الديدان الطفيلية تساعد البشر في مكافحة السمنة.. كيف؟

منذ 4 ساعات
الديدان الطفيلية تساعد البشر في مكافحة السمنة.. كيف؟

أجرى فريق بحثي هولندي تجربةً مثيرة. غذّوا فئرانًا مختبريةً بنظام غذائي غني بدهن الخنزير، ثم زرعوا ديدانًا طفيلية في أجسامها. في هذه التجربة، التي أُجريت كجزء من أبحاث الأيض والسمنة، تسللت الديدان تحت جلد الفئران، وتسللت إلى الأوعية الدموية المحيطة بالأمعاء، ووضعت بيوضها. يقول برونو غيغاس، عالم الأحياء الجزيئية في مركز الأمراض المعدية بجامعة لايدن في هولندا: “كانت النتيجة مذهلة”. وأوضح أن الفئران التي تحمل الديدان في أجسامها فقدت وزنًا أكبر بكثير من الفئران السليمة، وأصبحت أنحف بكثير في غضون شهر – لدرجة أن المقاييس لم تعد ضرورية لتأكيد نتائج التجربة.

في حين أنه من الواضح أن الديدان تتغذى على طعام مضيفها، مما يؤدي إلى سوء التغذية، إلا أن هناك آلية مختلفة تعمل في الجسم. ترتبط هذه الآلية بمجال علمي جديد يسمى الأيض المناعي، والذي يدرس العلاقة بين الجهاز المناعي والأيض. بعد عقود من البحث، اكتشف العلماء أن دور الجهاز المناعي لا يقتصر على مكافحة العدوى ولكنه مرتبط أيضًا بوظائف أعضاء أخرى مثل الكبد والبنكرياس والأنسجة الدهنية. كما أنه يلعب دورًا مهمًا في حالات مثل السمنة ومرض السكري من النوع 2 لأنه أثناء مكافحة العدوى، يمكن للجهاز المناعي أن يسبب التهابًا في الجسم، مما يؤثر بدوره على عملية الأيض. في دراسة نُشرت في المراجعة السنوية للتغذية، وهي مجلة متخصصة في الأمراض المتعلقة بالتغذية، خلص فريق بحثي إلى أن الديدان، لأسباب فسيولوجية لا تزال غير واضحة، تقلل بالفعل من الالتهاب في الجسم.

قال الباحث برونو غيغاس لموقع “مجلة المعرفة” الإلكتروني: “بالطبع، لا نعالج الأمراض الأيضية بزرع الديدان في أجسام المرضى، لما لها من آثار جانبية. ومع ذلك، تُعد الديدان أداة قيّمة للعلماء لدراسة العلاقة بين الالتهاب والأيض، وقد تُؤدي نتائج التجارب إلى علاجات جديدة لمشاكل مثل السمنة وغيرها”. ركزت الدراسة على أنواع محددة من الطفيليات، مثل الديدان المفلطحة والديدان الخيطية، التي تُصيب حوالي 1.5 مليار شخص حول العالم. عندما تنتشر هذه الديدان بأعداد كبيرة في جميع أنحاء الجسم، فإنها تُسبب أعراضًا مثل الإسهال وسوء التغذية، مما يُؤثر بشدة على فئات معينة، مثل الأطفال والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات مناعية.

قال بول جياكومين، عالم المناعة في جامعة جيمس كوك الأسترالية، لمجلة “نوويبل”: “بالنسبة لمعظم الناس، تُعتبر بعض عدوى الديدان غير ضارة. أعتقد أن هناك نوعًا من الهدنة بين البشر والديدان طوال التطور البشري”. وأوضح أن الديدان تحمل جزيئات متطورة تُرسل إشارات إلى الجهاز المناعي في الجسم، “أنا لست هنا… لا تقلق عليّ”. قد تُخفف هذه الجزيئات الالتهاب لدى البشر. وقد لاحظ العلماء العلاقة بين الأمراض الأيضية والعدوى بالديدان في سلسلة من الدراسات التي أُجريت في أستراليا والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا. وتبين أن الأشخاص المصابين بأمراض أيضية، مثل داء السكري، أقل عرضة للإصابة بعدوى الديدان الطفيلية، وأن الديدان تُقلل أيضًا من خطر الإصابة بهذه الأمراض. ويؤكد آري مولوفسكي، عالم المناعة في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، أن “هذه الملاحظة بالغة الأهمية”. كما وجد العلماء أن الأدوية المستخدمة للقضاء على الديدان الطفيلية تزيد من خطر الإصابة بالأمراض الأيضية.

الفرضية العلمية التي تفسر هذه العملية هي أن المشاكل الأيضية تُحفز استجابة مناعية حادة في الجسم، حيث يُرسل العضو المصاب إشارة استغاثة إلى الجهاز المناعي. عندما تصل الخلايا المناعية إلى العضو المصاب، تُحفز التهابًا يُسمى TH1. في حين أن هذا الالتهاب يُساعد في مكافحة الفيروسات، إلا أنه يُفاقم المشاكل الأيضية عن طريق تثبيط إفراز الأنسولين وزيادة مقاومة الجسم له. اكتشف العلماء أن الديدان تُساعد في كسر هذه الدورة. تُرسل الجزيئات المُعقدة التي تحملها رسالة “أنا لست هنا”، وتُخفف من آثار التهاب TH1، وتُعيد استجابة الجسم للمشكلة الأيضية إلى طبيعتها. يعتقد الباحثون أن الديدان تُساهم أيضًا في إنقاص الوزن عن طريق تقليل الشهية وتغيير التركيب الميكروبي للجهاز الهضمي – وهي كلها عوامل تُساعد في مكافحة السمنة.

يأمل الباحثون في استخلاص هذه المركبات المفيدة من الديدان لعلاج مشاكل الجهازين الأيضي والمناعي دون الحاجة إلى زرع هذه الطفيليات في المرضى. وقد أسس جياكومين بالفعل شركة تُدعى “مايكروبيوم ثيرابيوتكس”، تهدف إلى تطوير جزيئات مشتقة من الديدان لأغراض علاجية. ويعتقد الباحثون أن هذه العلاجات ستتخذ شكل أدوية، وهو ما سيكون أسهل في تناوله من ابتلاع ديدان حية تتلوى.


شارك