الملح: ضرورة حياتية أم تهديد صامت؟

منذ 6 أيام
الملح: ضرورة حياتية أم تهديد صامت؟

على الرغم من بساطته وكثرة استخدامه في كل مطبخ، إلا أن الملح ليس مجرد مُحسِّن للنكهة؛ بل هو عنصر حيوي أساسي لبقاء الإنسان. يحتاج الجسم إلى الصوديوم، وهو مكونه الرئيسي، لأداء وظائف حيوية، من نقل الإشارات العصبية إلى تنظيم توازن السوائل.

رغم هذه الأهمية، قد يتحول الملح من عامل صحي إلى خطر صامت على الجسم إذا تجاوزنا الكميات الموصى بها، سواء بالإفراط أو النقص. فالخط الفاصل بين النفع والضرر رفيع، بين الإفراط الذي يُجهد القلب والشرايين، ونقص يُربك الجهاز العصبي ويُضعف التركيز.

*أكثر من مجرد طعم

وفقًا لشبكة CNN، يُعدّ الملح ضروريًا للحياة لأنه يتكون أساسًا من الصوديوم، وهو ضروري لوظائف الخلايا النشطة كهربائيًا، مثل الخلايا العصبية والعضلات. فبدون الصوديوم، لا يستطيع الجهاز العصبي نقل الإشارات، ولا تستطيع العضلات الانقباض أو الاسترخاء. كما أنه مُكوّن مهم لبنية الجلد والعظام.

يمكن أن يؤدي نقص الصوديوم إلى مضاعفات خطيرة، تتراوح بين الارتباك وضعف التركيز وردود الفعل، وصولًا إلى النوبات أو الغيبوبة. لذلك، يُعتبر نقص الصوديوم في الجسم حالة طبية طارئة، تُعرف باسم نقص صوديوم الدم.

* الكمية الموصى بها

توصي منظمة الصحة العالمية بتناول حوالي خمسة غرامات من الملح يوميًا. وهذا يعادل حوالي ملعقة صغيرة من الملح، والتي تحتوي بدورها على غرامين من الصوديوم. إلا أن الأرقام تكشف عن مفارقة لافتة: يبلغ متوسط الاستهلاك العالمي أحد عشر غرامًا يوميًا، أي أكثر من ضعف هذه الكمية.

وتشير المنظمة إلى أن 1.89 مليون شخص يفقدون حياتهم سنويا بسبب الإفراط في استهلاك الملح، أو أمراض القلب، أو السكتات الدماغية، أو الفشل الكلوي.

ومع ذلك، فقد وجدت بعض الدراسات أيضًا صلة بين انخفاض تناول الملح وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. هذه الحقيقة تُعقّد الصورة وتؤكد أن الأمر لا يقتصر على تقليل أو زيادة تناول الملح، بل يتعلق بالوصول إلى مستوى معتدل منه.

*لماذا نستمتع بالأطعمة المضاف إليها الملح؟

وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، عندما تذوب بلورات الملح في اللعاب، تدخل أيونات الصوديوم إلى براعم التذوق، مُحدثةً شرارة كهربائية صغيرة تُحفز الخلايا العصبية. هذا التفاعل لا يُضفي مذاقًا لذيذًا فحسب، بل يُحفز أيضًا الجسم والعقل. ولعل هذا هو سبب صعوبة تأقلم الكثيرين مع الطعام الخالي من الملح.

* ماذا يحدث إذا تناولت كمية كبيرة من الملح؟

تشير الدراسات إلى أن تناول خمسة غرامات إضافية من الملح يوميًا قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 17% والسكتة الدماغية بنسبة 23%. وعلى المدى الطويل، يُسهم ارتفاع ضغط الدم الناتج عن الملح في تلف الشرايين وتصلبها.

عند الإفراط في تناول الملح، يحتفظ الجسم بالسوائل لتخفيف الصوديوم، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. هذا الضغط الزائد يضغط على الأوعية الدموية، والتي إذا ضعفت، قد تنفجر وتُسبب سكتة دماغية.

* ماذا عن نقص الملح؟

من ناحية أخرى، يُحذّر بعض العلماء من أن تقليل تناول الملح إلى أقل من الحد الأدنى قد يكون بنفس الخطورة. ووفقًا لشبكة CNN، وجدت دراسة أجريت على أكثر من 170 ألف شخص أن استهلاك أقل من 7.5 غرام من الملح يوميًا يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والوفاة لدى كل من المصابين بارتفاع ضغط الدم والأشخاص الأصحاء، مقارنةً بمن يتناولون كميات معتدلة (حوالي 12 غرامًا يوميًا).

* التجارب العالمية حول تأثيرات الملح

تؤكد التجارب العملية تأثير الملح على الصحة العامة. ففي اليابان، انخفض استهلاك الملح من 13.5 غرامًا في ستينيات القرن الماضي إلى 12 غرامًا، وانخفض عدد الوفيات الناجمة عن السكتات الدماغية بنسبة 80%.

وفي فنلندا، انخفض استهلاك الفرد من السكر من 12 إلى 9 جرامات بين سبعينيات القرن العشرين ومطلع الألفية الجديدة، مما أدى إلى انخفاض أمراض القلب والدماغ بنسبة 80%.

في المملكة المتحدة، ساهمت الإجراءات الحكومية التي تُلزم شركات الأغذية بخفض نسبة الملح في منتجاتها في خفض متوسط الاستهلاك من 9.5 غرام إلى 8 غرامات. ومع ذلك، لا يزال هذا الرقم أعلى من الحد الموصى به.

*الاعتدال هو الحل

يتفق معظم الخبراء الطبيين على أن الحل يكمن في تناول الملح باعتدال. فالمشكلة ليست في الملح نفسه، بل في كميته. فبمجرد الاعتدال، يمكن لهذا العنصر البسيط أن يصبح حليفًا للصحة، لا عدوًا لها. لا الإفراط في تناوله يُرهق القلب والكلى ويرفع ضغط الدم، ولا الإفراط في تناوله يُخل بتوازن السوائل ويُضعف الدماغ والأعصاب.

ولتحقيق ذلك، ينصح الخبراء بتعزيز النكهة باستخدام الأعشاب والتوابل بدلاً من الملح، والبحث عن منتجات منخفضة الصوديوم مثل الخبز والمعكرونة، ومراقبة محتوى الصوديوم على ملصقات الأطعمة.

كما أن تناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم مثل الفواكه والخضروات والمكسرات يمكن أن يساعد أيضًا في التخفيف من الآثار الضارة للإفراط في تناول الملح.


شارك