أحمد أبو سيد خبير الطاقة العالمي لـ«الشروق»: أستطيع تحويل مخلفات القاهرة العضوية لعائد اقتصادي يتجاوز مليار دولار سنويا

منذ 18 ساعات
أحمد أبو سيد خبير الطاقة العالمي لـ«الشروق»: أستطيع تحويل مخلفات القاهرة العضوية لعائد اقتصادي يتجاوز مليار دولار سنويا

إئتمانات الكربون هي مستقبل مصر في السنوات القادمة.

وتتمتع مصر بفرص ذهبية غير مستغلة في مجال تداول الانبعاثات والاستخدام الهائل للطاقة الحرارية الأرضية.

أنا خائف من عواقب الاحتباس الحراري على بلادنا، والأيام القليلة الماضية هي أفضل دليل على ذلك.

نحن قادرون على تنفيذ مشاريع الطاقة الخضراء، ولكننا بحاجة إلى التنفيذ والرقابة.

 

مع اشتداد السباق العالمي لاستغلال الموارد والنفايات لتحقيق مكاسب اقتصادية وحماية البيئة، تُعدّ مصر من الدول التي لم تستثمر بعد في ثرواتها الكامنة. في هذا السياق، كشف الدكتور أحمد سعيد أبو سيد، خبير الطاقة العالمي ومؤسس شركة أدفانتيك العالمية ورئيسها التنفيذي في تكساس، في مقابلة مع صحيفة الشروق، عن مقترح مشروع ضخم لمعالجة حمأة الصرف الصحي في القاهرة، من شأنه أن يُدرّ إيرادات سنوية تتجاوز مليار دولار.

لم تقتصر تصريحات أبو سيد على الأرقام، بل تناولت أيضًا تحديات تغير المناخ، وإمكانيات مصر الحقيقية في مجال تداول الانبعاثات وإدارة النفايات، والتجارب العالمية التي يمكن الاستفادة منها. وأكد أن مصر لديها فرصة حقيقية للقيام بدور ريادي في الاقتصاد الأخضر، شريطة توافر الإرادة وتكامل التعليم مع التكنولوجيا والاقتصاد الأخضر، لأن ذلك هو مفتاح انتعاش اقتصادي حقيقي.

 

عن نص الحوار:

س: أولاً ما هي تفاصيل المشروع؟

يتضمن المشروع إنشاء شبكة آبار في محطات تجميع وفصل مياه الصرف الصحي بمحافظة القاهرة، بناءً على مسح تحت سطح الأرض. ستُجهّز كل محطة بآبار وأنظمة “ترامب” حديثة. تبلغ تكلفة المحطة الواحدة 8 ملايين دولار أمريكي، مع العلم أن المساحة المتاحة للمعدات والكوادر محدودة.

يهدف المشروع إلى معالجة مياه الصرف الصحي بشكل مستدام مع تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة. وإذا تم تنفيذه بالكامل في شبكة الصرف الصحي بالقاهرة وحدها، فمن الممكن أن يُحقق إيرادات سنوية للدولة تصل إلى مليار دولار أمريكي، ويمكن تطبيقه في جميع المحافظات.

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي منح وزارة الإسكان المصرية مليوني يورو لدعم مشاريع الصرف الصحي. وأضاف: “عرضتُ على الوزارة فرصة تنفيذ جزء من المشروع بعائد سنوي مضمون، مما يُمكّننا من بناء نموذج محطة تجريبية في وقت قصير”.

وأكد أنه في حال تنفيذ المشروع بالكامل على كامل شبكة الصرف الصحي في القاهرة، فسيُصبح مصدر دخل سنوي هام للدولة. وفي الوقت نفسه، يُمكن أن يُحسّن البنية التحتية ويُحل مشاكل الصرف الصحي بشكل مستدام.

 

س: أين تعمل الشركة وفي أي المجالات المحددة؟

نحن نعمل في هذا المجال منذ 34 عامًا، وتتخصص شركتنا، ومقرها تكساس، في إدارة النفايات الصناعية والتخلص منها. ندير حاليًا ثلاثة مرافق هناك، ونبيع الكربون عن طريق دفن أو حقن المواد العضوية تحت الأرض.

 

س: ما هي تفاصيل المشروع الذي قدمتموه لوزارة الهجرة بشأن معالجة النفايات وتحويلها إلى طاقة؟

نُنفّذ هذا المشروع في كاليفورنيا منذ اثني عشر عامًا. أنشأنا هناك منشأةً تُحوّل ما يقارب 4.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن النفايات سنويًا. يتم تحقيق ذلك بتحويل الكربوهيدرات المتحللة والمواد العضوية إلى غازات نظيفة. تُدفن المواد العضوية طبيعيًا، مما يُجنّب انبعاثات الميثان.

