خسوف القمر.. مسرح للقصص والخرافات عبر حضارات العالم

منذ 3 ساعات
خسوف القمر.. مسرح للقصص والخرافات عبر حضارات العالم

ينتظر ملايين البشر حول العالم مشهدًا فلكيًا بديعًا عندما تشهد الأرض إحدى أهم الظواهر الفلكية يوم الأحد: خسوف كلي للقمر. خلال هذا الخسوف، يختفي ضوء القمر تمامًا خلف ظل الأرض، مما يتيح لعشاق الفلك والفضاء فرصة رصده والتقاط صور نادرة. لكن وراء هذا الجمال السماوي تكمن قصص وأساطير وتفسيرات دينية متنوعة شكّلتها الشعوب وثقافاتهم على مر العصور.

وراء هذه الظاهرة العلمية يكمن حدث سماوي خارق للطبيعة.

يحدث خسوف القمر عندما تمر الأرض بين الشمس والقمر، مُلقيةً بظلها على سطحه. ورغم عدم وجود ضوء شمس مباشر، يعكس الغلاف الجوي للأرض بعضًا من ضوء القمر، مما يجعله يبدو بلون يتراوح بين الرمادي الداكن والأحمر النحاسي. وقد أُطلق على هذه الظاهرة اسم “القمر الدموي” الشائع. يرفض علماء الفلك هذا الاسم، إذ يُوحي بدلالات غامضة ويُشير إلى حدث غامض ومخيف، بينما هو في الواقع مجرد ظاهرة طبيعية مُتنبأ بها بدقة.

نمر يلتهم القمر

وفقًا لموقع “ذا كونفرسيشن”، لطالما أثار خسوف القمر عبر التاريخ رهبةً وخوفًا عميقين. كان الإنكا يعتقدون أن نمرًا عملاقًا سيهاجم القمر ويبتلعه. فكانوا يصرخون ويصدرون أصواتًا عالية، ويجعلون كلابهم تنبح لتخويف الوحش السماوي وحماية الأرض من غضبه.

في بلاد ما بين النهرين، ارتبطت الكسوفات بمصير الملك. كان التنبؤ بها دقيقًا، فعُيّن ملك بديل ليحكم مؤقتًا حتى ينقشع الظلام ويختفي الملك الحقيقي. بعد الكسوف، اختفى الملك البديل، مبرزًا بذلك تضحيته كدرع بشري للملك الأصلي.

– الأسطورة الآسيوية عن راو والانتقام الأبدي

في الثقافة الهندوسية، يرتبط الكسوف بقصة الشيطان راهو، الذي شرب إكسير الخلود، فقُطع رأسه على يد آلهة الشمس والقمر. ولأن رأسه بقي خالدًا، فقد طارد الشمس والقمر إلى الأبد، ويلتهمهما بمجرد إدراكه لهما. ولذلك، فُسِّر الكسوف واعتُبر نذير شؤم يستدعي طقوسًا واحتياطات، وخاصةً للنساء الحوامل، اللواتي نُصحن بتجنب الأكل أو العمل أثناء الظاهرة.

يتضمن جانب آخر من كسوف الشمس الشفاء والمصالحة.

لكن بعض الثقافات قدمت صوراً أكثر إنسانية في مقابل هذه الرؤى القاتمة، مثل قبائل هوبا ولويسينو في كاليفورنيا، الذين اعتقدوا أن القمر يمرض أثناء كسوف الشمس، فغنوا الأغاني وصلوا من أجل شفائه.

يعتبر شعب باتاماليبا في توغو وبنين في أفريقيا كسوف الشمس رمزًا للصراع بين الشمس والقمر. وقد استغلوا هذه المناسبة كفرصة للمصالحة، حيث اجتمع الناس لتسوية خلافاتهم وإنهاء صراعاتهم. ولا تزال هذه العادة مستمرة حتى يومنا هذا.

من الخوف إلى العبادة

في الإسلام، يرتبط خسوف القمر بشعيرة دينية محددة، لا بأي من الخرافات المذكورة آنفًا. فكلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم خسوفًا للقمر، سارع إلى الدعاء والتضرع، مُذكرًا الناس بعظمة الله وقدرته. وأنشأ صلاة الكسوف التي لا يزال المسلمون يؤدونها حتى اليوم.

في المسيحية، ارتبط الكسوف تاريخيًا بمشاعر الغضب الإلهي، وأحيانًا بإحياء ذكرى صلب المسيح. وفي العصر الحديث، ربط الواعظ الأمريكي جون هاجي، في كتابه “أربعة أقمار دموية” الصادر عام ٢٠١٣، الكسوف بنبوءات نهاية العالم، بعد أن تزامنت أربعة كسوفات متتالية مع الأعياد اليهودية عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥. ورغم أن هذه النبوءة أثارت انتقادات واسعة، إلا أنها ساهمت في شيوع مصطلح “القمر الدموي” عالميًا.

بفضل التقدم العلمي، لم يعد خسوف القمر يُثير الرعب كما كان في السابق. بل إنه يُتيح فرصةً للاحتفال بإحدى أجمل الظواهر الفلكية، كاشفًا عن جمال الكون وتناغمه. يُبثّ الخسوف الآن مباشرةً على شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي، مُرفقًا بصور ومقاطع فيديو من عواصم ومدن حول العالم.


شارك