نهر الحاصباني.. جفاف غير مسبوق يهدد الزراعة جنوبي لبنان

أدى انخفاض هطول الأمطار بنسبة تزيد عن 50 بالمائة في موسم 2024-2025 إلى نقص كبير في المياه في الأنهار وجفاف أجزاء كبيرة من مجاريها. قال مدير المركز الزراعي في قضاء حاصبيا إسماعيل الأمين: إن أكثر من 17 كيلومتراً من نهر الحاصباني جف بشكل كامل، ما دفع المزارعين إلى حفر الآبار أو شراء المياه بأسعار مرتفعة. وقال رئيس بلدية الماري سلمان أبو العلي: “لم نشهد وضعاً كهذا منذ أكثر من 80 عاماً، وحفر الآبار الارتوازية يساعد المزارعين على البقاء في أراضيهم بدلاً من الانتقال إلى المدن بحثاً عن لقمة العيش”.
يشهد نهر الحاصباني في جنوب لبنان جفافًا غير مسبوق منذ عقود. ويعكس هذا آثار تغير المناخ على البيئة والزراعة. وتواجه مئات العائلات، التي تعتمد على الزراعة كمصدر دخل رئيسي، أزمة معيشية.
نهر الحاصباني، أحد أهم روافد نهر الأردن، يمتد لنحو 40 كيلومترًا داخل الأراضي اللبنانية، وينبع من نبع الوزاني. يتدفق جنوبًا عبر وادي التيم قبل أن يعبر الحدود قرب بلدة الغجر، حيث يلتقي بنهري بانياس واللدان في شمال فلسطين، ليشكلا نهر الأردن.
** انخفاض حاد في هطول الأمطار
وبحسب المعهد اللبناني للأبحاث الزراعية، انخفض معدل هطول الأمطار في موسم 2024-2025 بنسبة تزيد عن 50 في المئة مقارنة بالمعدل السنوي، مما أدى إلى نقص كبير في المياه في النهر وجفاف أجزاء كبيرة من مجراه.
وقال مدير مركز الزراعة في قضاء حاصبيا، إسماعيل الأمين، لوكالة الأناضول، إن “البيانات المناخية التي وثقناها منذ عام 1925 تظهر أن هذا العام من أسوأ الأعوام من حيث تأثير الجفاف على الأراضي الزراعية”.
وأوضح أنه “على الرغم من هطول 400 ملم من الأمطار المسجلة هذا العام (مقارنة بـ 200 ملم فقط في عام 1932)، فإن احتياجات الأراضي المزروعة اليوم أكبر بكثير، وبالتالي فإن التأثيرات أكثر حدة”.
وأشار المسؤول اللبناني إلى أن “المساحات الزراعية توسعت، والتكاليف ارتفعت، والمخاطر زادت”.
وأضاف: “الجفاف أثر حتى على الحياة المائية، ويضطر الشباب من أبناء المنطقة إلى نقل الأسماك يدويا إلى مناطق لا تزال تتوفر فيها بعض المياه”.
** سهل ماري… أرض قاحلة بعد الخصوبة
وتعد منطقة سهل ماري، التي تمتد على مساحة تزيد عن 400 دونم، من أكثر المناطق تضرراً، بحسب الأمين، حيث لم تصلها مياه الحاصباني هذا الموسم.
وأوضح أن “أكثر من 17 كيلومتراً من النهر جف تماماً، ما اضطر المزارعين إلى حفر الآبار أو شراء المياه، ما أدى إلى ارتفاع كبير في التكاليف”.
وأضاف الوزير أن “العديد من المزارعين هجروا أراضيهم لتجنب الخسائر”.
وأكد على ضرورة “التحول إلى أساليب الري الحديثة كالري بالتنقيط أو بالرش لتقليل استهلاك المياه”.
وأوضح: “على الرغم من وجود مجرى نهر آخر يمتد من الحدود الفلسطينية إلى مرج الزهور، إلا أنه لا يستخدم للأغراض الزراعية بسبب وقوعه في منطقة عسكرية معرضة للقصف الإسرائيلي”.
وأشار إلى وجود مشروع مشترك مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) والجيش اللبناني يسمح للمزارعين بالوصول إلى مناطقهم الحدودية ضمن “خطة أمنية محددة”.
** المزارعون على حافة الانهيار
وصف المزارع حسن حرفوش من حاصبيا الوضع لوكالة الأناضول بأنه “كارثي”: “كنا نسقي الأرض مرتين أو ثلاث مرات للحفاظ على خضارها. الآن، لا تنمو إلا الأراضي القريبة من النبع، بينما جفت الأراضي البعيدة”. وأشار إلى أن 80% من المحاصيل قد تضررت جراء الجفاف.
وأضاف: “هذا الموسم لدي خمسة عمال فقط وأعتني بجزء صغير من الأرض نزرع فيه فقط الخضراوات الخفيفة مثل الكوسا والخيار والباذنجان”.
وتابع: “لم نعد قادرين على زراعة القمح والمحاصيل الأخرى. المشكلة الرئيسية هي انقطاع المياه عن المنطقة، وبساتينها أصبحت غير مربحة”.
** بلدية الماري تدق ناقوس الخطر
قال رئيس بلدية الماري، سلمان أبو العلي، لوكالة الأناضول، إن الجفاف الذي تشهده المدينة “غير مسبوق منذ أكثر من 80 عامًا”. وأضاف أن نهر الحاصباني لم يصل إلى المدينة هذا العام، حتى أن بعض الآبار جفت.
وأشار إلى أن “العديد من المزارعين هجروا الزراعة أو قلصوا مساحة أراضيهم المزروعة إلى أقل من 10 في المائة من مساحة أراضيهم بسبب ندرة المياه وارتفاع تكلفة الحصول عليها”.
وأوضح أن سهل ماري لطالما كان مصدرًا مهمًا للفواكه والخضراوات في الأسواق اللبنانية، لا سيما أن المدينة تقع بين نهري الحاصباني والوزاني. إلا أنه حذّر من أن “هذا الواقع أصبح الآن مهددًا تمامًا”.
ودعا الحكومة إلى حفر آبار ارتوازية خاصة بالمزارعين لدعمهم وتثبيت أراضيهم “بدلا من إجبارهم على ترك الزراعة والهجرة إلى المدن بحثا عن لقمة العيش”.
الآبار الارتوازية هي آبار مياه جوفية تتدفق مياهها تلقائيًا تحت ضغط طبيعي، دون ضخ. وتُستخدم غالبًا في المناطق التي تندر فيها المياه السطحية.