أكاديمي فرنسي: اعترافنا بدولة فلسطين خطوة حاسمة وسط مأساة غزة

إن موقف فرنسا يبعث برسالة مفادها أن الحرب لن تؤدي إلى نتائج.
إن شدة الانتقادات التي تعرض لها قرار ماكرون تظهر أن هذه الخطوة الدبلوماسية مهمة وتتمتع بقيمة ودلالة كبيرتين.
إن إسرائيل تتجه نحو الكارثة على كافة المستويات، بدءاً من العزلة الدبلوماسية وحتى الانهيار الأخلاقي.
قال جان بول شانيولا، الخبير الفرنسي البارز في شؤون الشرق الأوسط وأحد أبرز علماء السياسة: “لقد اعترف العالم أجمع، باستثناء الدول الغربية، بدولة فلسطين”. وأكد أن خطوة بلاده كانت “خطوة حاسمة، لا سيما في ظل المأساة في قطاع غزة”.
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، أكد تشانيولا، وهو أيضا الرئيس الفخري لمعهد أبحاث البحر المتوسط والشرق الأوسط، أن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين يبعث برسالة مفادها أن “الحرب لن تحقق نتائج بل ستؤدي فقط إلى مآسي لا نهاية لها”.
ويأتي هذا في الوقت الذي تستمر فيه الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ ما يقرب من عامين، وأعلنت دول أوروبية، بما في ذلك فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة، عن نيتها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خلال مؤتمر الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول من هذا العام.
في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، صوّت البرلمان الفرنسي مرتين في ديسمبر/كانون الأول 2014 على مقترحين يدعوان الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطين. إلا أن السلطات امتنعت آنذاك عن اتخاذ هذه الخطوة لاعتبارات وطنية ودولية.
ورغم أن فرنسا اعترفت رسميا بإسرائيل في 25 يناير/كانون الثاني 1949، وأكدت دعمها لحل الدولتين لعقود من الزمن، فإنها لم تتخذ أي خطوات ملموسة للاعتراف بفلسطين.
لكن الحكومة الفرنسية أعلنت في يوليو/تموز الماضي أنها ستتخذ هذه الخطوة هذا الشهر.
في 24 يوليو/تموز، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في منشور على منصة إكس: “وفاءً بالتزام فرنسا التاريخي بتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، قررنا الاعتراف بدولة فلسطين”.
وأثار هذا الإعلان ردود فعل غاضبة في إسرائيل، حيث اتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ماكرون في رسالة رسمية مؤرخة في 17 أغسطس/آب بإشعال “نيران معاداة السامية” من خلال دعوة دول أخرى إلى الاعتراف بفلسطين.
ورد قصر الإليزيه في 20 أغسطس/آب قائلا إن رسالة نتنياهو كانت “تحليلا زائفا ومثيرا للاشمئزاز”.
ورفض ماكرون اتهامات نتنياهو أيضا في رسالة رد نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية في 26 أغسطس/آب، مدعيا أن “احتلال غزة لن يجلب النصر لإسرائيل أبدا”.
11 سنة من الانتظار
وفي سياق هذه التطورات، أكد البروفيسور تشانيولا أن إعلان الرئيس ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين كان “خطوة طال انتظارها” من قبل الكثيرين.
وأضاف: “قبل أحد عشر عامًا، دعت الجمعية الوطنية، بالاشتراك مع مجلس الشيوخ، الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطين”.
وأشار شانيولا إلى أن “إعلان ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين له أهمية خاصة في ضوء المأساة في قطاع غزة”.
وأوضح أن فرنسا بهذا الموقف ترسل رسالة مفادها أن “الحرب لن تسفر عن نتائج بل ستؤدي فقط إلى مآسي لا نهاية لها”.
وأكد أن الحل الوحيد الممكن لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو حل الدولتين.
وأعرب عن اعتقاده بأن الاعتراف بدولة فلسطين يعني قبول خيار الحل. وأضاف: “وبالطبع هذا يعني أيضا احترام القانون الدولي الذي تنتهكه حكومة نتنياهو يوميا، مما يخلق ظروفا مأساوية”.
خطوة مشجعة
وأشار شانيولا إلى أن فرنسا أرادت من خلال هذه الخطوة تشجيع الدول الغربية الأخرى على تبني الموقف نفسه.
