المحللة السياسية كسينيا سفيتلوفا: غزة تدفع ثمن حرب إسرائيل على إيران

منذ 5 ساعات
المحللة السياسية كسينيا سفيتلوفا: غزة تدفع ثمن حرب إسرائيل على إيران

في ظل التدمير المنهجي للبنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، تواجه إسرائيل تحدياً معقداً: إلى أي مدى تستطيع الحفاظ على شرعيتها الدولية ومواصلة أهدافها الأمنية الوجودية من دون الدعم المضمون من الولايات المتحدة؟

بهذا السؤال بدأت كسينيا سفيتلوفا، الباحثة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، تحليلها الذي نشره المعهد على موقعه الإلكتروني.

وقد كشفت النتائج الأولية للهجمات الإسرائيلية عن مفارقة: فقد عززت هذه الهجمات الموقف الاستراتيجي لإسرائيل، ولكنها في الوقت نفسه أثارت الشكوك حول قدرتها على البقاء مستقلة عن الدعم العسكري الأميركي.

وفي ظل هذه الظروف، قد يكون التطور الدبلوماسي الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل هو الرد الأوروبي الداعم لعمليات إسرائيل ضد إيران وحل الخلافات الحادة بين معظم الدول الأوروبية وإسرائيل بشأن الحرب في غزة، التي يعارضها جزء كبير من الجمهور الأوروبي لأسباب إنسانية.

نأت عدة دول أوروبية بنفسها عن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في الأشهر الأخيرة. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وفُرضت عقوبات بريطانية على الوزيرين بيزال سموتريتش وبن غفير. وتدرس بعض دول الاتحاد الأوروبي الانضمام إلى هذه الخطوة.

مع ذلك، تُدرك الجهات الأوروبية الفاعلة أن البرنامج النووي الإيراني يُشكل تهديدًا وجوديًا لأمن القارة. وقد دفع هذا معظم الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، إلى التصريح علنًا بأن الأسلحة النووية الإيرانية تُشكل تهديدًا ليس فقط لإسرائيل، بل لأوروبا أيضًا. كما أعربت هذه الدول عن دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مُؤيدةً ضمنيًا الحرب الإسرائيلية على إيران.

في الوقت نفسه، قالت سفيتلوفا إن حرب غزة قد تلاشت، مما أدى إلى تحول الاهتمام إلى إيران. يُعد هذا نجاحًا دبلوماسيًا لإسرائيل، إذ انفصلت القضية النووية الإيرانية في التفكير الاستراتيجي الأوروبي عن رفض الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة. وهذا يُمهد الطريق لاستعادة شرعية حكومة نتنياهو وقبولها في أوروبا، بينما يتعين على قطاع غزة وسكانه الفلسطينيين أن يدفعوا ثمن الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران.

تضيف سفيتلونا أن رد فعل العالم العربي على الهجوم الإسرائيلي على إيران يُظهر أيضًا الفجوة بين المواقف العلنية لحكوماتهم واعتباراتهم الاستراتيجية. فبينما يدعم القادة العرب رسميًا السيادة الإيرانية ويعارضون العدوان الإسرائيلي، تختلف مواقفهم العملية من الحرب. كما يُبرز دور الأردن المحوري في اعتراض الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية الموجهة إلى إسرائيل التحول الذي أحدثته الحرب في الديناميكيات الإقليمية التقليدية.

في الوقت نفسه، يمكن ملاحظة هذا التحول الإقليمي الشامل في موقف سوريا أيضًا. فبعد أن كانت أهم حليف لإيران في المنطقة في عهد رئيسها السابق بشار الأسد، أصبحت سوريا الآن هدفًا مفتوحًا للطائرات الإسرائيلية لمهاجمة إيران، مما يعطل إمدادات الأسلحة الإيرانية لحليفها اللبناني حزب الله.

وفقًا لسفيتلوفا، ثمة جانب آخر لهذه القصة: دول الخليج العربي لا تثق بحكومة نتنياهو، التي خفّفت تعاونها معها مقارنةً بهجمات الطائرات المسيّرة الإيرانية قبل عام (عملية الوعد الصادق 2). تخشى هذه الدول تقليديًا وجود قوة إقليمية مهيمنة واحدة، سواءً كانت إيران أو إسرائيل. لذلك، ورغم علاقاتها الجيدة عمومًا مع إسرائيل، تخشى دول الخليج أن تتولى تل أبيب الهيمنة الإقليمية في حال هزيمة إيران.

أما المأساة الإنسانية في قطاع غزة، والتي ربما ظن نتنياهو أنه تجاوزها بحربه على إيران، فستعود قريبًا إلى الواجهة. فالحرب في غزة مستمرة، والمعاناة الإنسانية لا تزال هائلة، وحماس لا تزال تحتجز الإسرائيليين، ومهما كانت نتائج حرب إيران، فإن الضغط الدولي لإيجاد حل في قطاع غزة سيعود.

ورغم أن هذه الهجمات على إيران تبدو وكأنها عززت بشكل كبير موقف نتنياهو السياسي الداخلي، نظراً للدعم الشعبي القوي للبلاد وتراجع كل القضايا الخلافية ــ من احتجاجات عائلات السجناء إلى قانون التجنيد المثير للجدل ــ فإن الأسئلة تظل بلا إجابة، وما زالت الآثار الاستراتيجية للحرب بين إيران وإسرائيل غير مفهومة بالكامل.

والسؤال الرئيسي هنا هو ما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية دون تدخل أميركي أكبر في الحرب.

يعتمد نجاح الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية إما على إجبار إيران على الاستسلام من خلال التدمير المنهجي لقدراتها العسكرية والنووية، أو على تهيئة الظروف لحل دبلوماسي يمنع إيران من مواصلة برنامجها النووي. ومع ذلك، يبدو أن العمليات العسكرية الإسرائيلية وحدها لا تكفي لأيٍّ من الهدفين.

تعتمد استدامة الدعم الدبلوماسي الحالي لإسرائيل أيضًا على مدة الحرب وفعاليتها. وقد يتضاءل التعاون الأوروبي إذا ثبت أن العمليات الإسرائيلية غير كافية لتحقيق أهدافها المعلنة، مما سيطيل أمد عدم الاستقرار الإقليمي.

مع ذلك، يبدو أن نتنياهو، الذي يُطلق عليه الأصدقاء والأعداء على حد سواء لقب “الساحر”، قد نجح حتى الآن في توجيه الضغط الداخلي والخارجي على إيران وبرنامجها النووي، بدلاً من التركيز على غزة والوضع الإنساني هناك ومشاكل إسرائيل الداخلية. هذا يعني أن الهجمات الإسرائيلية على إيران تُمثل انتصارًا سياسيًا مهمًا لرئيس الوزراء، على الأقل على المدى القريب.


شارك