جراح مغربي عاد من غزة باكيا: إصابات الفلسطينيين لا تخطر على بال

منذ 3 شهور
جراح مغربي عاد من غزة باكيا: إصابات الفلسطينيين لا تخطر على بال

في كثير من الحالات، اضطرت المجازر إلى بتر الأطراف، مما تطلب رعاية طبية مكثفة. إضافةً إلى ذلك، عانى الضحايا من إصابات في رؤوسهم وأيديهم وأرجلهم. هناك نقص حاد في الموارد الطبية والمعدات والكوادر في غزة، والذين هم موجودون مرهقون تماما بعد العمل ليل نهار. إن الذهاب إلى غزة واجب ديني وإنساني، وأتمنى العودة إلى قطاع غزة في أقرب وقت ممكن.

لم يتمكن جراح العظام المغربي خالد رشدي، أكثر من مرة، من حبس دموعه وهو يصف ما تعرض له على مدار شهر في قطاع غزة.

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية على غزة، تتضمن القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة كل النداءات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لإنهاء هذه الحرب.

خلّفت الإبادة الجماعية المدعومة من الولايات المتحدة 54,510 قتلى و124,901 جريحًا، معظمهم من الأطفال والنساء. واختفى أكثر من 11,000 شخص، ونزح مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة الكثيرين، بمن فيهم الأطفال.

وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، قال رشدي العائد من غزة، إن فكرة العودة إلى قطاع غزة راودته منذ اندلاع الإبادة الإسرائيلية، “خاصة أنني نشأت في عائلة مهتمة باحتياجات البلاد”.

وأضاف أنه بدأ يبحث عن طريقة للوصول إلى غزة، خاصة أنه “واجب ديني وإنساني”. وأضاف: “الحمد لله، أصبحت الأمور أسهل، وتمكنت من الوصول”.

ولا يخفي قلقه الأولي، لكن تجربته السابقة خلال زيارة إلى غزة في عام 2008 بددت هذا الخوف، خاصة أنه “سيُحاسب على هذا (القرار) يوم القيامة”.

وأضاف أن عائلته “تقبلت الأمر رغم المخاطر التي ينطوي عليها بعد أن اقتنعت بالدوافع والأسباب. ويبقى القرار شخصيًا، وسأتحمل مسؤوليته”.

وبعد وصوله إلى غزة ضمن وفد بمساعدة صندوق إغاثة أطفال فلسطين (منظمة غير حكومية أميركية)، وصف التجربة بأنها “شعور لا يوصف”.

قبل أن يقضي رشدي هذا الشهر في غزة، سافر إلى الأردن قبيل رمضان لدخول قطاع غزة. إلا أن المنظمة الراعية للرحلة ألغت الرحلة بسبب تزايد القصف الإسرائيلي، مما اضطره للعودة إلى المغرب.

لقد حاصرت إسرائيل غزة لمدة 18 عامًا، مما أدى إلى تشريد نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون فلسطيني تقريبًا بعد تدمير منازلهم في حرب الإبادة.

**العمل تحت النار

وعن فترة عمله في غزة التي استمرت شهراً، قال رشدي إنه كان يتنقل بين مستشفى ناصر في خانيونس جنوب قطاع غزة، ومستشفى الشفاء في مدينة غزة.

وتابع: “وصلت إلى غزة بتاريخ 8 أبريل وعملت في مستشفى ناصر، ثم أرسلونا إلى مستشفى المعمدان”.

وأضاف: “إلا أن مرافق الوفد أبلغنا بتأجيل الزيارة بسبب استهداف المستشفى قبل وصولنا. توجهنا بعدها إلى مستشفى الشفاء، وأقمنا فيه عدة أيام، ثم عدنا إلى ناصر”.

وأوضح رشدي أن الوفد الطبي يعمل في إطار الجمعية الأميركية، مضيفا أن “كل شيء في غزة مستهدف بما في ذلك المستشفيات”.

منذ بداية الإبادة الجماعية، تعمدت إسرائيل تدمير معظم المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزة، وفقًا لمكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة. واستهدفت الكوادر الطبية، ومنعت دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إلى القطاع.

وتابع: “كل من يتحرك في غزة في خطر، وكنا نتوقع أي شيء في أي وقت. خلال هذه الفترة، كل السيناريوهات واردة، ونحن مستعدون لها”.

وأضاف الطبيب المغربي: “إن القصف الإسرائيلي مستمر بلا هوادة، ونسمعه عن قرب في كافة أنحاء قطاع غزة”.

وتابع: “كل ساعة أو ساعتين نسمع انفجارات، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار لا تغادر سماء غزة، ونسمع أصواتها المزعجة. ولذلك يُطلق عليها الفلسطينيون اسم “الطائرات بدون طيار”.

