مع اقتراب الدراسة.. كيف تدفع الوجبات السريعة أطفال العالم نحو السمنة أكثر من نقص الوزن؟

منذ 1 يوم
مع اقتراب الدراسة.. كيف تدفع الوجبات السريعة أطفال العالم نحو السمنة أكثر من نقص الوزن؟

يستعد ملايين الأطفال للعودة إلى المدارس في الأيام المقبلة. ولا يقتصر قلق الآباء على شراء الزي المدرسي الجديد والكتب، بل يتزايد أيضًا بشأن قضية أكثر خطورة: الصحة الغذائية لأطفالهم.

قد تُشكّل بيئة الطعام في المدرسة خطرًا على الأطفال، إذ تُقدّم كميات أكبر من “المشروبات الغازية والحلويات السكرية والوجبات السريعة” مقارنةً بالفواكه والخضراوات. يُجبر الأطفال على الاعتماد على بدائل سريعة ورخيصة، غنية بالسعرات الحرارية وقليلة العناصر الغذائية.

نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تقريرًا صادمًا يكشف أن السمنة أصبحت، ولأول مرة، أكثر شيوعًا من نقص الوزن بين الأطفال والمراهقين. وقد حوّل هذا المشكلة من قضية فردية إلى أزمة عالمية تُهدد مستقبل أجيال بأكملها.

* أرقام صادمة تكشف حجم الأزمة

وفقًا لتقرير صادر عن اليونيسف، يعاني حوالي 188 مليون طفل ومراهق في سن الدراسة من السمنة، أي ما يعادل واحدًا من كل عشرة أطفال. وقد انخفضت نسبة الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن إلى 9.2% فقط، بينما وصل معدل السمنة إلى 9.4%.

بمقارنة هذه الأرقام بأرقام عام ٢٠٠٠، يتضح حجم التغيير: كان ما يقرب من ١٣٪ من الأطفال يعانون من نقص الوزن، بينما كان ٣٪ فقط يعانون من السمنة. بمعنى آخر، تضاعفت هذه الظاهرة ثلاث مرات في عقدين فقط.

قالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف: “عندما نتحدث عن سوء التغذية اليوم، فإننا لم نعد نعني فقط نقص الوزن أو توقف النمو. بل أصبحت السمنة الوجه الجديد لهذه الأزمة، إذ تهدد صحة الأطفال ونمو أدمغتهم”.

* العدو الأول في الحقيبة المدرسية

يعزو التقرير هذا الازدهار إلى الانتشار الواسع للأطعمة فائقة المعالجة، بما في ذلك “المشروبات الغازية، والبسكويت، والكعك، والحبوب المُحلاة، والوجبات الجاهزة”. تحتوي هذه المنتجات على نسبة عالية من السكر والدهون والملح، ومع ذلك فهي غير مكلفة ومتوفرة بسهولة.

في بداية العام الدراسي، يُحاط الطلاب بها في كل مكان: “من كافتيريا المدرسة إلى أقرب متجر، ومن إعلان على هواتفهم المحمولة إلى حملة إعلانية مُستهدفة على منصات التواصل الاجتماعي”. هذه البيئة الغذائية السامة لا تترك لهم أي فرصة للاختيار الحر، بل تضغط عليهم لاستهلاك كل ما يُقدم لهم بوفرة.

* المخاطر الصحية الممتدة

لا تقتصر الآثار الضارة للسمنة على زيادة الوزن فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى مضاعفات خطيرة في المستقبل. وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال المصابين بالسمنة أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، وداء السكري من النوع الثاني، وبعض أنواع السرطان.

وبحسب تقديرات الاتحاد العالمي للسمنة، فإن التكلفة الاقتصادية العالمية للسمنة وزيادة الوزن قد تتجاوز 4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035، مما يفرض عبئا هائلا على أنظمة الصحة العامة والاقتصادات.

* العبء المزدوج سواء الجوع أو الوزن الزائد

ومن المفارقات الواضحة أيضًا أن السمنة لا تُقصي أشكال سوء التغذية الأخرى، بل إنها تتعايش معها في بعض البلدان. ففي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، يعاني طفل من كل ثمانية أطفال من السمنة أو زيادة الوزن، بينما يعاني طفل من كل أربعة أطفال من التقزم بسبب سوء التغذية.

“غالبًا ما يُعزى سوء التغذية إلى نقص الوزن، لكن للسمنة عواقبها طويلة الأمد نفسها. أطفالنا إما جائعون أو ضاقوا ذرعًا بوجبات رديئة الجودة، وفي كلتا الحالتين تكون العواقب وخيمة”، هذا ما قاله الدكتور نوماثيمبا تشانديوانا من مؤسسة ديزموند توتو الصحية، وفقًا لصحيفة الغارديان البريطانية.

* المدرسة هي خط الدفاع الأول في هذه الأزمة.

وأوصى تقرير اليونيسيف بتطبيق سياسات مدرسية صارمة، مثل حظر بيع الأغذية غير الصحية في المدارس، وتوفير وجبات مغذية بأسعار معقولة في الكافيتريات، وحظر الإعلانات التجارية الموجهة للطلاب، وتنظيم أنشطة التثقيف الصحي في الفصول الدراسية والأسر.

* تجربة ملهمة

ومن الأمثلة التي ذكرها التقرير المكسيك، التي حظرت بيع الأطعمة فائقة التصنيع في المدارس. ورغم الجدل الدائر حول هذه الخطوة، اعتُبرت مثالاً ناجحاً يُمكن للدول الأخرى الساعية لحماية أطفالها أن تحذو حذوه.

* مسؤولية الحكومات والأسر

ودعت اليونيسف الحكومات إلى التحرك بشكل عاجل وفرض ضرائب على المنتجات غير الصحية، وإلزام الشركات بوضع ملصقات واضحة على المكونات والسعرات الحرارية، وإنشاء برامج دعم للأسر ذات الدخل المنخفض لتسهيل شراء الأغذية الطازجة.

لكن المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومات فحسب، بل على عاتق الأسر أيضًا. مع بدء العام الدراسي، يجب على الآباء، من جهة، إقناع أبنائهم بتجنب الوجبات السريعة، ومن جهة أخرى، تقديم بدائل صحية وجذابة لهم.


شارك