خامنئي يبدأ مسار تسليم الراية.. كيف تختار إيران مرشدها الأعلى؟

منذ 3 شهور
خامنئي يبدأ مسار تسليم الراية.. كيف تختار إيران مرشدها الأعلى؟

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مصادر مطلعة أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يختبئ حاليا في مخبأ تحت الأرض، حيث تم اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية لضمان استمراره في الحكم في حال اغتياله خلال الصراع العسكري المتصاعد مع الاحتلال الإسرائيلي.

أكدت مصادر أنه في خطوة غير مسبوقة، رشّح المرشد الأعلى الإيراني، البالغ من العمر 86 عامًا، ثلاثة رجال دين بارزين لخلافته. كما وجّه مجلس الخبراء، الجهة المسؤولة عن اختيار المرشد الأعلى، باختيار أحدهم بسرعة وفورًا في حال اغتياله. وتهدف هذه الخطوة إلى تجنب فراغ السلطة وضمان انتقال سلس ومنظم للقيادة في الجمهورية الإسلامية.

المرشد الأعلى صاحب السلطة غير المحدودة… ماذا يمثل المرشد الأعلى في النظام الإيراني؟

يشغل المرشد الأعلى لإيران أعلى منصب في الجمهورية الإسلامية، وهو السلطة السياسية والدينية العليا. وله الكلمة الفصل في جميع الشؤون الداخلية والخارجية. ويمتد نفوذه ليشمل القوات المسلحة، والسلطة القضائية، ووسائل الإعلام الرسمية، ومجلس صيانة الدستور، الذي يحدد أهلية المرشحين، وله حق النقض (الفيتو) على التشريعات البرلمانية. وبصفته مرشدًا أعلى، يتمتع بسلطة شبه مطلقة، وولايته محدودة مدى الحياة، وفقًا لمقال لهادي قبيسي في مجلة الشرق الأوسط اللبنانية بعنوان “أسس النظام الإيراني”.

في هذا السياق، قال روح الله الخميني، المرشد الأعلى السابق للثورة الإسلامية، في تعريفه لنظرية ولاية الفقيه: “إن مسألة ولاية الفقيه ليست من اختراع مجلس الخبراء، بل هي أمر أعده الله لنا… فلا تخشوا من لقب ولاية الفقيه، فالفقيه لا يُقهر، والفقيه الذي يريد ممارسة هذه الممارسة لا سلطان له على الناس”. وهذا القول يوضح أن وجود الفقيه لا يعني العودة إلى الحكم الديني، كما ذكر ياسر عبد الحسين في كتابه “مستقبل السياسة الإيرانية” الصادر عن شركة مطبوعات للتوزيع والنشر.

يتناول الكتاب نظرية ولاية الفقيه، التي مثّلت نقلة نوعية في الفكر السياسي الشيعي، وبرزت مع انطلاق الثورة، ووصلت إلى مرحلة التطبيق العملي كمحور أساسي في البنية السياسية الشيعية. وتستند هذه النظرية إلى النص المقدس الذي وضع آلية لخلافة الإمام المعصوم في حال غيبته، وذلك من خلال تعيين الأقرب إليه من حيث الكفاءة، بناءً على رأي خبراء غير مخولين بوضع المعايير والمواصفات، بل لتحديد الأفضل والأقرب إلى الإمام المعصوم.

تاريخ المنصب

أفادت جامعة فلوريدا الدولية أنه منذ الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، لم يتولَّ منصب المرشد الأعلى سوى شخصين: آية الله روح الله الخميني، الذي حكم حتى وفاته عام ١٩٨٩، وخليفته الحالي، آية الله علي خامنئي. لم يكن الخميني قائدًا ثوريًا فحسب، بل كان أيضًا أعلى سلطة دينية في المذهب الشيعي الاثني عشري، والمعروف باسم “آية الله العظمى” أو “منبع التقليد”. يُمنح هذا اللقب لنخبة من رجال الدين الذين يُعتبرون جديرين بالتقليد والطاعة، والذين يملكون سلطة إصدار التعاليم الدينية لأتباعهم، وكذلك لرجال الدين الأقل مرتبة.

رغم أن الخميني قاد الثورة منذ فبراير/شباط 1979، إلا أن منصب “المرشد الأعلى” لم يُرسَّخ رسميًا إلا بعد إقرار الدستور الإسلامي في استفتاء عام في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام. وقد استند هذا الدستور إلى نظرية ولاية الفقيه، التي تنص على أن يحكم الدولة رجل دين كبير وفقًا للشريعة الإسلامية.

كيف يتم اختيار المرشد السياحي في إيران؟

يتألف مجلس الخبراء من 88 رجل دين، يشترط فيهم جميعًا بلوغ مرتبة الاجتهاد الديني. يُنتخبون مباشرةً من قِبل الشعب الإيراني لمدة ثماني سنوات. وتتمثل المهمة الرئيسية للمجلس في انتخاب المرشد الأعلى، ومراقبة أدائه، بل وحتى عزله في حال إخلاله بالشروط الدستورية لمهامه.

تنص المادة ١٠٧ من الدستور الإيراني على أن الخبراء يختارون المرشد الأعلى من بين الفقهاء الذين يستوفون معايير صارمة، تشمل الكفاءة العلمية، والعدل والتقوى، والرؤية السياسية والاجتماعية، والحكمة والشجاعة، والمهارات الإدارية. نظريًا، يبدو هذا الأمر ديمقراطيًا ومؤسسيًا بحتًا، لكن الواقع غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا.

كيف أصبح خامنئي المرشد الأعلى؟

وفقًا لموقع الجامعة الأمريكية، ارتقى علي خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى عام ١٩٨٩، مستفيدًا من تعديل دستوري حاسم أُجري قبل وفاة آية الله الخميني. ألغى هذا التعديل شرط استخدام المرشد الأعلى لقب “آية الله العظمى”، مما فتح المجال أمام رجال الدين الأقل رتبة. في ذلك الوقت، كان خامنئي يحمل لقب “حجة الإسلام”، وهي رتبة أدنى من لقب آية الله. ورغم افتقاره إلى الكاريزما الدينية التي كان يتمتع بها الخميني، فقد “رُقّي” إلى منصب آية الله العظمى فور تعيينه.

اعتُبر هذا القرار سياسيًا بحتًا، يهدف بالأساس إلى الحفاظ على تماسك النظام بعد وفاة الخميني، بدلًا من اتباع التقاليد الدينية الصارمة. مهّد هذا التحول الطريق لخامنئي، لا سيما بعد استبعاد أبرز مرشح لخلافة الخميني، آية الله حسين علي منتظري. ووُضع منتظري لاحقًا قيد الإقامة الجبرية بسبب انتقاداته اللاذعة للنظام، لا سيما فيما يتعلق بالإعدامات الجماعية لآلاف السجناء السياسيين عام ١٩٨٨، والتي كان إبراهيم رئيسي أحد المتهمين الأربعة بها.


شارك