ما بين الاكتئاب والانتحار.. كيف يصبح النوم أكثر من مجرد راحة؟

أثبتت دراسات عديدة وجود صلة مباشرة بين الاكتئاب والنوم، موضحةً أن العلاقة بينهما معقدة ومتشابكة. فبينما تُضعف أعراض الاكتئاب النوم وتُعيقه، فإن اضطرابات النوم قد تُفاقم الصحة النفسية بشكل كبير.
وبحسب مؤسسة “كورا”، وجدت دراسة أجريت عام 2005 أن الأرق يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب بنحو عشرة أضعاف، كما يزيد من خطر الأفكار والسلوكيات الانتحارية.
ليس كل الحزن هو اكتئاب.
لفهم العلاقة بين الاكتئاب والنوم بشكل كامل، من المهم أولاً فهم طبيعة الاكتئاب. فهو لا يقتصر على الشعور بالاكتئاب أو قضاء يوم سيء، بل هو مرض نفسي خطير قد يؤثر بشكل كبير على جودة حياة الشخص.
غالبًا ما يتطلب التعامل مع الاكتئاب والتغلب عليه بفعالية تدخلًا طبيًا. فهو ليس مجرد حالة حزن مؤقتة، بل شعور دائم باليأس يدوم لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات. ومن السمات المميزة له فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة في السابق. غالبًا ما يعاني المصابون بالاكتئاب من فقدان الدافع وصعوبة في إيجاد المتعة في الأشياء التي كانوا يستمتعون بها سابقًا.
السهر يزيد من خطر ظهور أعراض الاكتئاب.
توصلت دراسة نشرت في مجلة PLOS One إلى أن الأشخاص الذين يفضلون البقاء مستيقظين حتى وقت متأخر (ما يسمى بـ “الأنماط الزمنية المسائية”) هم أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب مقارنة بالأشخاص الذين يفضلون الاستيقاظ مبكرًا.
تشير الدراسة أيضًا إلى أن العلاقة بين أسلوب المساء والاكتئاب يمكن تفسيرها من خلال عدة آليات نفسية وشخصية. يميل الأشخاص الذين يتبعون أسلوب المساء إلى مستويات أعلى من العصابية، وهي سمة تجعلهم أكثر حساسية للمشاعر السلبية، وبالتالي تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب.
ويميل هؤلاء الأشخاص أيضًا إلى التعامل السلبي مع العواطف، حيث ينظرون إلى المواقف بشكل أكثر تشاؤمًا، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم أعراض الاكتئاب.
كما أنهم يعانون من ضعف مهارات تنظيم العواطف، مما يجعلهم أكثر عرضة للضغوط النفسية وصعوبة التعامل مع التوتر والمشاعر السلبية، وهو ما يرتبط أيضًا بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.
الأرق هو أحد العوامل الخفية المؤدية إلى الانتحار.
يعتقد الباحثون أن اضطرابات النوم ليست مجرد ظاهرة مزعجة تعيق الحياة اليومية، بل هي عامل خطر مباشر للأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار. وترتبط بعض الأعراض، كالأرق والكوابيس، ارتباطًا وثيقًا بالسلوك الانتحاري.
دفع هذا العلماء إلى تسليط الضوء على هذه الصلة المقلقة. فبينما يُعتبر الانتحار من أخطر مشاكل الصحة النفسية والصحية في العالم، تُعدّ اضطرابات النوم، وهي مشكلة منتشرة عالميًا، أحد العوامل الخفية التي قد تُسهم في تفاقمها.
أرقام صادمة على مستوى العالم
تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أنه في عام 2015، فقد حوالي 788 ألف شخص حياتهم بالانتحار، أو حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية.
في الولايات المتحدة، ارتفع معدل الانتحار بنسبة 19% بين عامي 1999 و2010، من 10.5 إلى 12.4 حالة لكل 100 ألف نسمة. وخلال الفترة نفسها،
وهذا لا يقتصر على الولايات المتحدة فحسب. ففي دراسة شملت ثماني دول، أفاد أكثر من 20% من البالغين في بنغلاديش وجنوب أفريقيا وفيتنام بسوء جودة النوم، مما يُظهر أن هذه مشكلة عالمية.
قد يكون أحد الحلول هو معالجة اضطرابات النوم بشكل خاص.
أظهرت دراسة حديثة عُرضت في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلم الأدوية النفسية العصبية (ECNP) في ميلانو، إيطاليا، ونُشرت في المجلة العالمية للطب النفسي البيولوجي، وجود صلة بين محاولات الانتحار واضطرابات النوم الشديدة. تُسبب اضطرابات النوم التهابًا، يُمكن اكتشافه من خلال فحوصات الدم، وقد يُوفر وسيلةً للتنبؤ بالمخاطر لدى المرضى الأكثر عرضة للخطر.
ويقول الباحثون إن استهداف اضطرابات النوم، وخاصة الأرق، يمكن أن يكون تدخلاً فعالاً في استراتيجيات الوقاية من الانتحار للأفراد المعرضين للخطر.
يؤكد الباحثون على أهمية أن يأخذ أطباء الرعاية الأولية هذه النتائج في الاعتبار، لا سيما وأن العديد من الأشخاص الذين يحاولون الانتحار أو يموتون أثناء ذلك يراجعون طبيب الرعاية الأولية الخاص بهم بشأن شكاواهم الجسدية قبل بدء الأزمة. ويُعدّ الكشف المبكر عن الأرق وعلاجه خطوةً مهمةً في الوقاية من الانتحار وغيره من اضطرابات الصحة النفسية.