وعندما طرحت الفكرة على وزيرة الهجرة السابقة سهى الجندي، تفاعلت بإيجابية شديدة، ولكن بعد أن تركت الوزارة لم تتم مناقشة الاقتراح أكثر.

 

محطة الطاقة الحرارية الأرضية التي أنشأتها شركة أدفانت

 

 

س: ما هي التحديات التي واجهتك عند تنفيذ المشاريع في مصر؟

للأسف، هناك تحديات عديدة، بعضها مرتبط بالتطورات الدولية، بدءًا من أزمة فيروس كورونا، مرورًا بالحرب في أوكرانيا، وصولًا إلى حربي الدولار والغاز. حتى العام الماضي، كنا متفائلين بتحسن الوضع، لكن الاضطرابات في المنطقة غيّرت الوضع. علاوة على ذلك، تتطلب السياسة الاقتصادية نتائج ملموسة، وليس مجرد مفاوضات دون تطبيق.

 

س: كيف جاءت فكرة تحويل النفايات العضوية إلى غازات مفيدة؟

يحرق البشر الكربوهيدرات منذ القدم، سواءً للغذاء أو الوقود أو لأغراض أخرى. يُنتَج غاز الميثان أثناء التحلل الطبيعي للنفايات العضوية. فلماذا لا نُسخّر هذه الطاقة بدلًا من تلويثها للغلاف الجوي؟

نجمع غاز الميثان الناتج ونستخدمه كوقود، أو ندفنه بأمان، ونكسب المال من بيع أرصدة الكربون. وقد استخدمنا نفس الطريقة في منشآتنا بكاليفورنيا، وكانت النتائج ممتازة.

 

س: كيف تقومون بحماية المياه الجوفية في هذه المحطات؟

يجب أن تكون الطبقة التي تُدفن فيها المادة معزولة تمامًا عن المياه الجوفية المستخدمة في الشرب أو الزراعة. ويجب أن تُثبت الدراسات ونماذج المحاكاة عدم انتقال المادة المدفونة إلى طبقة أخرى. وفي حال حدوث ذلك، يجب إنشاء طبقة ثانية لاحتواء المادة فورًا.

 

س: هل مصر قادرة على تنفيذ المشروع بنفس التقنيات؟

رغم امتلاك مصر للقدرات والبنية التحتية والخبرة اللازمة، إلا أنها للأسف متأخرة في التنفيذ. على سبيل المثال، نستخرج كميات هائلة من النفايات من مصانع النفط والغاز والبتروكيماويات، ثم نتخلص منها في البحر.

س: هل هناك حلول يتم تنفيذها في الخارج لنقل النفايات الخطرة؟

تستخدم دول مثل النرويج وفنزويلا وألاسكا نفس التقنية. يُخزَّن نصف مليون برميل من النفايات المشعة في البحر الأحمر. من الضروري دفن هذه النفايات باستخدام نفس التقنية الآمنة. حاولنا اقتراح المشروع عام ١٩٩١. في ذلك الوقت، تواصلنا مع شركة بي بي، وطلبوا ٧٠ ألف دولار أمريكي للدراسة. للأسف، لم يُكتمل المشروع قط. تمتلك مصر أيضًا احتياطيات هائلة غير مستغلة من الطاقة الحرارية الأرضية في البحر الأحمر.

 

س: ماذا عن استخدام المخلفات الزراعية والحيوانية كسماد؟

رغم أن هذه النفايات تحتوي على عناصر غذائية قيّمة للتربة، إلا أنها تفقد الكثير من عناصرها المفيدة بتعرضها للهواء. لذلك، يُنصح بدفنها بطرق حديثة تمنع انبعاثات الغازات، وتحمي البيئة، وتُنتج في الوقت نفسه سمادًا عضويًا عالي الجودة.

ويحقق السماد الناتج في بعض الأحيان ربحاً يتراوح بين 300 و400 دولار للطن، مقارنة بـ50 دولاراً اليوم، وهو ربح كبير جداً.

يدّعي البعض أن السماد العضوي باهظ الثمن، إذ يبلغ سعره 450 كيلوغرامًا، بينما السماد الكيميائي أرخص. مع ذلك، يتميز السماد العضوي بقيمة غذائية أعلى للتربة، وهو صديق للبيئة، كما يمكنك ربح المال من خلال تصدير منتجك.

 

 

س: هل تبيع الشركة حاليًا أرصدة الكربون؟

بعنا حتى الآن شهاداتٍ بقيمة 8 ملايين دولار، ولدينا عقدٌ مفتوحٌ بقيمة 58 مليون دولار. الكربون الذي نلتقطه في منشآتنا الأمريكية يُشترى. كما نستخدم طبقاتٍ ملحيةً معزولةً لتخزين الكربون على عمقٍ يتراوح بين كيلومترين وثلاثة كيلومترات.

