ذكرى وفاة أحمد زويل.. ماذا قال في حفل تسلمه جائزة نوبل؟

يصادف اليوم، الثاني من أغسطس، ذكرى وفاة العالم الجليل الدكتور أحمد زويل، الذي وافته المنية عام ٢٠١٦ عن عمر ناهز السبعين عامًا، إثر مضاعفات إصابته بسرطان نخاع العظم. يُعدّ زويل من أهم العلماء الذين أثروا بشكل كبير في المشهد العلمي العالمي. ومن أبرز إنجازاته اختراع مجهر يستخدم أشعة الليزر بتقنية الفيمتوثانية، وهي وحدة زمنية تعادل جزءًا من مليون من مليار من الثانية، مما يسمح برصد حركة الجزيئات المتفاعلة.
وكان أحد أهم المحطات في مسيرته العلمية هو حصوله على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، وهو الحدث الذي تابعه الملايين، ولا يزال خطابه في حفل توزيع الجوائز في ستوكهولم بالسويد يجذب الانتباه والتقدير.
من أرض إيزيس إلى الفيمتو ثانية
في كلمته، قال الدكتور زويل: “أصحاب الجلالة، أصحاب المعالي، سيداتي وسادتي، اسمحوا لي أن أبدأ كلمتي بقصة شخصية من رحلتي عبر الزمن. الميدالية التي تسلمتها هذا المساء من جلالته، والتي صممها الفنان إريك ليندبرج عام ١٩٠٢، تصور الطبيعة على هيئة الإلهة إيزيس، إلهة الأمومة عند قدماء المصريين، تخرج من السحاب حاملةً وعاءً على شكل قرن. وجهها مغطى بحجاب، بملامح جادة وتعبير صارم.
إن عبقرية العلم الحقيقية هي التي قادت السباق ضد الزمن، منذ بدايات التقويمات الفلكية قبل ستة آلاف عام في أرض إيزيس إلى نظام الفيمتوثانية الذي نكرمه الليلة لاكتشافاته الأساسية في العالم المجهري (عالم الذرات والجزيئات).
وأضاف: “بدأتُ حياتي وتعليمي في أرض إيزيس، في مصر، وحققتُ نجاحي العلمي في أمريكا. واليوم، في السويد، أتسلم وسام الشرف إلى جانب وسام نوبل، الذي يعيدني إلى بداياتي. هذه العالمية، التي تجعل عبقرية العلم ممكنة، هي بالضبط ما سعى إليه نوبل قبل أكثر من قرن”.
جائزة نوبل: تقدير علمي ورسالة إنسانية
تابع زويل: “بكلماتٍ ثاقبة، لخّص نوبل هدف الجائزة بقوله إن الاكتشافات العلمية توقظ فينا أمل الخلاص من الميكروبات التي تُصيب النفس والجسد. إن الحرب الوحيدة التي يجب على العالم خوضها في المستقبل هي الحرب ضد هذه الميكروبات”.
وأضاف: “لقد عبّر نوبل بوضوح عن رؤيته للعالم وقيمة الاكتشافات العلمية. ورغم معاناة العالم من ميكروبات تُصيب النفس، كالعنصرية والعدوان، يبقى العلم جوهر التقدم البشري واستمرارية حضارته وازدهارها”.
منذ فجر التاريخ، سعت العلوم لاستكشاف المجهول وتوحيد قوانين الطبيعة. يُقدّر العالم جلالتكم والشعب السويدي لتقديرهما للاكتشافات العلمية. لا أعرف دولةً تحتفي بالإنجازات مثل السويد.
أعلى وسام… وأعظم تتويج
قال زويل عن قيمة جائزة نوبل: “جائزة نوبل هي أرفع جائزة علمية لسببين: أولاً، لأنها تُكرّم إنجازات العلماء وتُخلّد اكتشافاتهم في التاريخ. ثانياً، لأنها تُشجّع العالم على تقدير قيمة العلم والاكتشاف. كلاهما هدفان نبيلان، فشكراً جزيلاً لكم.”
المعرفة لا تعرف حدودا
وتابع: “بالنسبة لي هناك سبب ثالث: لو كانت جائزة نوبل موجودة منذ ستة آلاف عام، في زمن الحضارة المصرية القديمة، أو منذ ألفي عام، في زمن المكتبة وجامعة الإسكندرية، لكانت مصر قد حصلت على جوائز أكثر بكثير”.
في العصر الحديث، لم تحظَ مصر والعالم العربي بأي جوائز علمية، رغم وجود علماء مثل ابن سينا، وابن رشد، وجابر بن حيان، والحسن بن الهيثم. لذا، آمل أن تُلهم هذه الجائزة الأولى الشباب في الدول النامية، وتحفزهم على الإيمان بإمكانية تقديم إسهامات علمية عالمية.
وتابع: “قال السير همفري ديفي عام ١٨٢٥: “من حسن الحظ أن العلم، كالطبيعة، لا يتقيد بزمان ولا مكان، بل هو إرث مشترك للبشرية”. ليس للعلم موطن، وهناك عالم خارج الغرب يمكننا جميعًا العمل معًا على خلقه – عالم خالٍ من الجراثيم. آمل أن تساعد هذه الجائزة منطقتي على التركيز على بناء مجتمع علمي يحترم كرامة الإنسان ويؤمن بسلامة البشرية”.
الشكر والامتنان والمسؤولية
وفي ختام كلمته قال زويل: “يا صاحب الجلالة، لا يمكن للكلمات أن تعبر عن مشاعري ومشاعر عائلتي إزاء هذا التكريم”.
وراء هذا التكريم يقف مجتمع من الباحثين في مجال الفيمتوثانية في جميع أنحاء العالم وعائلتي العلمية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والتي تضم حوالي 150 باحثًا شابًا يمثلون الجيش الحقيقي الذي ساهم في هذه الإضافات العلمية.
واختتم حديثه قائلاً: “لقد أغنتني تجاربي في مصر وأمريكا، وأعتبر نفسي محظوظًا بشغفي الحقيقي بالتعلم. أنا ممتن لحصولي على هذه الجائزة في سني هذا، ولما شهدتُ أثرها. مع هذا التكريم تأتي مسؤولية كبيرة وتحديات مستقبلية. آمل أن أواصل مهمتي، واضعًا في اعتباري قول عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين: “ويلٌ لطالب العلم إذا قنع بنفسه”.”