهم أكبر مما توقعت. لذلك، لم أتردد في العودة وخدمة الشعب. رفضتُ عرضًا بمنصب أعلى من إدارة المجمع، مفضلًا العودة إليه لتعزيز صمود الشعب”.
وفي مقطع فيديو سابق نشره الصحافي الراحل أنس الشريف، وصف الطبيب الفلسطيني خروجه من السجون الإسرائيلية بـ”المعجزة”، مشيراً إلى أنه لا يصدق أنه موجود الآن في مدينة غزة.
علّق الشريف على الفيديو قائلاً: “مع الدكتور محمد أبو سلمية، مدير مجمع الشفاء الطبي، بعد إطلاق سراحه من سجون الاحتلال، رأيت في عينيه صمودًا لا يلين وإرادة لا تلين. ورغم الاعتقال والتعذيب الذي تعرض له، لا يزال يُعنى بالجرحى والمرضى. ثابت على رسالته، ثابت على موقفه، يحمل في قلبه إيمانًا راسخًا بخدمة شعبه”.
أبو سلمية يُكرّس حياته لخدمة المرضى وولائه لأهل مدينته. وصف اللحظة الأولى التي رأى فيها مجمع الشفاء الطبي بعد تدميره على يد قوات الاحتلال بأنها “مأساوية”. وفي تصريحات سابقة، قال: “لا أبكي كثيرًا، ولديّ الكثير من الصبر والمثابرة، لكن عندما رأيت المجمع بهذا الدمار، النابع من كراهية عميقة، بكيتُ أشدّ من بكائي عندما فارق والديّ العزيزين عليّ الحياة”.
محمد محمد عبد الحليم أبو سلمية، الملقب بـ”أبو خالد”، ولد في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1973، في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، لوالدين ينحدران أصلاً من قرية الجورة في عسقلان.
درس الطب في العاصمة الأوكرانية كييف، في جامعة بوغوموليتس الطبية الوطنية. جاء ذلك بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي ترخيص كليات الطب أو الصيدلة في قطاع غزة. تخصص أبو سلمية في طب الأطفال، وعاد إلى قطاع غزة عام ١٩٩٨. وفي عام ٢٠١٣، حصل على دبلوم فلسطيني في طب الأطفال.
منذ تخرجه وعودته إلى فلسطين، عمل أبو سلمية في العديد من مستشفيات قطاع غزة الكبرى. في عام ٢٠٠٠، بدأ العمل طبيبًا في مستشفى غزة الأوروبي في خان يونس، واستمر في هذا المنصب حتى عام ٢٠٠٤. ثم عمل في مستشفى النصر للأطفال حتى عام ٢٠١٣، ليصبح المدير الطبي للمستشفى نفسه عام ٢٠٠٧.
في عام ٢٠١٥، تولى إدارة مستشفى الرنتيسي للأطفال. وفي نهاية يوليو ٢٠١٩، أصبح مديرًا لمجمع الشفاء الطبي، أكبر منشأة طبية في قطاع غزة. ولا يزال يشغل هذا المنصب حتى اليوم، رغم سياسات الاحتلال الممنهجة الهادفة إلى شلّ القطاع الصحي في قطاع غزة.