خبراء: أوكرانيا تحولت إلى مختبر حربي للصين لاختبار أسلحة وخطط المواجهة مع أمريكا في المستقبل

منذ 3 ساعات
خبراء: أوكرانيا تحولت إلى مختبر حربي للصين لاختبار أسلحة وخطط المواجهة مع أمريكا في المستقبل

بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، أصبحت الأبعاد الاستراتيجية الحاسمة واضحة، ومن المتوقع أن يكون لها تداعيات عالمية بعد انتهاء الحرب، بغض النظر عن نتيجتها النهائية.

في تحليل نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، سلّط الجنرال ديفيد بترايوس، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية والقائد السابق للقوات الأمريكية في العراق، وكلارا كلوديروفيتش، رائدة أعمال في مجال الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات وباحثة في المنتدى الاستراتيجي الدولي، الضوء على بُعد استراتيجي مهمّ غائب عن النقاش الدائر في واشنطن حول موقف الولايات المتحدة من روسيا وحربها في أوكرانيا: لقد أصبح هذا الصراع ساحة اختبار للصين، أبرز وأخطر منافس للولايات المتحدة حاليًا. فبينما تنظر واشنطن إلى الحرب من منظور عدوها القديم روسيا، التي تقاتل في أوكرانيا، ترى بكين فيها فرصة ثمينة لرصد حرب بالغة الوحشية والتعلم منها باستخدام أسلحة ستهيمن على الصراعات المستقبلية.

بصفتها داعمًا اقتصاديًا وصناعيًا رئيسيًا لروسيا، اكتسبت الصين مكانة فريدة في هذا الصراع. فهي قادرة على تقييم الفعالية القتالية لمكونات الأنظمة العسكرية التي تزودها بكميات كبيرة، وجمع المعلومات الاستخبارية حول فعالية الأسلحة الأوكرانية والغربية، وتحسين مفاهيم تطوير الأسلحة والتدريب العسكري والهياكل التنظيمية. كل هذا يساعد الجيش الصيني على الاستعداد لأي صراع محتمل مع الولايات المتحدة.

أصبحت الحقائق على الأرض الآن جليةً لا يمكن تجاهلها: فالمحركات الصينية تُشغّل الطائرات المسيرة التي تدمر المواقع الأوكرانية، والإلكترونيات الدقيقة الصينية تتحكم في الصواريخ الروسية، والآلات الصينية تُعيد بناء آلة الحرب الروسية. وفي تحليله المشترك مع كلوديروفيتش، قال بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، إن دور الصين في هذا الصراع أصبح الآن بالغ الأهمية بحيث لا يمكن للولايات المتحدة تجاهله.

يتجاوز دور الصين في الحرب مجرد الدعم الاقتصادي لروسيا؛ فقد أصبحت الآن العمود الفقري اللوجستي للمجمع العسكري الصناعي الروسي. يتيح هذا الوضع للصين اختبار قدرتها الصناعية لدعم شريك منخرط في صراع مرير ومستمر. في الوقت نفسه، تُدرك الصين تداعيات دعم قواتها المسلحة في القتال مع الحفاظ على قدرتها على الإنكار المعقول.

لقد أصبحت هذه الأولوية الاستراتيجية لصناع القرار في بكين واضحة في يوليو/تموز الماضي عندما قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لدبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي إن بكين لا تستطيع قبول الهزيمة الروسية في أوكرانيا لأن ذلك من شأنه أن يخاطر بتحويل الولايات المتحدة كل قدراتها إلى الصين.

في الوقت نفسه، تكشف تفاصيل دعم الصين لروسيا في الحرب عن حقائق عميقة. بحلول عام ٢٠٢٣، كان ما يقرب من ٩٠٪ من الإلكترونيات الدقيقة التي استوردتها روسيا لاستخدامها في الصواريخ والدبابات والطائرات الحديثة قادمًا من الصين. وبالمثل، في الربع الأخير من عام ٢٠٢٣، استوردت روسيا ما يقرب من ٧٠٪ من آلات مصانعها، بقيمة تُقدر بحوالي ٩٠٠ مليون دولار، من الصين، لتحل محل المعدات الألمانية واليابانية الحديثة التي لم تعد روسيا قادرة على الحصول عليها. وسرعان ما أصبحت بكين المورد الرئيسي لموسكو للنيتروسليلوز، وهو الوقود الرئيسي لقذائف المدفعية. وارتفعت الصادرات من كميات ضئيلة قبل الحرب إلى أكثر من ١٣٠٠ طن في عام ٢٠٢٣، وهو ما يكفي لإنتاج مئات الآلاف من قذائف المدفعية.

والأهم من ذلك، أن نفوذ الصين قد تحول مؤخرًا من التوريد السلبي إلى التلاعب النشط بالتوازن التكنولوجي في ساحة المعركة – وهي سمة مميزة لدولة تشن حربًا بالوكالة. في مايو 2025، صرّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بصراحة: “طائرات مافيك الصينية المسيرة متاحة للروس، لكنها ممنوعة على الأوكرانيين”.

