التلوث البلاستيكي يتسلّل إلى أنسجة الخضروات.. أدلة علمية تكشف الخطر الخفي

منذ 2 ساعات
التلوث البلاستيكي يتسلّل إلى أنسجة الخضروات.. أدلة علمية تكشف الخطر الخفي

لم يعد التلوث البلاستيكي مشكلةً تقتصر على المحيطات والشواطئ. فبعد سنوات من التحذيرات من الجزيئات الدقيقة في الأسماك والمأكولات البحرية وملح الطعام والمياه المعبأة، كشفت دراسة حديثة عن مستوى جديد من القلق: فقد تخترق جزيئات البلاستيك النانوية أنسجة الخضراوات نفسها.

تُقدم الدراسة، المنشورة في مجلة “الأبحاث البيئية”، أول دليل مباشر على أن هذه الجسيمات لا تبقى على سطح النباتات أو تنشأ من التربة فحسب، بل يمكنها أيضًا الوصول إلى الأجزاء الصالحة للأكل. وهذا يفتح آفاقًا جديدة للبحث في آثارها المحتملة على صحة الإنسان وسلامة سلسلة الغذاء.

في السنوات الأخيرة، ازدادت التحذيرات العلمية بشأن تلوث البلاستيك، وتُجري دراسات عديدة تبحث في تأثيره على البيئة البحرية. وقد أظهرت أبحاث أخرى وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في الأسماك والمأكولات البحرية، وملح الطعام، والمياه المعبأة، وحتى في بعض الفواكه والخضراوات. ومع ذلك، غالبًا ما تُعزى هذه الاكتشافات إلى انتقال الجزيئات عبر السطح أثناء الغسيل أو إلى التربة والمجاري المائية الملوثة.

ولكن دراسة حديثة نشرت في مجلة Environmental Research تقدم أدلة غير مسبوقة على أن جزيئات البلاستيك النانوية قادرة على اختراق أنسجة النبات نفسها والوصول إلى الأجزاء الصالحة للأكل من الخضروات.

اختراق حاجز الجذر

وفقًا لصحيفة الإندبندنت، أجرى فريق من جامعة بليموث في المملكة المتحدة دراسةً بمشاركة خبراء في علوم النبات والكيمياء البيئية والتلوث البلاستيكي. زرع الباحثون الفجل في نظام زراعة مائية، وعرضوه لجزيئات نانوية بلاستيكية من البوليسترين. وباستخدام التأريخ بالكربون المشع، تتبعوا حركة هذه الجزيئات، ووجدوا أن حوالي 5% منها وصل إلى الجذور في غضون خمسة أيام فقط.

كانت المفاجأة الكبرى قدرة هذه الجزيئات على تجاوز “شريط بحر قزوين”، وهو حاجز بيولوجي طبيعي في جذور النباتات يعمل كدفاع ضد اختراق المواد الضارة. وهذه هي المرة الأولى التي يُثبت فيها العلماء قدرة البلاستيك النانوي على تجاوز هذا الحاجز البيولوجي.

التراكم في الأجزاء الصالحة للأكل

بعد اختراق الجذور، وجد فريق البحث أن الجسيمات لم تبقى عالقة هناك فحسب، بل تراكم حوالي ربعها في لب الفجل الصالح للأكل، بينما وجد ما يقرب من 10% منها طريقه إلى الأوراق. تشير هذه النتائج إلى احتمال وصول البلاستيك إلى البشر ليس فقط عبر السطح، بل أيضًا من داخل النبات.

ليس فقط الفجل

يؤكد العلماء أن النتائج لا تعني أن الفجل وحده هو المعرض لهذا النوع من التلوث. فالآلية التي تسمح بمرور البلاستيك النانوي عبر الجذور قد تكون موجودة في العديد من الخضراوات المزروعة عالميًا، مثل الخس والقمح.

وكانت دراسات مخبرية سابقة قد أشارت إلى أن الجسيمات البلاستيكية النانوية قادرة على اختراق جذور هذه النباتات، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إثبات ذلك بشكل مباشر وتجريبي.

عواقب صحية مقلقة

رغم أن الآثار الصحية المباشرة لهذه الجسيمات على جسم الإنسان لا تزال غير واضحة، إلا أن القلق يتزايد. يتفتت البلاستيك إلى قطع أصغر فأصغر مع مرور الوقت، والبلاستيك النانوي صغير جدًا لدرجة أنه يستطيع التهرب من الدفاعات البيولوجية الطبيعية.

ويحذر الباحثون من أن هذه الجزيئات يمكن أن تسبب الالتهاب، أو تنقل السموم المرتبطة بها، أو تعطل العمليات الخلوية الحيوية.

وأضاف الفريق أن النتائج تطلبت توسيع نطاق الدراسة لتشمل محاصيل أخرى وظروف نمو مختلفة لتقييم النطاق العالمي للمشكلة وتأثيراتها الصحية المحتملة.

لم تعد المشكلة مجرد بيئة

أشار البروفيسور ريتشارد طومسون، رئيس وحدة أبحاث النفايات البحرية بجامعة بليموث والمؤلف المشارك في الدراسة، إلى أن الباحثين وجدوا جزيئات بلاستيكية في كل مكان بحثوا فيه سابقًا، سواءً في البيئات البحرية أو في مختلف المنتجات الغذائية. وهذا يعكس الآثار بعيدة المدى للتلوث البلاستيكي، لا سيما في ظل المخاوف المتزايدة بشأن انتقاله إلى السلسلة الغذائية البشرية.


شارك