آلام العصب الخامس.. رسالة من المخ بالغة الصدق شديدة القسوة
في البدء كان الألم: أدرك البشر معنى السعادة عندما شعروا بالألم، ثم خفّ. لذلك، يُستعاد من خلال سياقه. لطالما كان الألم هاجسًا يهرب منه البشر ويترددون في مواجهته. هل فكرت يومًا بعمق في طبيعته أو معناه؟عندما تلمس أصابعك النار، يدفعك الألم إلى سحب يدك بسرعة. بدون ألم، يمكنك مشاهدة أصابعك تحترق قبل أن تدرك أنك فقدتها بالفعل.الألم ليس إلا رسالة صادقة من الدماغ، تُرسل في الوقت المناسب لتحذير الجسم من الخطر الوشيك.كما أنه عرضة للأعطال أو الأمراض التي تهدد الطبيعة البشرية. لذلك، لا بد من دراسته لتحديد الترجمة الحقيقية لرسالة الدماغ. يختلف الأداء البشري، ويختلف تحمل الألم أيضًا. بعضنا يستطيع تحمل الألم بصبر والتعايش معه، بينما لا يستطيع آخرون تحمله ويعتبرونه مصدرًا ثانويًا لمعاناتهم.يُعد ألم العصب الثلاثي التوائم من أشد أنواع الألم وأكثرها إيلامًا. تُعاني النساء منه أكثر من الرجال. ورغم أن الألم يتجاوز كل الحدود، إلا أن التشخيص لا يمكن أن يتم إلا من قِبل طبيب أعصاب خبير، قادر على استبعاد حالات الألم المشابهة، مثل التهاب الفك والتهاب دواعم السن المزمن، بالإضافة إلى آلام عضلات الوجه ذات الأصول والأسباب المختلفة.العصب المبهم هو أحد الأعصاب الرئيسية التي تنشأ من الدماغ وتؤدي وظائف حسية مهمة. يقع على جانبي الرأس، ويتفرع ليغطي معظم مناطق الوجه: منطقة العين، والجبهة، ومنتصف الوجه، والفك.وهي المسؤولة عن جميع الأحاسيس في معظم أجزاء الوجه، وكذلك بعض العضلات الصغيرة المشاركة في مضغ الطعام أو التحدث.إنه يُفسد يومك. يختلف توزيع الألم؛ فقد يُحيط بالشخص من الجانب الأيمن أو الأيسر، أو يُحيط بالرأس بأكمله، ساحقًا عظامه بلا هوادة.لماذا يُعدّ الصداع أشدّ أنواع الألم؟ ألم العصب الثلاثي التوائم، والصداع النصفي، وبعض أورام الدماغ. ربما لأن منطقة الرأس تتقاطع فيها شبكات عصبية شديدة الحساسية، وتضمّ، بالإضافة إلى الدماغ، الحواس المختلفة – العينان، والفم، والأنف، والأذنان. وربما أيضًا لأنها منطقة غنية بتدفق الدم عبر شبكة كثيفة من الشرايين، تُزوّد جميع هذه المراكز المهمة بالأكسجين.لألم العصب الثلاثي التوائم أسبابٌ عديدة. قد ينجم عن ضغطٍ ناتج عن ورمٍ حميدٍ أو خبيثٍ على منشأ العصب، أو أحد فروعه الرئيسية الثلاثة، أو أحد الأوعية الدموية. كما قد ينجم عن مرضٍ يُؤدي إلى التهاب العصب نفسه، مثل فيروسٍ أو التهابٍ دون سببٍ عضويٍّ معروف. جميع هذه المظاهر تُؤدي إلى بؤرٍ من النشاط المرضي تُرسل باستمرار إشاراتٍ استغاثةٍ متقطعةً إلى الدماغ، تُشبه ومضات البرق من سفينةٍ تبتلعها أمواج المحيط. لا يستطيع الدماغ فهم هذه الإشارات المُربكة، فيُحشد كل قواه للإنقاذ. الألم الناتج، حتى لو كان قصيرًا، له آثارٌ مدمرة.لم يُعرف بعدُ ما الذي يُحفّز العصب الخامس إلى هذا الحد. مع ذلك، قد يكون ذلك مُحفّزات طبيعية بسيطة، مثل لمس الوجه، أو الحلاقة أو وضع مستحضرات التجميل. كما يُحتمل أيضًا تدفّق الهواء أو الانتقال من مكان دافئ إلى بارد.هل يمكنك حماية نفسك من ألم العصب الثلاثي التوائم؟ لا شيء يحمي من عذابه سوى التشخيص الصحيح الذي يؤدي إلى علاج ناجح، أو علاج يخفف بعض الألم الذي لا يُطاق ويحوّله إلى ألم يمكن السيطرة عليه.ويعتمد التشخيص على الفحص السريري الشامل للدماغ والأعصاب، يليه إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي المحوسب بعد استبعاد الأسباب الأخرى للألم في منطقة الوجه والفك.
< العلاج:
يختلف علاج ألم العصب الثلاثي التوائم باختلاف السبب. يتطلب تخفيف الضغط على منشأ العصب الناتج عن ورم أو تمدد الأوعية الدموية جراحةً عالية الخبرة والمهارة، وقد يكون الخيار الأكثر خطورةً إذا تبين أن الورم خبيث. هناك أيضًا إجراءات غير جراحية يُجريها أخصائيو الألم في عيادات الألم المزمن. تحت التخدير الموضعي، يُدخل الطبيب إبرة مصممة خصيصًا في الوجه، ويستخدم الأشعة المقطعية لتتبعها حتى تصل إلى منشأ العصب الثلاثي التوائم (عبر مسار تشريحي مدروس بعناية). يتضمن ذلك إما حقن مادة كيميائية لتقليل شدة الألم، أو إعطاء ترددات راديوية أو نبضات كهرومغناطيسية تُكوي جذور الأعصاب، مما يُحيّد الإحساس بالألم. أحدث الطرق هي الكي الإشعاعي باستخدام أشعة جاما. ومع ذلك، فهذه تقنية دقيقة تتطلب مهارة عالية. يلعب العلاج الدوائي دورًا هامًا أيضًا، حيث تختلف الأدوية باختلاف الحالة. وتشمل هذه الأدوية مسكنات الألم والأدوية المستخدمة لعلاج الصرع، وأهمها دواء تيجريتول، بالإضافة إلى مرخيات العضلات ومضادات الاكتئاب. – الوخز بالإبر: قد يساعد بعض الأشخاص ولا يساعد آخرين، ولكنه خيار فعال ولا حرج في تجربته، خاصة عندما يقترن بالتدليك من قبل متخصص في علاج آلام عضلات الوجه والرقبة. – يمكن لجرعات من فيتامين ب المركب أن تساعد الأعصاب في إدارة الألم ومن الأفضل إعطاؤها عن طريق العضل. – إن ممارسة بعض التمارين الرياضية والمشي في الهواء الطلق يمكن أن يجلب طاقة إيجابية تساعد على التحمل وربما حتى مكافحته.