خبراء بيئة يوضحون تأثير التغير المناخي على الكائنات البحرية

ازدادت مؤخرًا حوادث الشواطئ التي تستهدف الكائنات البحرية، مما أثار قلقًا واسعًا ونقاشًا علميًا حول أسباب هذه الظاهرة. ويُعدّ تغير المناخ السبب الرئيسي وراء هذا الجدل. وقد طرح الخبراء فرضيات مختلفة حول آثار ارتفاع درجات حرارة المياه على سلوك الكائنات البحرية، وخاصة أسماك القرش، ومدى قربها من السواحل.
حذّر الدكتور محمود معاطي، المحاضر في علم الأحياء البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بالغردقة، من التسرع في اعتبار نفوق الكائنات البحرية ظاهرة طبيعية. وأكد أن غياب العلامات الخارجية لا ينفي وجود أسباب بيولوجية. وأوضح أن السلسلة الغذائية البحرية شديدة الحساسية للاختلالات المناخية أو الكيميائية.
وأضاف المعاطي لـ”الشروق” أن هناك فرضيات عدة حول أسباب نفوق الكائنات البحرية، وفي مقدمتها تغير المناخ. وتشمل هذه الفرضيات الموت الطبيعي، والالتهابات الفيروسية الصامتة، والتلوث البيئي المزمن، والضغوط المناخية الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة في البحر المتوسط.
وأوضح أن ارتفاع درجات حرارة المياه يُجبر الأسماك الصغيرة، كالسردين والأنشوجة، على الفرار إلى مناطق ساحلية أكثر برودةً نسبيًا. ونتيجةً طبيعيةً لذلك، تلاحقها حيوانات مفترسة، كالقرش والدلافين، مما يزيد من احتمالية “الاحتكاك العرضي” بالبشر.
ويرى أن هذا السلوك ليس سلوكاً عدوانياً من جانب أسماك القرش، بل هو هجرة بحثاً عن الغذاء بسبب التقلبات السريعة في درجات الحرارة.
وصف الخبير البيئي البحرين المتوسط والأحمر بأنهما “حوضان حراريان مغلقان”، ترتفع درجات حرارتهما بوتيرة أسرع من ارتفاعها في المحيطات، مما يجعل أنظمتهما البيئية أكثر عرضة للخطر. وأكد أن البحر المتوسط يشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة يصل إلى 0.7 درجة مئوية كل عقد، وأن محدودية الأعماق لا تسمح بتوزيع حراري متوازن، مما يزيد من هشاشة الأنظمة البيئية ويحد من قدرة الكائنات الحية على التكيف.
قدّم مواتي سيناريوهات واقعية للعواقب المحتملة في حال استمرار الاتجاهات الحالية. وتشمل هذه السيناريوهات تراجع الأنواع المقاومة للحرارة، ووصول أنواع استوائية جديدة، وزيادة الهجرة الساحلية، مما سيزيد الضغط على الشواطئ، واضطراب سلوك أسماك القرش وتغيرات في توقيت هجرتها ومناطق تكاثرها، واختلال السلسلة الغذائية بسبب تغيّر توزيع الكائنات الصغيرة، وزيادة الحوادث البشرية، وخاصةً خلال أشهر الصيف الحارة.
في المقابل، أوضح الدكتور محمود عبد الراضي أستاذ البيئة البحرية بالمعهد القومي لعلوم البحار، أن الحقيقة الفيزيائية البسيطة هي أن درجة الحرارة على الساحل أعلى منها في الأعماق، ولهذا فإن كل كائن بحري يهرب غريزياً إلى الأعماق الباردة بدلاً من السواحل الحارة.
وتابع: “إن فكرة هروب الأسماك من حرارة المياه المفتوحة إلى الشواطئ الحارة وتتبعها أسماك القرش هي فرضية تتحدى كل منطق وغريزة البقاء. ببساطة، لا وجود لمثل هذا الأمر”.
أوضح عبد الرازي لـ “الشروق” أن التيارات الصاعدة تعمل كنظام تبريد طبيعي، حيث تهبط المياه السطحية الساخنة وتحل محلها مياه أبرد في العمق. وهذا يدحض فكرة أن الطبقة الساخنة تدفع الكائنات الحية إلى الساحل. وحذّر من المبالغة في جميع الظواهر البحرية وربطها بفرضيات خيالية وتبسيطية تُضلّل الرأي العام.
– التأكيد العلمي لتأثيرات المناخ أكد الدكتور سمير طنطاوي، مستشار تغير المناخ وعضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، أن ارتفاع درجات حرارة المياه واقعٌ يؤثر سلبًا على النظم البيئية البحرية. وأشار إلى أن هذه الزيادة تؤدي إلى هجرة الكائنات البحرية بحثًا عن موائل أكثر ملاءمةً لبقائها.
وأضاف طنطاوي لـ«الشروق» أن المشكلة أعمق من مجرد ارتفاع درجات الحرارة، إذ أن انبعاثات الغازات الدفيئة تؤثر بشكل مباشر على الموائل البحرية وتوافر الغذاء، ومن ثم تضع ضغوطاً على كافة الكائنات البحرية.
وفيما يتعلق بقرب أسماك القرش من السواحل، يدعم طنطاوي فرضيتين رئيسيتين: الأولى تربط ارتفاع درجات حرارة المياه بحركة الكائنات البحرية، والثانية تشير إلى دور الممارسات البشرية السلبية، مثل إلقاء النفايات والحيوانات النافقة في البحر، والتي تجذب أسماك القرش بشكل غير طبيعي.
واختتم تحليله بالتأكيد على أن تغير المناخ يفرض ضغوطاً هائلة على الكائنات البحرية لتغيير سلوكها، وأن ما نلاحظه ليس مجرد حوادث معزولة بل نمط أوسع يتطلب فهماً علمياً عميقاً وعملاً جاداً.