زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟

منذ بداية عام ٢٠٢٥، تُذكّرنا الأرض باستمرار بعواقب سوء استخدامنا لها والاختلال الذي أحدثه البشر في النظام الكوني. ومؤخرًا، شعر الناس بالرعب من الزلازل العديدة التي نشهدها.
في هذا التقرير، نتناول بعض الظواهر المناخية المتطرفة التي شهدتها الأرض مؤخرًا.
زلزال تلو الآخر، الأرض لا تهدأ
أعلن المعهد القومي للبحوث الفلكية أن محطات الشبكة القومية للرصد الزلزالي التابعة له سجلت هزة أرضية بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر، الثلاثاء. وأضاف أن مركز الزلزال يقع على بعد 50 كيلومترًا شمال مدينة العريش، وعلى عمق 60 كيلومترًا.
ضرب زلزال قوي الساحل الجنوبي الغربي لتركيا على البحر الأبيض المتوسط. كان مركز الزلزال على بُعد حوالي 450 كيلومترًا من إسطنبول وحوالي 700 كيلومتر من القاهرة. شعر بعض السكان بالهزة.
خمسة زلازل تُرعب المصريين خلال شهر
هذا الزلزال جزء من سلسلة زلازل شهدتها المنطقة. سجّل المعهد خمسة زلازل أخرى في مايو 2025، ثلاثة منها في الأول من مايو. كما سجّلت الشبكة الوطنية المصرية لرصد الزلازل ثلاثة زلازل في مواقع متفرقة في أنحاء البلاد، منها الغردقة ومرسى مطروح والقاهرة الكبرى، بقوة 2.31 و3.3 و2.92 درجة على مقياس ريختر.
ضرب الزلزال الرابع، بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر، في 14 مايو/أيار، على بُعد 631 كيلومترًا شمال رشيد. وشعر به عدد كبير من سكان منطقة القاهرة الكبرى وعدة محافظات أخرى. وقع الزلزال في منطقة نشطة زلزاليًا شرق جزيرة كريت المطلة على البحر الأبيض المتوسط. نتج عن انزلاق الصفيحة الأفريقية تحت الصفيحة الأوروبية وصدع نشط.
وفي 22 مايو الماضي، وقع زلزال خامس بقوة 6.24 درجة على مقياس ريختر. وسجل المعهد زلزالا في جزيرة كريت على بعد 499 كيلومترا شمال مرسى مطروح.
الإسكندرية كما لم ترها من قبل
في صباح يوم 30 مايو، ضربت الإسكندرية عاصفة غير مسبوقة، جلبت معها عواصف رعدية شديدة وتساقط الثلوج ورياح قوية تجاوزت سرعتها 50 كيلومترًا في الساعة، مما خلق ظروفًا جوية قاسية لم تشهدها المحافظة من قبل.
هبت رياح عاتية، وتساقطت كرات ثلجية متفاوتة الأحجام، ووصل ارتفاع الأمواج إلى أكثر من متر ونصف. ما شهدته الإسكندرية كان بمثابة إنذار بمدى تأثير تغير المناخ على مصر والمنطقة بأسرها. يُعد تساقط الثلوج في يوم واحد من شهر مايو حدثًا نادرًا، ويعكس اضطرابًا غير مسبوق في أنماط الطقس الموسمية.
الجفاف يؤثر سلباً على الأرض.
وفقًا للموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، شهدت معظم أنحاء أوروبا بين يناير ومارس من هذا العام طقسًا دافئًا فوق المعدل، حيث تجاوز متوسط درجات الحرارة ثلاث درجات مئوية فوق المعدل الطبيعي. وأدى نقص الأمطار والحرارة الشديدة إلى جفاف وانخفاض ملحوظ في رطوبة التربة في شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا.
ويحذر تقرير “الجفاف في أوروبا 2025″، الذي أعده مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية، من وضع حرج من شأنه أن يخلف تأثيرات خطيرة على مختلف القطاعات، بدءا من الزراعة والتنوع البيولوجي إلى النقل النهري وإنتاج الطاقة.
