خبراء يكشفون أسرار موجة الطقس العنيفة في الإسكندرية ويحذرون من مخاطر التغير المناخي المتصاعدة

ضربت عاصفة شديدة، صباح اليوم، مدينة الإسكندرية، حيث هطلت أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية ورياح قوية وصلت سرعتها إلى نحو 50 كيلومترا في الساعة. وتسببت العاصفة في إثارة الاضطرابات بين السكان، لا سيما بسبب انخفاض درجات الحرارة والعواصف الغبارية في عدة مناطق.
وقد دفع هذا المنظر كثيرين إلى التساؤل: هل هذه الظواهر غير العادية هي نتيجة مباشرة لتغير المناخ؟ هل المدن الساحلية معرضة حقا لمخاطر بيئية متزايدة؟ وفي السطور التالية يجيب خبراء الأرصاد الجوية والمناخ على هذه الأسئلة.
منار غانم: ما شهدته الإسكندرية مرتبط بظواهر جوية قاسية.
وأوضح الدكتور. قالت منار غانم، عضو المركز الإعلامي للهيئة العامة للأرصاد الجوية، إن الأمطار الرعدية والرياح القوية التي شهدتها محافظة الإسكندرية مؤخرًا، كانت حالة جوية غير عادية في هذا الوقت من العام. وأشارت إلى أن ذلك يأتي في إطار الظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ.
وأوضحت أن هذا الوضع كان متوقعا وتم توجيه كافة التحذيرات والإخطارات للقطاعات المعنية سواء بالإسكندرية أو بالمحافظات الأخرى. كما تم إنشاء غرف طوارئ بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، والتنسيق مع مراكز إدارة الأزمات والكوارث بمجلس الوزراء والمحافظات وشركات مياه الشرب والصرف الصحي.
وأضافت أن العواصف الرعدية في بعض المناطق عادة ما تكون مصحوبة بأمطار غزيرة ورياح قوية تزيد من شدتها على مستوى الأرض. ومع ذلك، فإن مثل هذه الظروف الجوية غير عادية في هذا الوقت من العام، لأنها عادة ما ترتبط بموسم الشتاء. لكن بسبب تغير المناخ، فإننا نشهد ظواهر جوية متطرفة في أوقات غير عادية، كما حدث أمس في الإسكندرية وعلى الساحل الغربي للبلاد.
هل يتأثر موسم الصيف؟
وأكدت منار غانم أن تغير المناخ أدى إلى زيادة شدة وتواتر الظواهر الجوية القاسية وأن هذه الظواهر لا تحدث بشكل مستمر بل على فترات مختلفة على مدى عدة سنوات. ومع ذلك، فإن الإعداد الجيد لمثل هذه المواقف يمنعها من أن يكون لها تأثير كبير على السكان. ولا تؤثر هذه الظواهر على فصل الصيف الذي يتميز باستقرار المناخ.
د. مجدي علام: لا أحد يستطيع التحكم في المناخ.
وفي سياق مماثل، قال الدكتور مجدي علام، الأمين العام لجمعية خبراء البيئة العرب ومستشار البرنامج الدولي للمناخ، لـ«الشروق»، إن الظواهر التي نلاحظها اليوم ليست سوى جزء من مشهد أكبر وأكثر تعقيداً يتعلق بتغير المناخ العالمي. وأوضح أن المناخ أصبح أكثر عنفاً ولا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن لأي دولة أو مدينة السيطرة عليه بشكل كامل. إنها قوة كونية معقدة تتفاعل فيها الرياح والمطر والتيارات الجوية والمحيطية والحرارة والثلوج.
وقال علام إن الرياح القوية تحمل الرمال من مكان إلى آخر، مما قد يؤدي إلى دفن النباتات وتهديد الأمن الغذائي. كما يمكن أن تتسبب التيارات الهوائية والمحيطية التي تحملها الأمطار في حدوث فيضانات مفاجئة، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تساقط كميات كبيرة من البرد أو الثلوج، مما يشكل تهديدًا للبنية التحتية والحياة اليومية.
