لماذا يختلف إحساسنا بالحرارة والبرودة؟ العلم يفسر تفضيلاتنا للفصول

قد تكون درجة الحرارة في توقعات الطقس ثابتة، لكن الشعور بها يختلف من شخص لآخر. قد تبدو خفيفة لشخص، وخانقة لآخر، وحتى باردة لثالث. هذه الأحاسيس المتفاوتة ليست مؤقتة أو مبالغ فيها فحسب، بل هي نتيجة عوامل بيولوجية وجسدية ونفسية معقدة.
في هذا التقرير، نقوم بدراسة الأسباب العلمية وراء اختلاف إدراك الحرارة لدى البشر، بالاستعانة بمعلومات منشورة على العديد من المواقع الطبية.
اختلافات في تكوين الجسم… كيف تؤثر الدهون والعضلات على الإحساس بالجو؟
أحد أهم تفسيرات هذا الاختلاف هو تركيب الجسم. فالأشخاص النحيفون الذين لا يملكون نسبة عالية من الدهون تحت الجلد غالبًا ما يشعرون بالبرودة، لأن الدهون تعمل كمخزن للحرارة. أما الأشخاص الذين يمتلكون كتلة عضلية أكبر أو نسبة دهون أعلى في الجسم، فيتمتعون بقدرة أفضل على الاحتفاظ بالحرارة، وقد يشعرون بالحرارة أسرع لأن أجسامهم تُنتج حرارة أكثر ولا تفقدها بنفس السرعة.
التعرق وتغير الإحساس بالحرارة
يختلف معدل التعرق من شخص لآخر، ويعتمد على عدد الغدد العرقية ونشاطها، مما يؤثر بشكل مباشر على الإحساس بالدفء. قد يشعر الأشخاص الذين يتعرقون بسرعة أو بغزارة بحرارة أعلى، حيث يحاول جسمهم تبريد نفسه بسرعة أكبر. كما تلعب بنية الجلد، مثل سمكه ونوعه، دورًا في تنظيم درجة حرارة الجسم. بعض الحالات الجلدية، مثل فرط التعرق، تزيد من الإحساس بالدفء حتى في درجات الحرارة العادية.
معدل الأيض (الحرق)… كلما ارتفع، كلما زادت حرارة جسمك.
لا يعتمد الجسم على البيئة الخارجية فحسب، بل يُولّد أيضًا حرارة داخلية من خلال عملية الأيض. يشعر الأشخاص ذوو الأيض العالي، كالشباب والرياضيين، بالدفء أسرع لأن أجسامهم تحرق الطاقة وتُولّد الحرارة باستمرار.
في حين أن الأشخاص الذين يعانون من بطء عملية التمثيل الغذائي، مثل كبار السن أو أولئك الذين يعانون من مشاكل في الغدة الدرقية، لا يزالون يشعرون بالبرد حتى في الطقس الحار نسبيًا.
الهرمونات وتنظيم درجة حرارة الجسم الداخلية
تلعب الغدة الدرقية دورًا رئيسيًا في تنظيم درجة حرارة الجسم. فرط نشاطها قد يسبب الشعور بالحرارة حتى في درجات الحرارة المعتدلة. أما قصور الغدة الدرقية أو نقصها، فقد يزيد من احتمالية الشعور بالبرد حتى في فصل الصيف، نظرًا لتباطؤ العمليات الحيوية في الجسم.
فقر الدم… عندما لا تصل الحرارة إلى أطرافك
فقر الدم حالة شائعة لا يستطيع فيها الدم حمل كمية كافية من الأكسجين، مما يحد من قدرة الجسم على توليد الحرارة وتوزيعها. وهذا يفسر شعور الكثير من المصابين بفقر الدم بالبرد بسهولة، وخاصةً في اليدين والقدمين، حتى في درجات الحرارة المرتفعة.
غالبا ما تكون النساء أكثر حساسية للبرد.
تشير الدراسات الطبية إلى أن النساء، في المتوسط، يشعرن بالبرودة أكثر من الرجال. ويعود ذلك إلى عوامل مثل انخفاض كتلة العضلات، وبطء تدفق الدم إلى الأطراف، والتغيرات الهرمونية المرتبطة بالحيض أو الحمل. أما الرجال، فعادةً ما تكون لديهم عضلات أكبر، مما يعني أن أجسامهم تُنتج الحرارة بشكل أسرع وتُطلقها بشكل أبطأ.
هل كبار السن أكثر عرضة للإصابة بالبرد من غيرهم؟
يصاحب التقدم في السن تغيرات في الجسم تُقلل من الشعور بالدفء. يتباطأ الأيض، مما يؤدي إلى انخفاض درجة حرارة الجسم، وتضعف الدورة الدموية، مما يؤدي إلى شعور مزمن بالبرد، حتى في الصيف.
صور سريرية خاصة… عندما يؤلمك البرد
يعاني بعض الأشخاص من حالات مرضية معينة، مثل متلازمة رينود. تُسبب هذه الحالة انقباض الأوعية الدموية في الأصابع عند التعرض للبرد، مما يُسبب برودة شديدة أو حتى ألمًا في اليدين والقدمين. حتى في غرفة دافئة، يشعر هؤلاء الأشخاص وكأن أطرافهم مُجمدة.
بعض الأمراض المزمنة تزيد من الشعور بالحرارة.
تُضعف بعض الأمراض قدرة الجسم على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة. غالبًا ما يشعر مرضى الأعصاب والسكري بارتفاع درجة الحرارة، مما يُعيق التعرق وتنظيم درجة حرارة الجسم. كما تُساهم السمنة في احتباس حرارة الجسم لفترة أطول، بينما يُصاب مرضى القلب بالتعب بسرعة وارتفاع درجة الحرارة بسبب ضعف الدورة الدموية، مما يُصعّب على الجسم تبريد نفسه.
كيف يؤثر الدماغ على الإدراك الحسي؟
لا ينبغي تجاهل العوامل النفسية. فالتوتر والقلق والاكتئاب، على سبيل المثال، قد يزيد من حساسية الجسم للبرد أو الحرارة. يجد بعض الناس البرد أو المطر مزعجين، بينما يعاني آخرون من التوتر والانفعال في الطقس الحار. كما أن الذكريات والمشاعر المرتبطة بفصول معينة قد تؤثر على تفضيلاتنا. على سبيل المثال، قد يربط شخص عانى من برد الشتاء في طفولته هذا الفصل بعدم الراحة والشعور بأنه أكثر برودة من المعتاد.
التكيف مع المناخ… ما تعتاد عليه يغير من صحتك
على سبيل المثال، من نشأ في بيئة حارة، يتمتع جسمه بتكييف مع درجات الحرارة المرتفعة، ولا يعاني من نفس الانزعاج الذي يعاني منه القادم من بلد بارد. لكن العكس هو الصحيح: قد يشعر سكان المناطق الباردة بالاختناق في الطقس الحار. هذا ما يُسمى بالتكيف المناخي، وهو عامل حاسم في كيفية تأقلم الجسم مع البيئة.