الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين.. قراءة نقدية لكتاب «الأعمال المستدامة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي» لمحمود محيي الدين ومحمد زهران

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية محايدة، بل هو قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية ناشئة تتطلب توجيهًا واعيًا وإدارةً حكيمة.
الناشر: يدعو هذا الكتاب القراء لاستكشاف العلاقة الوثيقة بين الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة. وهو مرجعٌ للباحثين ورواد الأعمال وجميع القراء الراغبين في مستقبلٍ أكثر إنصافًا والتزامًا بالقيم في عصر الذكاء الاصطناعي.
نشرت دار سبرينغر إنترناشونال، وهي دار نشر أكاديمية عالمية رائدة متخصصة في العلوم والتكنولوجيا، مؤخرًا كتابًا بعنوان “الأعمال المستدامة باستخدام الذكاء الاصطناعي”. يستكشف الكتاب إحدى أكثر القضايا تعقيدًا وإثارة للجدل التي تواجه عالمنا اليوم: كيف يمكن للتكنولوجيا دعم التنمية دون أن تصبح مصدرًا مباشرًا للعديد من المخاطر الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي يصعب إدارتها؟
في هذا الكتاب الجديد باللغة الإنجليزية، يحاول المؤلفون – الدكتور محمود محيي الدين، وزير الاستثمار المصري السابق، وأستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030؛ وماريا أليخاندرا جونزاليس بيريز، أستاذة الاستدامة المؤسسية بجامعة إيفيت في كولومبيا؛ والدكتور محمد زهران، أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة نيويورك والمتخصص في الذكاء الاصطناعي – الإجابة على هذا السؤال من خلال تقديم عمل تعاوني شامل يجمع بين النظرية والتحليل التطبيقي ويقدم رؤية بانورامية للعلاقة بين الذكاء الاصطناعي ومسارات التنمية المستدامة العالمية.
يستكشف الكتاب التفاعل المعقد بين الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة للشركات، جامعًا بين الرؤى النظرية والتطبيقات العملية. ويتعمق في نقاشات الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في سياق التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات، ويوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي دعم الممارسات المستدامة، وخاصةً للعامة.
في الوقت نفسه، يطرح الكتاب أسئلةً معقدة، لا سيما فيما يتعلق بالتوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. يقدم المؤلفان نظرةً شاملةً للدراسات العلمية، ويحللان الاختلافات بين الشركات الراسخة والشركات ذات التوجه نحو الاستدامة في التعامل مع هذه التناقضات.
ويقوم المؤلفون أيضًا بدراسة نقدية للتفاعل بين الذكاء الاصطناعي وممارسات الشركات من ناحية والجهود الإقليمية لمعالجة التحديات الإنسانية الكبرى – مثل تغير المناخ وانتشار الفقر – من ناحية أخرى، مع التأكيد على الحاجة إلى استراتيجيات تحويلية ونماذج حوكمة يمكنها تعزيز المساهمة الإيجابية للشركات في الاستدامة.
ابتداءً من الفصل الأول من الكتاب، وضع المؤلفان إطارًا شاملًا لفهم دور الذكاء الاصطناعي في أبعاد التنمية الثلاثة: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ورغم الفرص الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فقد أشار المؤلفان أيضًا إلى تحديات الفجوة الرقمية، وتعقيد الحوكمة، والاعتبارات الأخلاقية. وقد مهد هذا الفصل الطريق لرحلة فكرية يتنقل فيها القارئ بين الآمال الكبيرة الكامنة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمخاطر الجسيمة التي تُشكلها.
سلط الفصل الثاني الضوء على الطبيعة المزدوجة للتكنولوجيا: فهي تمتلك إمكانات هائلة لمعالجة التحديات المجتمعية، لكنها في الوقت نفسه تُهدد بتعميق الانقسامات بين الناس وخلق مخاطر جديدة. ناقش هذا الفصل أهم هذه القضايا، مثل التحيز الخوارزمي (وهو انحراف في نتائج النماذج الحاسوبية ناتج عن تصميم الخوارزمية أو البيانات المستخدمة لتدريبها)، واختراقات البيانات، وعدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا. واستُند الفصل إلى أمثلة من دول مختلفة لتوضيح أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين.
ينتقل الفصل الثالث من الإطار النظري إلى الأدلة الملموسة. وتُظهر دراسات حالة متنوعة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي عمليًا لتحقيق نتائج بيئية واقتصادية واجتماعية ملموسة. ويُتيح التحليل المقارن لهذه التجارب للقارئ نظرةً أوضح على عوامل النجاح والدروس المستفادة، مما يعكس تركيز الكتاب الواضح على التطبيق.