وتابع: “في الحقيقة كل العالم اعترف بدولة فلسطين باستثناء الغرب”.
وأشار إلى أن بعض الدول الغربية، مثل إيرلندا، اعترفت بالفعل بفلسطين.
وأكد أنه من “الضروري” بالنسبة لدولة مثل فرنسا التي تتمتع بنفوذ كبير في الغرب أن تتخذ هذه الخطوة.
وأضاف أن القرار الفرنسي من شأنه أن يدفع دولاً أخرى، مثل كندا، إلى السير في الاتجاه نفسه.
وأكد أهمية هذه الخطوة التي “تمثل بداية الجهود الغربية للاعتراف بدولة فلسطين”.
وأوضح أن قرار ماكرون اتخذ بعد فترة طويلة من التفكير، تخللتها فترات من التردد.
وأشار إلى أن هناك مؤشرات على تغير في موقف الإليزيه خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين.
ويرى الخبير الفرنسي أن “انتهاكات القانون الدولي والمجاعات والإبادة الجماعية التي شهدها العالم في الأشهر الأخيرة شجعت ماكرون على اتخاذ هذه الخطوة”.
وأضاف: “نظرا لمواقف بعض الأطراف في فرنسا والعلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد تطلب الأمر شجاعة لاتخاذ هذا القرار”.
ووصف تشانيولا الانتقادات الشديدة التي واجهها ماكرون فور إعلان القرار، وخاصة من إسرائيل، قائلا: “إن شدة الانتقادات تظهر أن هذه الخطوة الدبلوماسية مهمة ولها قيمة ودلالة كبيرتين”.
وختم قائلا إن رسالة ماكرون لإسرائيل هي: “العودة إلى إطار القانون الدولي وقبول حل الدولتين كخيار ممكن وحيد، مقابل موافقة عدد من الدول العربية، وربما جميعها، على تطبيع علاقاتها مع تل أبيب”.
وأكد أن هذا الأمر “حاسم لأنه يرتكز على فكرة دمج إسرائيل في الشرق الأوسط سلميا ومن خلال إطار سياسي”.
إسرائيل تتجه نحو الكارثة
ورأى البروفيسور شانيولا أن رسالة الرئيس الفرنسي إلى نتنياهو تضمنت فكرة “حماية إسرائيل من نفسها”.
وأشار إلى أن “ماكرون أبلغ نتنياهو ضمناً أن بلاده تتجه حرفياً نحو الكارثة”.
قال شانيولا: “إسرائيل تتجه نحو كارثة على جميع المستويات. الأمر لا يتعلق فقط بالعزلة الدبلوماسية، بل أيضًا بالانهيار الأخلاقي مع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وتخطيط وتنظيم عمليات التهجير، وهي مسؤولية تاريخية جسيمة”.
وتابع: “كل هذا يشهد على تدهور أخلاقي خطير. ولذلك أعتقد أن هذه النقطة لعبت دورًا في موقف الرئيس الفرنسي الحالي”.
وفيما يتعلق بادعاءات نتنياهو بأن قرار ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول من هذا العام من شأنه أن يؤدي إلى زيادة معاداة السامية، علق شانيولا: “يحاول نتنياهو تسييس قضية معاداة السامية، ويستخدم هذا الاتهام في كل موقف تقريبا”.
وأوضح أن فرنسا منذ عهد الرئيس الأسبق شارل ديغول اتخذت موقفا من القضية الفلسطينية يرتكز على القانون الدولي.
وأضاف: “بما أن القانون الدولي يؤكد على حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد، فقد تحركت فرنسا في هذا الاتجاه”.
وأشار إلى أن “الاتحاد الأوروبي أعلن في العام 1999 أن الوقت قد حان للاعتراف بدولة فلسطين، ولكن على مدى 25 عاماً، اعتقد الرؤساء المتعاقبون أن الوقت لم يحن بعد”.
بدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
في هذه الإبادة الجماعية، قُتل 64,656 فلسطينيًا وجُرح 163,503 آخرون، معظمهم من الأطفال والنساء. واختفى أكثر من 9,000 شخص، ونُزح مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة 404 فلسطينيين، بينهم 141 طفلًا.