خبيرتان: اعتراض السفينة مادلين انتهاك جسيم يرقى لجريمة حرب

*الدكتورة هايدي ماثيوز، خبيرة القانون الدولي بجامعة يورك: إسرائيل ليس لديها أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي لاحتجاز هذه السفينة. بررت إسرائيل اعتراض السفينة بزعم أنها جزء من الحصار البحري المفروض على قطاع غزة. إلا أن هذا الحصار غير قانوني تمامًا. * المحاضرة الزائرة بجامعة أكسفورد الدكتورة جنان بستكي: المحكمة الجنائية الدولية تعتبر تجويع المدنيين جريمة حرب، وهذا ينطبق أيضاً على الحصار البحري الإسرائيلي. إن اعتراض سفينة صغيرة تحمل مساعدات إنسانية أساسية واحتجاز الأشخاص على متنها هو دليل واضح على نية إسرائيل ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وتجاهلها للقانون الدولي.
أعلن خبيران في القانون الدولي أن إسرائيل ارتكبت انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، يرقى إلى “جريمة حرب”، بمنعها سفينة “مادلين”، التي أبحرت من إيطاليا وعلى متنها عدد كبير من النشطاء. وكانت السفينة تأمل في الوصول إلى ساحل غزة لكسر الحصار المفروض على القطاع الفلسطيني وإيصال المساعدات الإنسانية. جاء ذلك بحسب تصريحات أدلى بها لوكالة الأناضول الدكتورة هايدي ماثيوز، الخبيرة في القانون الدولي بكلية أوسغود هول بجامعة يورك، والدكتورة جنان بستكي، المحاضرة الزائرة بجامعة أكسفورد. وأكد الخبيران أن تدخل إسرائيل في البحر لاعتراض السفينة ينتهك العديد من المبادئ الأساسية للقانون الدولي ويكشف عن ممارسة إسرائيل المتكررة في منع المساعدات الإنسانية وانتهاك القوانين دون عقاب. احتجزت البحرية الإسرائيلية، فجر اليوم الاثنين، سفينة “مادلين” واعتقلت اثني عشر ناشطاً في المياه الإقليمية الدولية. وأصدرت إسرائيل قرارا بترحيل خمسة ناشطين وقعوا على تعهد بعدم العودة إلى إسرائيل، فيما رفض الآخرون التوقيع.
– حصار غير قانوني
وأوضح ماثيوز أن إسرائيل بررت اعتراض السفينة بقولها إنها كانت جزءا من “حصارها البحري لقطاع غزة”، وهو الحصار الذي وصفه ماثيوز بأنه “غير قانوني تماما”.وأضافت: “تزعم إسرائيل أن لها الحق في اعتراض السفن في المياه الدولية كجزء من حصارها البحري لقطاع غزة. لو كان هذا الحصار قانونيًا، لكانت إسرائيل، نظريًا، تملك الحق في التدخل”.وأشارت إلى أن تدخل إسرائيل في مثل هذه الحالات يعتمد على “ظروف محددة”. وتشمل هذه الظروف ما إذا كانت السفينة “تشكل تهديدًا حقيقيًا أو تحمل أسلحة تساهم بشكل مباشر في العمليات العسكرية، وهو أمر غير وارد إطلاقًا في هذه الحالة”.وأشار ماثيوز إلى أن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة يهدف بوضوح إلى “تجويع السكان المدنيين في قطاع غزة، وهو ما يشكل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي وجريمة حرب”.وفي حديثه لوكالة الأناضول، أشار الخبير إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تعتقد أن هناك “أسبابا كافية للاعتقاد بأن إسرائيل تستخدم الجوع كسلاح حرب”.وأكدت أن “إسرائيل ليس لديها أي أساس قانوني بموجب القانون الدولي لاحتجاز هذه السفينة”، مشيرة إلى أن السفينة “مادلين” مسجلة في المملكة المتحدة، ما يعني أن “المملكة المتحدة، بصفتها دولة العلم للسفينة، يجب أن تتحرك للدفاع عن حقوقها البحرية”.وتابعت: “إن تصرفات إسرائيل لا تقتصر على تجريم المساعدات الإنسانية، بل تصل إلى حد استهداف الناشطين والعاملين في المجال الإنساني، وهو ما يتناقض تماما مع مبادئ القانون الإنساني الدولي”.منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية على غزة، تتضمن القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لإنهاء هذه الحرب.خلّفت الإبادة الجماعية، التي ارتكبتها تل أبيب بدعم أمريكي، أكثر من 182 ألف قتيل وجريح في فلسطين، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 11 ألف مفقود. إضافةً إلى ذلك، شُرّد مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين، بمن فيهم الأطفال.تحاصر إسرائيل قطاع غزة منذ 18 عاماً، مما أدى إلى تشريد نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون فلسطيني تقريباً بعد تدمير منازلهم في حرب الإبادة.لقد احتلت إسرائيل أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان لعقود من الزمن، وترفض الانسحاب من هذه الأراضي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على طول حدود ما قبل عام 1967.
الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة
من جانبها، أكدت جنان بستكي أن اعتراض السفينة مادلين يشكل “انتهاكا واضحا” للعديد من الاتفاقيات الدولية. صرحت لوكالة أنباء الأناضول: “تضمن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار حرية الملاحة وتحظر احتجاز السفن المدنية والسلمية في المياه الدولية”. وأشارت إلى أن “اتفاقية جنيف الرابعة تشترط أيضًا مرور المساعدات الإنسانية دون عوائق، ويحظر القانون الإنساني الدولي أي تدخل في هذه العمليات”. وأضافت أن المحكمة الجنائية الدولية تعتبر “تجويع” المدنيين جريمة حرب، “وهو ما ينطبق أيضا على الحصار البحري الإسرائيلي”.
– النية الحالية للتدمير
واعتبر بستكي أن اعتراض سفينة صغيرة تحمل إمدادات إنسانية أساسية مثل حفاضات الأطفال واحتجاز الأشخاص على متنها “دليل واضح على نية إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية وتجاهل إسرائيل الصارخ للقانون الدولي”. وتابعت: “لقد شهدنا تكرارًا لنفس السلوك خلال الحصار لأكثر من 17 عامًا. لقد اعترضت إسرائيل سفنًا حاولت كسر هذا الحصار من قبل، لكن العالم لم يُبدِ أي رد فعل حقيقي، مما يعزز جرأة إسرائيل”. وأشار الخبير إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو/تموز 2024، والذي أكد على “عدم شرعية الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة”. وأكدت أن القرار المذكور “يلزم الدول باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان”، لكنها أشارت إلى أن “معظم الحكومات لا تأخذ هذا الالتزام على محمل الجد”.
– الاضطهاد القانوني لإسرائيل
وكانت مؤسسة هند رجب ومقرها بروكسل أعلنت في وقت سابق أنها تقدمت بشكوى رسمية إلى وحدة جرائم الحرب في الشرطة البريطانية ضد الضباط الإسرائيليين المسؤولين عن الهجوم على السفينة البريطانية “مادلين”. وفي بيان لها، قالت المؤسسة إن الشكوى تناولت أيضا قائد البحرية الإسرائيلية الأدميرال ديفيد سار سلامة، والوحدة الخاصة “شايطت 13″. واتهمت المنظمة الضباط بـ”اعتراض السفينة في المياه الدولية، واستخدام الأسلحة الكيميائية، واعتقال اثني عشر مدنياً أعزل، وحرمانهم من الحقوق القانونية والوصول إلى القنصلية، ومصادرة المساعدات الإنسانية والممتلكات الشخصية، وتعريضهم لمعاملة مهينة وغير إنسانية”. وقارن البيان أيضًا اعتراض السفينة مادلين بالهجوم الإسرائيلي على سفينة مافي مرمرة في عام 2010. وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد وصف الهجوم بأنه “غير قانوني” في تقرير صدر في ذلك الوقت. وطالبت المؤسسة السلطات البريطانية بفتح تحقيقات جنائية ضد مسؤولين إسرائيليين، والاستماع لشهادات ركاب السفينة مادلين، وإحالة القضية إلى القضاء لاعتقال المتورطين. شنّت إسرائيل هجومًا قرصنةً على سفينة “مادلين” أثناء وجودها في المياه الدولية، وحاصرتها بالقوارب. وظهر جنودٌ في بثٍّ مباشرٍ وحثّوا المتظاهرين على رفع أيديهم. وجاء هجوم القراصنة بعد تحذيرات إسرائيلية من أن مغادرة السفينة “محاولة غير قانونية” لكسر الحصار البحري المفروض على غزة، بحسب بيان لوزارة الخارجية الإسرائيلية.