وأكد أن ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار بسبب ارتفاع درجات الحرارة. إن ذوبان أربعة سنتيمترات من الجليد من شأنه أن يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 40 سنتيمترا، وهو ما قد يؤدي إلى إغراق الشواطئ وتدمير الأراضي الزراعية. وأكد أن المناخ لا يقهر وهو أداة من أدوات الله تعالى الذي يسيطر علينا جميعا، وعلينا مواجهته بالوعي والاستعداد الدائم.
الدراسات العلمية وتأثير التغيرات المناخية على مصر
من جانبه، أكد الدكتور صابر عثمان رئيس مجلس أمناء مؤسسة الأرض للمناخ للتنمية المستدامة، أن الدراسات العلمية حول تغير المناخ التي أجراها خبراء دوليون مثل الدكتور محمد الراعي عميد معهد بحوث الدراسات البيئية بجامعة الإسكندرية السابق، تتمتع بمصداقية عالمية وفقاً لتقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وتشير هذه الدراسات إلى أن أجزاء من الدلتا المصرية قد تغمرها المياه بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة في أسوأ السيناريوهات حيث ترتفع درجة الحرارة العالمية المتوسطة بمقدار 3.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. وقد يؤثر هذا على نحو 12% من مساحة الدلتا، على غرار دلتا بنغلاديش وفيتنام. ولكن هذه المخاطر ليست فورية، بل تتعلق بفترة أطول أجلا حتى نهاية القرن الحالي. ولذلك فإن مصر لديها الفرصة لاتخاذ التدابير الوقائية والتكيف مع هذه التغيرات قبل وقوع أضرار جسيمة.
ولا تقتصر المشكلة على التهديدات المستقبلية فحسب، بل تشمل أيضا تأثيرات حالية ملموسة، مثل زيادة ملوحة الأراضي الزراعية وتآكل السواحل. وهذا يتطلب جهوداً كبيرة لحماية الشواطئ من خلال بناء الحواجز والجدران الخرسانية، وهو ما يستلزم تكاليف مالية هائلة.
الجهود الوطنية والتحديات التقنية في مصر
وأضاف أن مصر انخرطت بشكل مكثف في دراسات المناخ منذ تسعينيات القرن الماضي، وأصدرت أيضًا العديد من الاستراتيجيات والتقارير بشأن التكيف مع المناخ، وأبرزها استراتيجية المناخ 2050. كما تم إنشاء مجلس وطني برئاسة رئيس مجلس الوزراء وإدارات البيئة في الوزارات والمحافظات بهدف رفع الوعي وبناء القدرات. بالإضافة إلى ذلك، تم إدراج مفاهيم تغير المناخ في المناهج الدراسية وتم إنشاء أقسام للقضايا البيئية في الجامعات. وأوضح أنه تخرج من إحدى أوائل كليات البيئة بالجامعات المصرية عام 2001.
وشدد على ضرورة تطوير أنظمة الإنذار المبكر، خاصة في المناطق المعرضة للفيضانات مثل سيناء وسلاسل جبال البحر الأحمر، ودمجها في المناهج الدراسية والتدريب العملي. وأكد أيضاً أن على هيئة الأرصاد الجوية إجراء تحديث شامل وزيادة عدد محطات الرصد لضمان دقة التحذيرات وسرعة إصدارها.
تغير المناخ بين المسؤولية الدولية والتحديات التمويلية للدول النامية
وأكد سابر أيضا أن الدول الصناعية تتحمل المسؤولية الأكبر عن الانبعاثات الصناعية التي تساهم في تغير المناخ، لكنها لا تتحمل التكاليف اللازمة لمكافحة تغير المناخ. ويزيد هذا من الأعباء على البلدان النامية، بما في ذلك مصر، التي تواجه مشاكل تمويلية كبيرة في تأمين الموارد اللازمة للتكيف مع هذه التغيرات. وفي هذا السياق، أكد على ضرورة التعاون الدولي الجاد من خلال تقديم المنح المالية غير المشروطة بدلا من القروض. وأكد أن تغير المناخ مشكلة عالمية تتطلب تضافر الجهود للتخفيف من مخاطرها وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، خاصة في ظل انسحاب بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، من اتفاقيات المناخ، مما يعيق جهود الحد من ارتفاع درجات الحرارة.