محمود الطاهري.. المهندس الذي غيّر وجه مصر مع أول نسمة تكييف

تزايدت التحذيرات من موجة حر شديدة في البلاد. وأعلنت هيئة الأرصاد الجوية المصرية أن الموجة الحارة ستبلغ ذروتها يوم الخميس. ومن المتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى 42 درجة مئوية في القاهرة الكبرى و49 درجة مئوية في صعيد مصر. ولذلك، أصبح تكييف الهواء ملاذًا للكثيرين.
في ظل هذا الحرّ الشديد، نستذكر قصة المهندس المصري الرائد محمود سعد الدين الطاهري، الذي يُنسب إليه إدخال التكييف إلى مصر. وهذا ما كشفته مقابلة أجراها أحد أقاربه مع الكاتب عمر طاهر، نُشرت في كتاب “الصناع المصريون”.
من رملة بولاق إلى كولدير
يروي طاهر أن محمود سعد الدين الطاهري هرب من حياة والده المترفة، وسافر إلى إنجلترا، وعاد في أوائل الأربعينيات حاملاً شهادة في الهندسة الميكانيكية. بعد عودته، بدأ العمل في شركة توزيع أنظمة تكييف كارير، حيث اكتسب خبرته الأولى.
في عام ١٩٤٧، سافر إلى أمريكا وأبلغ زوجته بقراره شراء مواد لنظام تبريد وتكييف. بدأ الطاهري مشروعه في ورشة صغيرة في رملة بولاق، لتصنيع أبراج التبريد. ثم وجد قطعة أرض في جزيرة دهب واختارها موقعًا لمصنعه، الذي أطلق عليه اسم “كولدير”.
بدأت كولدير بتصنيع ثلاجات كبيرة للمحلات التجارية والمستودعات، ثم توسعت لاحقًا لتشمل إنتاج المراوح. لكن هذا لم يكن كافيًا. كما استكشف فكرة إنتاج مكيفات الهواء من مواد محلية لمواجهة غبار الجو في مصر. وكان الهدف فتح أسواق جديدة في الدول العربية.
سينما مترو… الإطلاق الكبير
جاءت اللحظة الفارقة في مسيرة الطاهري الفنية عندما كُلِّف بتصميم نظام تكييف الهواء لسينما مترو الشهيرة. كان هذا المشروع إنجازًا هائلًا. بفضل الطاهري، أصبحت سينما مترو أول سينما في مصر تحمل لافتة “مكيفة”، مما أضاف لمسة من الانتعاش إلى جمالها الفني، وتحولت أحاديث الجمهور من روعة الأفلام إلى نسيم عليل يداعب قلوبهم.
لم تقتصر طموحات الطاهري على تكييف الأماكن العامة، بل سعى أيضًا إلى تجهيز المنازل الخاصة بأجهزة تكييف. كانت هذه الأجهزة ضخمة الحجم آنذاك، تشبه خزانة ملابس متوسطة الحجم. لذلك، كرّس جهوده لتطوير مكيف هواء شباك أصغر حجمًا، يُصنع محليًا.
انتقل إلى ورشة المصنع وعمل لساعات طويلة حتى نهاية عام 1956 عندما رأى مكيف الهواء كولدير النور أخيراً وأحدث نقلة نوعية في حياة المصريين.
الالتزام والاخلاص…اكثر من 18 ساعة عمل يوميا
كان محمود سعد الدين الطاهري مثالاً يُحتذى به في التفاني والالتزام. لم يقتصر دوره على القيادة فحسب، بل كان أيضًا عضوًا في الجمعية الأمريكية لمهندسي التبريد وتكييف الهواء، حيث سجّل أكثر من ستة ابتكارات. عمل لأكثر من 18 ساعة يوميًا، مُشرفًا شخصيًا على كل تفاصيل العمل، من التركيب والصيانة إلى شكاوى العملاء. ترك وراءه إرثًا هندسيًا لا يزال أثره ملموسًا حتى اليوم، لا سيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة.