قبلة وداع على جبين بارد.. أطفال رُضّع ولدوا تحت الحصار الإسرائيلي وانضموا إلى شهداء الجوع

– والدة الطفل ياسمين النامس: بعد شهرين من ولادة طفلي اكتشفنا أنه يعاني من تضخم في الكبد، وتم نقله إلى خارج قطاع غزة لتلقي العلاج، لكن الحصار الإسرائيلي حال دون ذلك. – والد الطفل منعم أبو محسن: على العالم أن ينتبه لمعاناة الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يتعرضون للقتل والجوع وانعدام الرعاية الصحية في ظل الحصار.
قبل خمسة أشهر، رُزقت الفلسطينية ياسمين النمس بمولودها الأول، عبد السلام أبو محسن، بعد سنوات من الانتظار والأمل. لم تكن تعلم أن هذا العناق سيطول في قطاع غزة المنهك بالحصار، والمثقل بحرب الإبادة الإسرائيلية.
وُلد عبد السلام في خان يونس، جنوب قطاع غزة، في ظروف إنسانية قاسية. منذ أيامه الأولى، عانى من تضخم في الكبد، وكان بحاجة ماسة إلى العلاج والحليب الطبي، وهو ما لم يكن متوفرًا في مستشفيات القطاع المحاصر.
**الانتقالات المغلقة
حاولت عائلته يائسة الحصول على العلاج والطعام، وناشدت مرارا وتكرارا السماح له بمغادرة غزة، لكن جميع المعابر ظلت مغلقة أمام الطفل الصغير.
توفي الرضيع في مستشفى ناصر بخان يونس بعد أيام من غيبوبة مؤلمة نتيجة نقص العلاج والحليب العلاجي لحالته. جاء ذلك في ظل حصار إسرائيلي خانق يحرم الأطفال من أبسط مقومات الحياة، وهو سيناريو يتكرر يوميًا في قطاع غزة.
في تلك اللحظة، غمر الحزن عائلته بعد طول انتظار الدواء والحليب. تلقّى والداه نبأ وفاة ابنهما الحبيب وطفلهما الوحيد باكيين.
في ممرات المستشفى، احتضنت والدته جسده الصغير لمرة أخيرة وقبلت جبينه البارد مودعة، وكأنها تريد أن تبعث فيه الحياة، قبل أن تتم الصلاة عليه ويدفن في تراب خان يونس.
**الانقراض الجماعي وشيك
حذرت دائرة الإعلام الحكومي في غزة، السبت، من موت جماعي وشيك لأكثر من 100 ألف طفل في قطاع غزة بسبب نقص الحليب والمكملات الغذائية نتيجة سياسة التجويع الإسرائيلية المستمرة، والتي تتزامن مع الحرب الإبادة المستمرة منذ 22 شهراً.
وبحسب آخر إحصائيات وزارة الصحة في غزة، فإن حصيلة القتلى جراء الجوع وسوء التغذية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصلت إلى نحو 147 فلسطينياً، بينهم 88 طفلاً.
قالت والدته، ياسمين النمس، لوكالة الأناضول: “بعد شهرين من ولادته، اكتُشف مرضه، واضطررنا إلى نقله خارج قطاع غزة لتلقي العلاج. إلا أن الحصار الإسرائيلي حال دون ذلك بسبب إغلاق المعابر”.
وتابعت: “خلال هذه الفترة، عانى، وناشدتُ العالم أجمع، لكن دون جدوى، مما أدى إلى وفاته”. وأضافت: “ذهبتُ لدفن ابني الحبيب والوحيد”.
وشرحت الأم مأساة أيام طفلها الأخيرة قائلةً: “كان مرضه خفيفًا، لكن حالته ساءت بسبب عدم توفر العلاج في غزة. كان عمره خمسة أشهر، لكن عدم توفر العلاج والحليب أدى إلى وفاته”.
وأضافت: “بحثتُ عن حليب علاجي قبل أسبوع، لكن بسبب الحصار، لم يتوفر في قطاع غزة. دخل بعد ذلك في غيبوبة، وهو الآن على جهاز التنفس الصناعي”.
وقال والد الطفل منعم أبو محسن لمراسل وكالة الأناضول، إن طفله يعاني من تضخم في الكبد، وكان هناك إمكانية لنقله خارج قطاع غزة لتلقي العلاج، إلا أن الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر حال دون ذلك.
وأشار إلى أنه تواصل مراراً مع منظمة الصحة العالمية لكنه لم يتلق أي رد يذكر.
ودعا أبو محسن المجتمع الدولي إلى التحرك لوقف معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يواجهون القتل والجوع وانعدام الرعاية الصحية بسبب الحصار المتواصل.
**مأساة تنتشر
وحذرت وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات المحلية من أن استمرار الحصار ومنع المساعدات قد يؤدي إلى وفيات جماعية للأطفال، في حين تتدهور الظروف الصحية والمعيشية وينهار النظام الطبي بشكل كامل.
منذ الثاني من مارس/آذار، تجنبت إسرائيل مواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حماس، وأغلقت المعابر الحدودية مع قطاع غزة للسماح بنقل شاحنات المساعدات على طول الحدود.
لقد حاصرت إسرائيل غزة لمدة 18 عامًا، مما أدى إلى تشريد حوالي 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة بعد تدمير منازلهم في حرب الإبادة.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية على غزة، تتضمن القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لإنهاء هذه الحرب.
خلّفت الإبادة الجماعية المدعومة من الولايات المتحدة أكثر من 205 آلاف قتيل وجريح في فلسطين، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود. إضافةً إلى ذلك، شُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين.