من احتجاجات مهسا أميني إلى حرب إسرائيل.. كيف نجا النظام الإيراني من أعنف اختباراته في نصف قرن؟

رغم موجة الاحتجاجات الداخلية الأشد ضراوةً والهجمات الإسرائيلية المُستهدفة لقيادة النظام الإيراني، فقد تمكّن من الصمود، محافظًا على رواية “النصر الرمزي”. يتناول هذا التقرير كيف نجا النظام من أخطر اختبارٍ له منذ ثورة 1979، وتأثير تماسكه الظاهري في مواجهة التغيرات الجذرية في الشعب.
من الهجوم الإسرائيلي إلى الحديث عن “نصر رمزي”
ورغم خسائر الحرس الثوري والإطاحة بزعماء بارزين، نجح النظام الإيراني في استغلال اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل باعتباره “نصراً رمزياً”، ويعتبر بقاء مؤسساته السياسية والدينية بقيادة المرشد الأعلى انتصاراً استراتيجياً بحد ذاته.
مع ورود تقارير عن هجوم مُستهدف على مركز القيادة ومحاولة اغتيال محتملة للمرشد الأعلى، استغل النظام فشل هذه الجهود لإظهار تماسكه. وتحول الخطاب الرسمي إلى الادعاء بأن “النجاة من الضربات هي النصر الحقيقي”، وهي استراتيجية استُخدمت مرارًا وتكرارًا على مدى العقود الماضية لمواجهة أي انهيار محتمل.
من الخميني إلى خامنئي: قصة بقاء ومصير إلهي
تستمد الرواية الثورية للنظام جذورها من قصة صعود آية الله الخميني إلى السلطة، كما رواها الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه “بنادق آية الله”. يصف هيكل المرحلة الإيرانية في سبعينيات القرن الماضي بأنها فترةٌ استطاع فيها رجل دين تعبئة الشارع في لحظة تاريخية مضطربة.
تحدث هيكل عن بساطة فكر الخميني، وتأكيده على وحدة الإسلام، ورفضه فصل الدين عن السياسة. وأوضح كيف قاد الثورة ضد الشاه مرددين شعارات العدالة ورفض “الاستبداد”. وأعرب عن اعتقاده بأن الإطاحة بالشاه ليست سوى البداية، وأن الهدف النهائي هو إقامة “نظام إسلامي عادل” لا يتعارض مع السياسات الغربية.
عزز خامنئي هذا النهج لاحقًا باعتماد مفردات الخطاب نفسها، بما في ذلك دعوات التضحية والتمسك بـ”خط الولاية”. وتجلى ذلك بعد الحرب مع إسرائيل، حين استخدم النظام المفردات الدينية نفسها لتوحيد الجبهة الداخلية.
مهسا أميني: لحظة التهديد الداخلي الأعظم
في سبتمبر/أيلول 2022، أشعل مقتل مهسا أميني، وهي شابة كردية كانت محتجزة لدى شرطة الآداب، احتجاجات غير مسبوقة في إيران. ما بدأ كحركة ضد الحجاب الإلزامي، تطور إلى ثورة شعبية تطالب بإسقاط النظام الديني بأكمله.
بشعارات مثل “المرأة، الحياة، الحرية” و”الموت للديكتاتور”، امتدت المظاهرات، بقيادة النساء والشباب، من المدن الكردية إلى طهران وأصفهان وشيراز. واعتبرها المراقبون الموجة الأولى من الاحتجاجات التي تتحدى شرعية المرشد الأعلى مباشرةً، وتطالب بإسقاط الحكم الديني لا بالإصلاحات.
تحالفات شبابية جديدة ومطالب لا هوادة فيها
ظهرت مجموعات شبابية، مثل “تحالف شباب الأحياء”، الذي أعلن أنه لا يسعى إلى الإصلاحات، بل إلى إسقاط النظام وإقامة دولة مدنية علمانية. وانتشرت شعارات مثل “لن نعود حتى يسقط النظام” و”الموت للجمهورية الإسلامية”.
وفي حين حاولت السلطات تهدئة الوضع من خلال إجراءات شكلية مثل تقليص دور شرطة الآداب، ظلت الهياكل الأمنية والسياسية للنظام على حالها، مما دفع الرأي العام إلى النظر إلى هذه الخطوات على أنها مجرد مناورات سياسية.
الحرب مع إسرائيل: اختبار عسكري بوجه سياسي
في تصعيد غير مسبوق، شنّت إسرائيل غارات جوية على منشآت نووية وعسكرية إيرانية. ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، ردّت طهران بعشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة التي ضربت منشآت إسرائيلية رئيسية. أدى ذلك إلى تعطيل البنية التحتية وأنظمة الدفاع في تل أبيب وحيفا، بالإضافة إلى إغلاق مؤقت لبعض المطارات والمنشآت.
رغم محدودية تأثيرها العسكري، استغل النظام الإيراني هذه الحرب لإعادة تشكيل صورته في الداخل. وشمل ذلك مظاهرات شعبية رفعت صور خامنئي، وشعارات حاشدة ضد إسرائيل وأمريكا، مثل “سنصمد حتى النهاية” و”لا للسلام المفروض، نعم للسلام الدائم”.
أضرار محدودة وفرص سياسية
أشارت تقارير استخباراتية أمريكية مسربة، منها تقرير نشرته صحيفة الغارديان، إلى أن الهجمات الإسرائيلية لم تُلحق ضررًا استراتيجيًا مستدامًا بالبرنامج النووي الإيراني، وأن المنشآت المتضررة قابلة للإصلاح في غضون أشهر. مع ذلك، تمكن النظام من استغلال الحادث كفرصة سياسية لإعادة هيكلة جبهته الداخلية التي تصدعت خلال احتجاجات عام ٢٠٢٢.
اختبار للبقاء أم بداية للتحول؟
من احتجاجات محسا أميني إلى المواجهة العسكرية مع إسرائيل، واجه النظام الإيراني بعضًا من أخطر التحديات التي واجهها منذ الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩. وبينما يعتقد البعض أن هذه التحديات أضعفت شرعية النظام، يعتقد آخرون أن قدرته على الحفاظ على صموده السياسي وتحويل الخسائر إلى مكاسب رمزية لا تزال تمنحه وقتًا في صراعه من أجل البقاء.
ولكن أصبح واضحا أن الوضع الداخلي في إيران قد تغير، وأن الجيل الجديد لم يعد مقتنعا بالصبر والانتظار، بل يدعو إلى إسقاط النظام، وليس إعادته.