أيد مسؤولون أوروبيون اتهامه، قائلين إن الصين لم توقف مبيعات طائرة دي جي آي مافيك المسيرة الشهيرة إلى أوكرانيا فحسب، بل قيدت أيضًا صادرات مكوناتها الرئيسية، بينما زادت شحناتها إلى روسيا. بتسليحها طرفًا وحرمانها الآخر من التقنيات الأساسية، لم تعد بكين مراقبًا محايدًا، بل شريكًا مباشرًا يؤثر على مجريات الحرب اليومية.

بالنسبة للجيش الصيني، الذي لم يخض صراعًا كبيرًا منذ أكثر من أربعة عقود، تُعدّ الحرب في أوكرانيا مصدرًا غير مسبوق للخبرة والأفكار. تُزوّده هذه الحرب بمعرفة حيوية بالحرب الحديثة – من استخدام الطائرات بدون طيار إلى التدابير الإلكترونية المضادة – دون تعريض جندي صيني واحد للخطر. يتدفق هذا السيل من المعلومات إلى نظام مركزي مُصمّم لتقييمه بشكل منهجي – نظام قادر على الاستجابة بسرعة أكبر بكثير من النظام الأمريكي، الذي لا يزال عالقًا في عصر التصنيع المتقدم.

هناك ثلاثة أسباب تجعل هذه الحرب بالغة الأهمية للصين. أولاً، ساحة المعركة مليئة بالمعدات والبرمجيات العسكرية الغربية المتطورة. تستطيع الاستخبارات العسكرية الصينية دراسة قدرات الأنظمة الأمريكية الرئيسية عن كثب، من نظام الدفاع الجوي باتريوت إلى نظام المدفعية الصاروخية هيمارس. كما تحلل الاستخبارات العسكرية الصينية الاستخدام الماهر لأوكرانيا لابتكاراتها الخاصة، كما في عملية العنكبوت، حيث ألحقت أسراب من الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة، في هجوم منسق، أضرارًا أو دمّرت طائرات استراتيجية روسية بقيمة تقارب سبعة مليارات دولار في مطارات تبعد آلاف الكيلومترات عن بعضها البعض في عمق الاتحاد الروسي.

السبب الثاني هو أن الحرب تتيح للصين فرصةً لملاحظة المفاهيم العسكرية الجديدة والتكيف معها. وهذه ليست استراتيجيةً معزولة؛ فقد سبق لبكين أن استخدمت صراعات الشركاء كحقلٍ للاختبار، مثل الاشتباكات الهندية الباكستانية في مايو/أيار الماضي، والتي أفادت التقارير أن باكستان استخدمت فيها طائرات J-10C الصينية وصواريخ BL-15 بنجاحٍ باهر ضد الأسلحة الغربية المتقدمة للهند.

والأهم من ذلك، يُدرس حاليًا تكتيك أوكرانيا المتمثل في استخدام الطائرات البحرية بدون طيار كنموذج محتمل لمقاومة تايوان لغزو عسكري صيني محتمل. وستكون مخاطر نشوب صراع إعادة توحيد قسري مع تايوان هائلة، إذ تُنتج تايوان أكثر من 90% من أكثر الرقائق الدقيقة تطورًا في العالم. وقد يُؤدي فقدان هذا الإنتاج إلى أزمة اقتصادية عالمية تُقدر قيمتها بعشرة تريليونات دولار.

ثالثًا، تراقب الصين عن كثب العقوبات الاقتصادية الغربية غير المسبوقة على روسيا لتوجيه جهودها نحو “تحصين” اقتصادها ضد العقوبات. ومن خلال مراقبة تكيف روسيا مع العقوبات، تتعلم بكين كيفية حماية أنظمتها المالية وسلاسل توريدها من ضغوط مستقبلية مماثلة. وقد وسّعت استخدام اليوان الصيني كبديل للدولار الأمريكي في تجارتها مع العديد من الدول، وتعمل في الوقت نفسه على بناء نظام دفع بين البنوك عبر الحدود كبديل لنظام سويفت الذي يسيطر عليه الغرب.

في تحليلهما، خلص بترايوس وكلودروفيتش إلى أن التحدي الرئيسي للولايات المتحدة لم يعد يقتصر على احتواء روسيا فحسب، بل التفوق عليها ذكاءً والتكيف معها، بعد أن وجد المختبر الأمثل والأكثر فعالية من حيث التكلفة لاختبار كل ما يحتاجه للحرب القادمة. وبالتالي، فإن عجز صانعي السياسات الأمريكيين عن فهم حقيقة السباق مع الصين يرتبط بمدى قدرتهم على التعلم والاستفادة من الحرب في أوكرانيا. هذا يعني أنه في لحظة المواجهة مع الصين، قد تواجه الولايات المتحدة خصمًا خاض حربًا ضد أسلحتها واستراتيجياتها وتعلم كيفية هزيمتها.


شارك