التنمر في المدارس.. خطر يهدد فرحة العودة إلى الفصول

تستعد العائلات المصرية بفارغ الصبر لعودة أبنائها إلى المدارس صباح الغد، بتجهيز حقائبهم المدرسية وزيهم المدرسي وكتبهم. إلا أن هناك مشكلة أخرى، لا تقل أهمية عن الاستعدادات التقليدية، وهي ظاهرة التنمر في الفصول الدراسية وساحات المدارس. وقد تتحول فرحة العودة إلى معاناة يومية إذا لم تُعالج هذه الظاهرة.
أرقام مثيرة للقلق
وفقًا لتقرير صادر عن اليونسكو، يتعرض طالب من كل ثلاثة طلاب للعنف الجسدي مرة واحدة على الأقل سنويًا، بينما يعاني طالب من كل ثلاثة طلاب من التنمر التقليدي في المدرسة شهريًا. يؤثر التنمر الإلكتروني على طفل من كل عشرة، ويفاقم آثاره النفسية كالعزلة الشديدة والأرق، وفي بعض الحالات، الأفكار الانتحارية.
تُظهر الدراسات أيضًا أن بعض الفئات أكثر عرضة للعنف من غيرها. فالفتيات أكثر عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بنسبة تصل أحيانًا إلى 25%، وحوالي 40% من هذه الحوادث تقع داخل المؤسسات التعليمية نفسها. وهذا يُبرز الحاجة إلى اتخاذ تدابير لحماية الطلاب وضمان بيئة مدرسية آمنة للجميع.
ما هو التنمر؟
وفقًا لـ “سبيد هاي”، التنمر سلوك متكرر يهدف إلى إيذاء الآخرين نفسيًا أو جسديًا، وغالبًا ما يرتبط باختلال في توازن القوى. قد يحدث شخصيًا أو عبر الإنترنت، ويمارسه فرد أو مجموعة ضد ضحية واحدة أو أكثر.
ويتخذ العنف أشكالا عديدة: جسدية، مثل الضرب أو الدفع؛ ولفظية، مثل السخرية أو التهديد؛ واجتماعية، مثل الإقصاء المتعمد أو نشر الشائعات؛ وإلكترونية، مثل الرسائل أو وسائل التواصل الاجتماعي؛ وعنصرية، أو دينية، أو جنسية، أو على أساس الإعاقة أو المظهر.
لماذا يتنمر الطلاب؟
قال الدكتور جمال فرويز، طبيب نفسي، لصحيفة الشروق إنه في بداية العام الدراسي، عادةً ما يحاول الطلاب إثبات مكانتهم في الصف. ويلجأ بعضهم إلى التنمر لتحقيق ذلك. ومن الأسباب الأخرى تدني احترام الذات، أو الغضب أو الغيرة، أو تقليد السلوك العنيف في الأسرة، أو رغبة ضحية سابقة في عكس الأدوار.
ويضيف أن التنمر يبدأ في كثير من الأحيان داخل الأسرة: “الجدال المستمر بين الزوجين يفرض ضغوطاً على الأطفال ويدفع البعض إلى التنمر على أقرانهم، لكن الأسرة الهادئة والقريبة تنشئ أطفالاً أكثر توازناً”.
وأكد أيضاً أن المدارس تتحمل المسؤولية الأولى في مكافحة هذه الظاهرة، وحذر من أن بعض المعلمين قد يساهمون في ترسيخها من خلال السخرية من الطلبة دون قصد.
كما أكد على أهمية إعداد الطلاب قبل إلحاقهم بذوي الاحتياجات الخاصة. وأوضح أن تكليفهم بمسؤولية دعم أقرانهم المختلفين يشجعهم على تكوين صداقات حقيقية ويقيهم من التنمر.
أصوات أخرى
كما تؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن شخصية المتنمر غالبًا ما تنبع من غضب وسلوك والديه. وترى أن التحضير للمدرسة لا يقتصر على شراء الكتب فحسب، بل يشمل أيضًا تهيئة الطلاب للتعاون وبناء الصداقات.
وأكد خضر على دور الإعلام واعتبر أنه من الضروري للغاية تقديم نماذج إيجابية من خلال إنتاجات هادفة على غرار الأعمال الدرامية القديمة مثل “عائلة واني”، بدلاً من استخدام محتوى عنيف يحرض على السلوك العدواني.
كما أكدت على ضرورة إلزام أولياء الأمور بحضور اجتماعات أولياء الأمور والمعلمين لمراقبة سلوك أبنائهم. واقترحت أيضًا تنظيم جلسات إرشاد ودعم، وتشجيع الأنشطة الجماعية التي من شأنها تعزيز روح الفريق، وبالتالي الحد من التنمر.
التنمر أمر غير مقبول دينيا وأخلاقيا.
تعتقد الدكتورة رحاب عبد الفتاح، طبيبة ومعالجة نفسية، أن التنمر قد يحدث في أي فئة طلابية، ولكنه يُصبح خطرًا حقيقيًا إذا تُرك دون رادع. وتؤكد أن بدء الدراسة فرصة لتعليم الأطفال أن الاختلاف أمر طبيعي، وأن التنمر مرفوض دينيًا وأخلاقيًا.
وتنصح الأسر التي يتعرض أطفالها للتنمر بتقديم الدعم النفسي لهم وبناء ثقتهم بأنفسهم من خلال تمثيل المواقف معهم وتدريبهم على التصرف بشكل حاسم وبدون عدوانية.
خطوات فعالة لمكافحة الظاهرة
واتفق الخبراء الثلاثة على بعض التدابير التي ينبغي النظر فيها في بداية الدراسة للحد من التنمر:
العائلة: تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم وإعداد الأدوات المدرسية.
المدرسة: تفعيل دور الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، ومراقبة سلوك الطلبة عن كثب، وتطبيق سياسات واضحة ضد التنمر أو السخرية.
الإعلام: نشر الوعي من خلال محتوى هادف يقدم نماذج إيجابية وينقل قيم الاحترام والتسامح.
المجتمع: إشراك أولياء الأمور في زيارات المتابعة المنتظمة وتنظيم الأنشطة الجماعية التي تسهل تعاون الطلاب والمجتمع.
عندما يعود الطلاب إلى المدرسة غدًا، فإن مكافحة التنمر منذ اليوم الأول ليست مجرد إجراء وقائي، بل هي أيضًا استثمار في جيل أكثر وعيًا ومرونة. هذا سيحدد ما إذا كان طلابنا سيعودون إلى الفصول الدراسية متحمسين للتعلم أم مثقلين بصدمة نفسية تعيق تقدمهم المستقبلي.