في الفصل الرابع، يناقش المؤلفون فرص الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من منظور الأعمال ويطرحون سؤالاً حاسماً: لماذا ينبغي للشركات الاستثمار في الذكاء الاصطناعي الموجه نحو الاستدامة؟
في هذا الفصل، يناقش المؤلفان تفسيرات اقتصادية بحتة لهذا الأمر، مثل خفض التكاليف، وإدارة المخاطر، والاستفادة من مصادر دخل جديدة، وتحقيق مزايا تنافسية في الأسواق. كما يستخدم الكتاب أمثلة عملية لتسليط الضوء على شركات من مختلف القطاعات نجحت في التوفيق بين الربحية والأهداف البيئية والاجتماعية. تناول الفصل الخامس مفهوم الحوكمة والهيكل التنظيمي اللازمين للاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي. وناقش التوجهات العالمية في هذا المجال ودور التعاون الدولي، مؤكدًا على ضرورة تحمل الشركات مسؤولية واضحة لضمان ألا يُعزز استخدام الذكاء الاصطناعي عدم المساواة ولا يُقوّض قيم العدالة.
يُعرّف الفصل السادس القارئ بأهم التغييرات في سوق العمل الحالي. على سبيل المثال، سيطرت الأتمتة – أو عمليات الأتمتة التي يُحركها الذكاء الاصطناعي – على عالم الأعمال اليوم، وأعادت رسم مشهد المهارات، وأثارت مخاوف عديدة بشأن فقدان الوظائف. ومع ذلك، يتجاوز الكتاب التحذيرات، إذ يقترح مسارات لإعادة التدريب والتأهيل، ويعرض استراتيجيات من مختلف البلدان تضمن انتقالًا أكثر عدالة إلى اقتصاد معرفي جديد.
يستكشف الفصل السابع المدن الذكية كمثال حيّ على كيفية تجسيد الذكاء الاصطناعي لأهداف الاستدامة على جميع المستويات، بدءًا من إدارة الطاقة والمرور وصولًا إلى الحد من النفايات وتحسين القدرة على التكيف مع تغير المناخ. ويعرض الكتاب أمثلة من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، موضحًا كيف يمكن للتكنولوجيا أن تصبح أداةً لتحويل البيئة الحضرية بما يخدم رفاهية الإنسان، وإن لم يخلو ذلك من تحديات أخلاقية وتنظيمية.
استحوذت حماية التنوع البيولوجي للكائنات الحية على جزء كبير من الفصل الثامن. وبحث المؤلفون كيفية استخدام الخوارزميات الحديثة لمراقبة الأنواع المهددة بالانقراض، ومراقبة الموائل الطبيعية، ومكافحة الصيد الجائر، وحتى مساعدة المجتمعات المحلية في إدارة مواردها.
لفت المؤلفون الانتباه أيضًا إلى قضايا حساسة مثل سيادة البيانات. وهذا يعني ضمان خضوع البيانات للقوانين واللوائح الحكومية، واحترام المعرفة المحلية للشعوب الأصلية، وضمان توزيع فوائد هذه التطبيقات بشكل عادل على الجميع.
ويقدم الفصل الأخير رؤية شاملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي في التنمية المستدامة، ويقدم توصيات استراتيجية رئيسية، ويؤكد على الحاجة إلى أطر أخلاقية وقانونية أكثر صرامة، فضلاً عن عدة سيناريوهات للمستقبل المحتمل.
ختامًا، لا تكمن قيمة هذا الكتاب في ثراء مادته العلمية وتنوع دراساته التطبيقية فحسب، بل تكمن أيضًا في جرأته في مواجهة المفارقات. فهو يُذكّر القارئ بأن الذكاء الاصطناعي ليس تقنيةً محايدة، بل هو قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية ناشئة تتطلب توجيهًا واعيًا وحوكمة رشيدة.
يدعو الكتاب الجديد القراءَ أيضًا لاستكشاف الروابط بين الذكاء الاصطناعي واستدامة الشركات والأهداف البيئية العالمية. بجمعه بين الرؤى الأكاديمية ووجهات نظر الخبراء، يُصبح مرجعًا أساسيًا ليس فقط للباحثين وصانعي القرار والمديرين التنفيذيين ورجال الأعمال، بل أيضًا لجميع القراء الراغبين في فهم كيفية بناء مستقبل أكثر عدلًا واستدامة في عصر الذكاء الاصطناعي.