ثلوج وشتاء في يوليو وأغسطس.. حكاية عام غياب الصيف عن العالم

أثارت موجة الحرّ الاستثنائية في مصر قلق الكثيرين. يتمنى البعض انتهاء الصيف وارتفاع درجات الحرارة. إلا أن هذا التمني ليس ببعيد عن الواقع، فقد شهد العالم في عصور ماضية سنواتٍ غاب فيها الصيف وحلّ الشتاء في منتصف يوليو وأغسطس، مما أدى إلى طقسٍ غير اعتياديّ وسماءٍ حمراء. ومن أشهر هذه السنوات عام ١٨١٦ الاستثنائي، حين شهد العالم ما يشبه الشتاء على الإطلاق، وما زالت آثاره مستمرة حتى يومنا هذا.
وتسرد صحيفة الشروق الحقائق الرئيسية عن العام الذي فقد فيه العالم صيفه، كما وردت في كتاب “العصر الجليدي الصغير: كيف شكل المناخ التاريخ”، في مجلات “نيو فيزيكس”، و”ساينتفيك جيوجرافيك”، و”7 سيس برس”.
*ظاهرة الشتاء البركاني
يحدث الشتاء بسبب السحب البركانية خلال فصل الصيف. يرتفع الرماد البركاني مُطلقًا سحابة من غاز ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي العلوي. تُشكل هذه الغازات سحابة تعكس ضوء الشمس، فلا تسمح إلا لكمية ضئيلة منه بالوصول إلى سطح الأرض. يؤدي هذا إلى انخفاض في درجات الحرارة وشتاء بركاني.
تجدر الإشارة إلى أن هذه ظاهرة استثنائية لا تحدث في أغلب الانفجارات البركانية ولا يتم قياسها بقوة الانفجار البركاني.
*حدث عام 1816 والسنة بلا صيف
عُرف عام ١٨١٦ بعام بلا صيف. وكان سببه ثوران بركان تانبورا الإندونيسي في أبريل ١٨١٥، العام الذي سبقه. تشكّلت سحب من ثاني أكسيد الكبريت، ظهرت آثارها في صيف العام التالي: انخفضت درجات الحرارة، وانتشر ضباب شتوي مميز، وتحولت غروب الشمس إلى لون أحمر كثيف غير معتاد، وتساقطت الثلوج في يونيو، وعانت المحاصيل من عام قاسٍ.
*شتاء حزين
تأثرت أوروبا، وخاصةً الأمريكتان، بالكوارث الإنسانية أكثر من بقية العالم. نتجت المجاعات والهجرات الجماعية القسرية والاضطرابات عن تلف المحاصيل بسبب سوء الأحوال الجوية والصقيع، مما أدى إلى تدمير محصول الحبوب اللازم لتأمين الإمدادات الغذائية اليومية. ارتفعت الأسعار، وهاجر الناس من غرب أمريكا إلى الشرق. هجرت المدن البريطانية في معظمها، وامتلأت شوارع فرنسا بأعمال شغب غير مسبوقة منذ الثورة الفرنسية. انتشرت المجاعة في جميع هذه البلدان.
تسببت موجة البرد القارس الاستثنائية في انتشار الأوبئة. وأدى انقطاع الرياح الموسمية في الهند، المعروفة بحرارتها، إلى انتشار بكتيريا الكوليرا في نهر الجانج، مما أدى إلى وباء شديد وصل إلى موسكو. أما في أوروبا الغربية، فقد أدت الفيضانات إلى انتشار وباء التيفوس في إيطاليا وسويسرا والمناطق المحيطة بهما.
*الدراجة ورومانسية مصاص الدماء… إبداعات الشتاء والصيف
ترك هذا الصيف البارد للغاية أثرًا دائمًا على الثقافة الإنسانية. لم تتمكن عائلة اللورد بايرون وماري شيل من تحمل تكاليف عطلتهم الصيفية المعتادة بسبب البرد. لكنهم تمكنوا من البقاء في المنزل والقراءة، وكتبوا لاحقًا أشهر رواية أشباح في العالم – الرواية التي ألهمت قصة مصاصي الدماء للورد بايرون. كما كتبت ماري شيل رواية فرانكشتاين خلال فترة العزلة نفسها.
أدى الشتاء والصيف إلى فشل حصاد الشوفان المستخدم كعلف للخيول. ألهم هذا العالم الألماني كارل درايس لإيجاد بديل صناعي لعلف الخيول. اخترع أول دراجة في العالم، وهي دراجة “حصان درايس”. وتطورت الدراجة بشكل أكبر ولا تزال مستخدمة حتى اليوم. لم تقتصر اختراعات الشتاء والصيف على الدراجة فحسب، بل ألهمت المجاعة العالم الألماني يوستوس فون ليبيج للبحث عن الأسمدة الكيميائية واختراعها، والتي استخدمتها البشرية لاحقًا كبديل أكثر فعالية للأسمدة العضوية القديمة.