حريق مفاجئ
في يناير/كانون الثاني من هذا العام، أصدرت السلطات الأميركية أوامر إخلاء واسعة النطاق شمال لوس أنجلوس بعد أن أدى حريق غابات جديد بالقرب من بحيرة كاستايك إلى تدمير 1400 هكتار من الأراضي في غضون ساعات.
ساهمت رياح سانتا آنا الحارة والجافة في تسريع انتشار الحرائق، ونتج عنها دخان كثيف، حيث اجتاحت النيران أحياءً مختلفة في كاليفورنيا، وخاصةً منطقة لوس أنجلوس الكبرى. ونتيجةً لذلك، اجتاحت النيران أيضًا مناطق سكنية راقية ومنازل نجوم هوليوود.
ما يحدث هو حصاد ما قمنا به خلال السنوات القليلة الماضية.
وخلص تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن حالة المناخ العالمي إلى أن عام 2024 من المرجح أن يكون أول عام تقويمي تكون فيه درجة حرارة سطح الأرض أعلى بمقدار 1.5 درجة مئوية عن المتوسط قبل الصناعي، مما يجعله العام الأكثر دفئًا في تاريخ الرصد الممتد على مدى 175 عامًا.
وخلص التقرير إلى أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي “وصلت إلى أعلى مستوى لها خلال الثمانمائة ألف عام الماضية”، وذكر أن كل عام من الأعوام العشرة الماضية كان من بين الأعوام الأكثر دفئاً على الإطلاق، وأن كل عام من الأعوام الثمانية الماضية سجل رقماً قياسياً جديداً في درجة حرارة المحيطات.
وعلاوة على ذلك، تضاعف معدل ارتفاع مستوى سطح البحر منذ بدء قياسات الأقمار الصناعية، وتشير توقعات المناخ إلى أن درجات حرارة المحيطات سوف تستمر في الارتفاع على الأقل حتى نهاية القرن الحادي والعشرين، حتى في ظل سيناريوهات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المنخفضة.
ملايين يفرون، والتغير المناخي هو السبب
لا يقتصر تأثير تغير المناخ على تغيير المناظر الطبيعية فحسب، بل يؤثر أيضًا على حياة الناس. فالجفاف والفيضانات والظواهر الجوية المتطرفة تُجبر ملايين الناس على النزوح من ديارهم. ويُعدّ تغير المناخ أحد أكبر التحديات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
وفقًا لتقرير صادر عن مركز رصد الهجرة في المكسيك، قد يُجبر ما يصل إلى 216 مليون شخص على الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050 بسبب الظواهر المناخية المتطرفة. ومن المتوقع أن تُمثل هذه الظاهرة، المعروفة باسم “الهجرة المناخية الداخلية”، أحد أكبر التحديات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين. وقد وجد التقرير أن أكثر من 32 مليون شخص هاجروا لأسباب تتعلق بالمناخ في عام 2022.
الخطر قريب ولن يكون أحد في مأمن
هذه الظواهر ليست جديدة، بل هي نتيجة آلاف السنين من سوء الإدارة، ونتيجة طبيعية للتغيرات المناخية الحادة التي يشهدها العالم حاليًا. ويتفق العلماء على أن المخاطر لن تقتصر على التقلبات الجوية الشديدة، وارتفاع وانخفاض درجات الحرارة، وهطول الأمطار، والعواصف، وغيرها من العوامل.
وهذا يقودنا إلى حقيقة واحدة: يجب علينا أن نستشعر الخطر، وأن نحاول الاستماع إلى صوت الطبيعة المنهكة من الأضرار الكثيرة التي تتعرض لها، وأن نحاول إنقاذها، سواء من خلال تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الملوثة للهواء، أو وضع حد لحرق الغابات وتدمير الأشجار، أو بذل جهد جدي لخفض وتقليل الاحتباس الحراري العالمي الناتج عن تزايد التلوث، أو العمل على إنهاء كل الممارسات البشرية الملوثة للبيئة، أو الاستجابة لنداء العلماء وخبراء المناخ.