وأود أن أؤكد هنا أن مصر لديها فرص ذهبية في مجال تداول الانبعاثات لم يتم استغلالها بالكامل بعد.

 

س: ما هي المخاطر التي تراها على مصر فيما يتعلق بتغير المناخ؟

يبلغ طول مصر، من الإسكندرية إلى أسوان، ألف كيلومتر، بفارق عشرة أمتار فقط في الارتفاع. هذا يعني أن كل سنتيمتر من الارتفاع يُقرّب البحر الأبيض المتوسط كيلومترًا واحدًا تقريبًا من اليابسة. حاليًا، وبسبب الاحتباس الحراري، من المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر بنحو 25 سنتيمترًا خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة.

ونحن نشهد علامات مبكرة في مارينا، حيث بدأ السكان في رفع منازلهم عن الأرض بسبب تسرب المياه الجوفية، وفي الإسكندرية، ظهرت الشقوق في بعض المباني القديمة بسبب الملوحة وارتفاع منسوب المياه.

نعاني من ارتفاع منسوب مياه البحر وتسرب المياه الجوفية، وستتأثر بذلك وجهاتنا السياحية الشهيرة. هذه كارثة لا تقتصر على البيئة فحسب، بل تشمل الصحة والسياحة أيضًا، ويأتي هذا في وقت تُسن فيه قوانين مناخية صارمة حول العالم.

 

س: هل تعتقد أن مصر يمكن أن تستفيد من تجارة الانبعاثات؟

لقد اتخذ الرئيس والحكومة بالفعل إجراءات، ووافق البرلمان على تبادل الكربون وتم تمرير بعض القوانين، ولكن لا تزال هناك مشكلة في التنفيذ والتوعية.

نحن بحاجة إلى خطة وطنية حقيقية. لا يمكننا مطالبة أوروبا وأمريكا بخفض انبعاثات الكربون بينما نضخّ نحن الكربون في الغلاف الجوي.

والآن أصبحت شركات الطيران أيضًا “محايدة للكربون” في رحلاتها من خلال شراء أرصدة الكربون لتعويض الانبعاثات التي تسببها أثناء الطيران، وجمع الأموال وتمريرها إلى الشركات التي تلتقط الكربون من الغلاف الجوي.

للحفاظ على مكانتنا الدولية، علينا معالجة قضية المناخ. إذا لم تجد أوروبا نظامًا اقتصاديًا صديقًا للبيئة، فسنتوقف عن الاستيراد من مصر.

 

س: هل تعتقد أن مصر لديها فرصة حقيقية لتولي دور قيادي في الاقتصاد الأخضر؟

لدينا الموارد والكفاءات، لكننا نفتقر إلى سرعة التنفيذ والرقابة الصارمة. يمكن لمصانع الأسمنت والموانئ وصناعة البترول الحصول على أرصدة الكربون. بدلًا من دفع الضرائب البيئية، نستفيد من خفض الانبعاثات. هذا ليس ترفًا، بل مسألة أمن قومي ومكسب اقتصادي هائل.

 

س: وأخيرًا، ما الذي تحتاجه مصر اليوم لمواكبة التقدم العالمي؟

تتمتع مصر بفرص فريدة لا مثيل لها في أي مكان آخر في العالم. فموقعنا الجغرافي لا مثيل له، ونتمتع بإمكانية الوصول إلى الطاقة الشمسية والحرارية الأرضية المتجددة على مدار العام، بالإضافة إلى وفرة من النفايات العضوية التي يمكن استخدامها لتوليد الطاقة.

لكن التحدي الأكبر يكمن في استمرارنا في تخريج آلاف الخريجين من كليات الحقوق وإدارة الأعمال، مع إهمالنا لمجالات مستقبلية كالبرمجة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات. نحن بحاجة إلى مواصلة تطوير المهارات البشرية والتقنية، والانفتاح على تخصصات تُسهم في دفع عجلة الاقتصاد قدماً.

لماذا نلجأ إلى شركات من خارج المنطقة لتطوير الذكاء الاصطناعي باللغة العربية بينما نستطيع الاستفادة من مواهبنا ومواردنا؟ لدينا مبرمجون، ولدينا طلب، وما ينقصنا هو حوكمة وتخطيط فعّالين.

كما يُولى اهتمامٌ ضئيلٌ للحرف الماهرة والتدريب المهني والتقني، رغم حاجة السوق المصرية لكل عاملٍ ماهر. ما نحتاجه اليوم ليس القوانين فحسب، بل أيضًا التطبيق العملي لسياساتٍ تراعي احتياجات المجتمع.

وإذا بدأنا في تنظيم هذه القطاعات، وتوسيع التعليم، وربط التكنولوجيا والصناعة، فإن مصر يمكن أن تتعافى وتتقدم خلال بضع سنوات.

 


شارك