الاحتباس الحراري ليس صدفة.. كيف صنعت الدول الكبرى كوارث المناخ؟

بغض النظر عن الحدود السياسية التي تفصل بين الدول، فإن العالم بأسره موجود تحت سماء واحدة وفي مكان واحد: كوكب الأرض. إنها محاطة بأجواء موحدة تؤثر على جميع الممارسات في جميع البلدان وتنعكس نتائجها في جميع أنحاء العالم. لا يوجد مجال للتخصص هنا. وأفضل دليل على ذلك هو فيروس كورونا الذي اجتاح العالم دون خوف من الاختلافات أو الحدود. عندما يتعلق الأمر بالجو وكل نفس نأخذه فيه، يتعين علينا أن نقف هنا ونتحدث نيابة عن العالم أجمع.
لقد أخرج البشر الأرض عن توازنها.
لقد تأثرت الأرض بالعديد من التغيرات المناخية منذ آلاف أو حتى مليارات السنين. لكن هذه التغيرات حدثت بشكل طبيعي على فترات منتظمة، إما بسبب التغيرات الكونية مثل العواصف الشمسية أو اصطدام النيازك في الفضاء، أو بسبب الانفجارات البركانية الكبيرة التي غطت السماء بسحابة من البخار الأسود وحجبت ضوء الشمس عن الوصول إلى الأرض، أو بسبب تغيرات طبيعية أخرى تسببت في تغيير سلبي أدى إلى تبريد الأرض.
إن سبب تغير المناخ اليوم يكمن في استخدام الوقود الأحفوري من قبل البشر منذ القرن التاسع عشر. وقد أدت الغازات العادمة والنفايات الناتجة عن ذلك إلى زيادة درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية. ويرجع ذلك إلى زيادة نسبة هذه الغازات في الهواء، مما يؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي بدورها تتسبب في امتصاص الغازات المنبعثة من الأرض واحتباسها في الغلاف الجوي (تماماً كما هو الحال في البيوت الزجاجية).
تتحمل الدول الصناعية الكبرى المسؤولية الرئيسية عن أزمة المناخ.
وذكرت مجلة تايم أنه بين عامي 1940 و1970، وبسبب الاستخدام المكثف للغازات في الحرب العالمية الثانية والزيادة المخيفة في الإنتاج الصناعي، انخفضت درجة الحرارة على الكوكب. وكان السبب في ذلك هو تشكل سحابة غازية في الغلاف الجوي تعكس أشعة الشمس بعيدًا عن الأرض. وقد أدى هذا إلى الحديث العالمي عن ذوبان الجليد الوشيك، مما دفعنا إلى إدراك أن الدول الصناعية الكبرى مسؤولة عن أزمة المناخ.
بدأت في أوروبا وأميركا الشمالية، حيث زاد استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط وأنواع الوقود الأخرى. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن مجموعة العشرين، التي تضم الولايات المتحدة والصين والهند وغيرها من الدول الصناعية الكبرى، مسؤولة عن نحو 75% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، وأن الصين والولايات المتحدة وحدهما مسؤولتان عن 40% من تلك الانبعاثات.
إن الانبعاثات الضارة تزيد من رخاء بعض البلدان وتهدد بلدانا أخرى.
إن الزيادة في التصنيع وبالتالي ارتفاع الانبعاثات يؤدي إلى زيادة ازدهار بعض البلدان ويهدد وجود بلدان أخرى. وفي دراسة أجريت في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، قام الباحثون بفحص العلاقة بين الدخل وتغير المناخ في 19 دولة. وقد وجدوا أنه في 14 من هذه البلدان، زادت الانبعاثات على مدى السنوات الخمسين الماضية، وزاد دخل الفرد بنسبة 13 في المائة من الدخل الوطني. والسبب في ذلك هو استنزاف موارد الطاقة والوقود من قبل الدول الصناعية الكبرى، دون الأخذ في الاعتبار الأضرار الجانبية التي يمكن أن يسببها ذلك لبقية البشرية. وفي البلدان النامية، حيث الانبعاثات منخفضة للغاية، انخفض دخل الفرد بنسبة 27%.
الأضرار الناجمة عن هذه الأزمة
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن تغير المناخ لن يسلم منه أحد، ولكن البلدان النامية سوف تعاني من الضرر الأكبر على الرغم من أنها تساهم بأقل قدر في هذا التغير. وستكون لهذه التغيرات آثار سلبية على صحة الإنسان، إما بشكل مباشر، مثل وفاة الآلاف كل عام بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء، أو بشكل غير مباشر من خلال نقص الغذاء أو تلوث المياه، مما يسبب أمراض مثل الملاريا والكوليرا. وبطبيعة الحال، سوف تكون البلدان النامية هي الأكثر تضررا. وبما أن المناخ لا يعتمد على نمط حياة صحي ولا على نظام صحي حديث، فسوف يؤثر أيضاً على معدل الإنتاج العالمي للغذاء. ومن ثم فإن البلدان النامية ذات معدلات الإنتاج المنخفضة والموارد المحدودة سوف تتأثر بشكل أكبر، مما يؤدي إلى العديد من الصراعات والحروب الأهلية والإرهاب وعدم الاستقرار في هذه البلدان.