ووصف رشدي وضع المستشفيات في غزة بأنه “صعب”، مضيفا أن حالة مستشفى الشفاء “كارثية تماما بسبب الدمار الذي لحق بها بعد الهجوم”.

وأضاف: “رغم أن الفلسطينيين قاموا بإصلاح جزء من مستشفى ناصر وتوفير غرفتي عمليات إلا أن ذلك لا يكفي”.

بالإضافة إلى النقص الحاد في الأيدي العاملة، عملنا بما كان متاحًا لنا رغم عبء العمل الهائل الناجم عن ارتفاع معدلات الإصابة. ومع ذلك، لا تزال الظروف في هذا القطاع مأساوية، كما أوضح رشدي.

** فرقة متعبة

وأكد الطبيب المغربي النقص الشديد في الكوادر الطبية في غزة والإرهاق الشديد الذي يعاني منه الطاقم المتواجد من أطباء وممرضين وإداريين وغيرهم من العاملين في المجال الصحي بعد العمل ليلا ونهارا.

وتابع: “الكوادر تعمل وأفكارهم مع أهاليهم في الخيام، وأسئلة كثيرة تدور في أذهانهم: هل تعرضوا للقصف أم لا؟ هل حصلوا على الطعام والماء؟”

وعن المصابين، قال رشدي: “الحالات صعبة للغاية… في قطاع غزة، هناك كل أنواع الأشياء الرهيبة، والإصابات التي رأيناها بين الفلسطينيين لا يمكن تصورها”.

وأضاف وهو يبكي: “في كثير من الحالات، اضطرت الإبادة الجماعية إلى بتر الأطراف، مما تطلب علاجًا طبيًا مكثفًا. وفي بعض الحالات، أصيبوا أيضًا بجروح في الرأس واليدين والساقين”.

وتوقف رشدي لحظة لجمع أفكاره، ثم وصف الوضع بأنه “صعب للغاية”.

وعن الفريق المرافق له، قال إن الوفد يتكون من أردني، وسوري، وعراقي، وإيرلندي، وأسترالي. ولم تكن لهم أي صلة بالعرب أو المسلمين، وقد قدموا لأسباب إنسانية بحتة. وقد غادروا عمّان بالحافلة متجهين إلى فلسطين المحتلة.

وفي مستشفى ناصر في غزة، التقى رشدي طبيباً مغربياً آخر قال إنه درس الطب معه في فرنسا قبل عقدين من الزمن، لكنهما لم يلتقيا منذ ذلك الحين.

خلال فترة الإبادة الجماعية، زار غزة العديد من الأطباء المغاربة، ومنهم رئيس قسم جراحة الأطفال في مستشفى الحسن الثاني (الدولة)، يوسف أبو عبد الله، وجراح الفم والوجه والفكين أحمد زروال، والدكتور زهير لهنا، والدكتور أيوب أمغار.

وأضاف رشدي أن جميع الأطباء في غزة يعملون بجد، كلٌّ حسب تخصصه. كان العمل مثمرًا وجادًا، ويبذلون ما في وسعهم. ووصف الأمر بأنه “أمر بسيط وغير ذي أهمية مقارنة بمتطلبات فلسطين”.

وأكد على الحاجة الكبيرة للمعدات الطبية والإمدادات والمساعدة المالية، ناهيك عن الدعم المعنوي، لأن “أدوات العمل غير متوفرة… إنها مهمة شاقة للغاية من الناحية العقلية والجسدية وليست سهلة”.

**الدعم المعنوي

وأكد الطبيب المغربي راشدي أن الدعم المعنوي له أثر كبير على الفلسطينيين.

وقال: “رغم أنهم كانوا سعداء عندما أتينا لمساعدتهم طبياً، إلا أن فرحتهم المعنوية كانت أكبر، وهم يشعرون أن هناك من يدعمهم معنوياً”.

وعن مشاعره بعد مغادرة قطاع غزة، قال: “شعرتُ برغبة ملحة في العودة إلى قطاع غزة. غادرتُ في وقتٍ رأيتُ فيه الحاجة إلى الكوادر الطبية والمساعدة الطبية. أريد العودة في أقرب وقت ممكن”.

وتابع الجراح المغربي: “أسأل الله العلي القدير أن يعينهم على إنهاء المجازر والإبادة التي يتعرضون لها”.

وأشاد رشدي بصمود الفلسطينيين و”مقاومتهم” رغم جرائم الإبادة الجماعية، قائلاً: “اكتشفت إيمان الفلسطينيين العميق بعدالة القضية وأن النصر قادم والحمد لله”.

واختتم حديثه قائلاً: “على الرغم من المآسي والخسائر وفقدان أفراد العائلة، فإن الفلسطينيين يؤمنون بأن هذه هي إرادة الله، وهم راضون مهما حدث. وهذا إيمان راسخ للغاية”.


شارك