هل يتكيف الروس مع العيش بدون إنترنت؟.. خبراء يجيبون

يتساءل الكثيرون مؤخرًا عما إذا كانت الحياة بدون إنترنت ممكنة هذه الأيام. تأتي الإجابة من روسيا، التي اعتادت على انقطاع الإنترنت لأسباب متنوعة منذ بداية الحرب في أوكرانيا. ويشير الخبراء إلى أنه في الأسبوع الماضي وحده، وفي خضم الموسم السياحي، انقطع الإنترنت في حوالي 60 منطقة روسية. وقد أثرت هذه التجربة المؤلمة على المواطنين الروس والسياح الأجانب على حد سواء.
كتبت ماريا سوكولوفا في صحيفة نوفي إزفستيا أنه لم يعد سرا أنه في روسيا في الآونة الأخيرة لم يمر يوم دون انقطاع خدمات الإنترنت في منطقة أو أخرى، وربما حتى في مجموعة كبيرة من المناطق في نفس الوقت، وخاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، على الرغم من أن هذه هي المناطق التي تتركز فيها مناطق الجذب السياحي والمنتجعات في روسيا.
في غضون ذلك، أشار أوليغ كريوتشكوف، نائب حاكم شبه جزيرة القرم، إلى أن العديد من مناطق جنوب روسيا قد اعتادت على انقطاع الإنترنت بسبب “هجمات الطائرات الأوكرانية المسيرة على هذه المناطق”. ونتيجةً لهذه الانقطاعات شبه اليومية، اعتاد السكان عليها وتكيفوا معها، تمامًا كما يتكيفون مع انقطاع خدمات أخرى كالماء والكهرباء والغاز وغيرها.
وأضاف أن انقطاعات الإنترنت المرتبطة بالظروف المذكورة كانت بقرار من السلطات الفيدرالية في موسكو، وليس السلطات المحلية. ولذلك، شنت السلطات المحلية حملات توعية للسكان لتعريفهم بسبل التكيف مع انقطاعات الكهرباء، وبالتالي تقليل اعتمادهم على التطبيقات والخدمات المرتبطة بالإنترنت، مثل خدمات الدفع، وخدمات تحديد الموقع، والتسوق، وغيرها من جوانب الحياة اليومية التي أصبحت مرتبطة بشكل متزايد بخدمات الإنترنت.
وأشار الخبراء إلى أن نسبة كبيرة من المواطنين الروس، إن لم يكن كل السكان الروس، اعتادوا على حمل البطاقات المصرفية واستخدام تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول، لكنهم اضطروا مؤخرًا إلى العودة إلى النقد في الحياة اليومية، سواء لدفع ثمن المشتريات والمعاملات المالية العادية أو معاملات الخدمات الأخرى، مثل الخدمات السياحية وغيرها من الخدمات حيث يضطر الأفراد إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من الأوراق النقدية المختلفة، وخاصة الفئات الصغيرة، في متناول اليد من أجل “التغيير”.
مشكلة أخرى هي أن المواطنين مُجبرون مجددًا على الاعتماد على الخرائط الورقية للتنقل وتحديد مواقعهم. وهذا ينطبق الآن على السائقين والمشاة على حد سواء.
ومع ذلك، يواجه الروس في مختلف المناطق والمحافظات مشكلة المدفوعات الكبيرة. إذ يُعدّ تحويل مبالغ كبيرة من المال أمرًا غير منطقي ولا آمن. لذلك، ابتكرت البنوك الروسية حلًا فعّالًا: تثبيت رمز الاستجابة السريعة (QR code) على الهواتف المحمولة. يحتاج البائع إلى اتصال إنترنت ثابت أو سلكي بالنظام المصرفي لاستخدام هذا الرمز مع المشتري لإجراء عملية شراء عبر حسابه المصرفي. وهذا ما يُسمى بالانتقال من المعاملات الإلكترونية إلى المعاملات التقليدية.
بسبب انقطاعات الإنترنت المتكررة، كان التنقل صعبًا للغاية على المسافرين في روسيا، خاصةً عند السفر عبر مناطق وأقاليم مختلفة، نظرًا لمساحة روسيا الشاسعة، التي تُعتبر أكبر دولة في العالم. لذلك، عاد الناس إلى الخرائط الورقية وحملوا خريطة لكل منطقة أو إقليم سافروا عبره. بدا الأمر كما لو أن الأفراد اضطروا لحمل شيء يشبه مجلدات الخرائط. ومع ذلك، تمكنت الشركات أيضًا من حل هذه المشكلة من خلال تنزيل خرائط تعمل خارج نطاق “الإنترنت النشط”، أو كما ذكرنا سابقًا، “بدون اتصال بالإنترنت”، مما يسمح باستخدام الخرائط دون اتصال بالإنترنت. ومن أفضل هذه الأنظمة، الذي أُطلق مؤخرًا في روسيا، نظام “Maps.me”، الذي يتصل عند الطلب بنظام يشبه مكتبًا مرجعيًا للإجابة على الأسئلة وتقديم التوجيهات.
قد يظن البعض أن انقطاع الإنترنت يعيدنا إلى العصر الحجري، لكن الخبراء يؤكدون أنه مجرد تغيير في الحياة اليومية. فإذا كان هذا هو الحال في المعاملات المالية والخدمية اليومية، فماذا عن متابعة الأخبار؟ لقد أصبح الإنترنت والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس. وقد أشار الخبراء إلى أن المواطنين الروس بدأوا بالعودة إلى وسائل الإعلام التقليدية القديمة كالصحف والإذاعة. ومع ذلك، يجري أيضًا تطبيق بعض التقنيات الحديثة، مثل استخدام الأجهزة الرقمية للوصول إلى التردد المطلوب وتسجيله بسرعة ودقة لتسهيل التبديل بينها. ومن المستحسن وجود جهاز راديو صغير مزود بخاصية التحكم الصوتي.
في الواقع، لن يلاحظ سكان العديد من المناطق الروسية الذين اعتادوا انقطاع الإنترنت أي تغيير يُذكر في حياتهم. فقد تكيفت هذه المناطق وسكانها بنجاح مع انقطاع الإنترنت. بل يؤكد الكثيرون أن انقطاع الإنترنت قد أضفى على حياتهم لمسةً أعمق وأكثر دفئًا وإنسانية.