المحللة السياسية جوليا كورنيور: ترامب يشعل سباق تسلح عالمي جديد بالقبة الذهبية

منذ 2 أيام
المحللة السياسية جوليا كورنيور: ترامب يشعل سباق تسلح عالمي جديد بالقبة الذهبية

ويبدو أن العالم على وشك سباق تسلح جديد بعد أن كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام قليلة عن خطة لبناء نظام دفاع صاروخي جديد بقيمة 175 مليار دولار. تم تصميم النظام، الذي أطلق عليه اسم “القبة الذهبية”، لحماية الولايات المتحدة من الصواريخ الأسرع من الصوت والأسلحة الفضائية.

في تحليل نُشر على موقع المعهد على الإنترنت، تشرح جوليا كورنيش، الباحثة في برنامج الأمن الدولي في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، أن القبة الذهبية، بعيدًا عن المساهمة في تعزيز الأمن القومي الأميركي، تخاطر بتفاقم عدم الاستقرار العالمي وتصعيد المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى.

يعتمد هدف القبة الحديدية على بنية دفاعية متعددة الطبقات تتكون من مئات أو حتى آلاف الأقمار الصناعية في الفضاء المجهزة بأنظمة استشعار متقدمة وصواريخ اعتراضية، بما في ذلك الليزر الفضائي، لاكتشاف وتتبع وتحييد الصواريخ القادمة والتهديدات الأخرى في مراحل مختلفة من رحلتها.

ورغم أنه يمكن للمرء أن يزعم أن مفهوم القبة الذهبية مستوحى من القبة الحديدية الإسرائيلية، فإن هذا النهج مضلل. إن إسرائيل أصغر بكثير من الولايات المتحدة، وقد صُممت القبة الحديدية الخاصة بها لحماية البلاد من تهديد الصواريخ قصيرة المدى غير الموجهة، والتي تكون محدودة في العدد والسرعة والاتجاه. في المقابل، تهدف خطة ترامب إلى حماية الوطن الأميركي بأكمله من التهديدات الأحدث والأكثر عددا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والصواريخ الأسرع من الصوت، ومركبات الإطلاق المدارية. ومن ثم فإن الحجم ومستوى التعقيد والتطور التقني المطلوب لتنفيذ القبة الذهبية هو أمر مختلف تماما.

ورغم أن ترامب يقدر تكلفة مبادرة الدفاع بنحو 175 مليار دولار وتنفيذها في ثلاث سنوات فقط، فإن مكتب الميزانية في الكونجرس يحذر من أن تكلفة المكون الفضائي وحده ستصل إلى 542 مليار دولار لنشر وتشغيل هذه المكونات على مدى فترة 20 عاما. وعلاوة على ذلك، تظل هناك أسئلة أساسية دون إجابة، مثل: ما الشكل الذي سيتخذه هذا النظام؟ من سيتولى إدارة المنشأة؟ هل سيعمل كما هو مقصود؟

إن توفير الاستثمار المطلوب لتطوير مثل هذا النظام المتطور سوف يتطلب التضحية بالعديد من الأشياء، وقد يأتي على حساب أولويات دفاعية أخرى.

علاوة على ذلك، لا تمتلك الولايات المتحدة حاليا كل التقنيات اللازمة لاعتراض الصواريخ الأسرع من الصوت أو الصواريخ الباليستية في الفضاء. وسوف يتطلب هذا صواريخ اعتراضية أو أنظمة ليزر قادرة على العمل على مسافات طويلة بدقة شبه فورية. إن السعي وراء القبة الذهبية يحمل في طياته مخاطر إعطاء الأولوية لنظام باهظ الثمن وغير مثبت على حساب قدرات أكثر إلحاحاً وإمكانية للتطبيق، مثل تحسين الدفاع الصاروخي الإقليمي وزيادة المرونة السيبرانية لمواجهة التهديدات الناشئة مثل الطائرات بدون طيار.

وقد تكون لخطة القبة الذهبية عواقب استراتيجية خطيرة أيضاً. وسوف ينظر أعداء أميركا إلى أي نظام يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من الهجمات الصاروخية باعتباره محاولة لتقويض منطق الردع النووي. وإذا توصلت هذه البلدان إلى استنتاج مفاده أن واشنطن تعمل على تطوير درع يمكنه في يوم من الأيام تحييد أي هجوم نووي انتقامي، فإن سباق تسلح عالمي خطير سوف يندلع.

وكانت بكين وموسكو قد انتقدتا في السابق مشروع القبة الذهبية، ووصفتاه بأنه “مزعزع للاستقرار إلى حد كبير”. ويمكنهم الرد بمجموعة من التدابير المضادة، بما في ذلك توسيع ترساناتهم الهجومية أو تطوير أنظمة توصيل جديدة. وقد يؤدي هذا السباق إلى التسلح أيضًا إلى نشر أسلحة فضائية، في وقت لا توجد فيه حتى الآن قواعد عالمية تحكم استخدام الفضاء. وبالتالي، فإن القبة الذهبية قد تؤدي إلى تقويض الأمن العالمي وجعل العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، مكانا أكثر خطورة.

ونظراً لهذه المخاطر، يتعين على الولايات المتحدة أن تستخدم خطة القبة الذهبية كوسيلة للضغط لبدء عملية دبلوماسية جديدة للسيطرة على الأسلحة بدلاً من السماح لها بإشعال فتيل جولة جديدة من سباق التسلح. وينبغي لواشنطن أيضاً أن تستخدم هذا المشروع لاستئناف الحوار مع القوى الكبرى الأخرى، بما في ذلك روسيا والصين، بشأن ضبط النفس المتبادل، والشفافية، والسيطرة على تكنولوجيات الصواريخ والفضاء الجديدة.

وتعتقد جوليا كورنيور أن هذا الأمر أصبح ملحاً بشكل خاص نظراً لتدهور أطر ضبط الأسلحة الحالية. قام الرئيس فلاديمير بوتن بتعليق آخر اتفاقية رئيسية للحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي معاهدة ستارت الجديدة، في عام 2023. ومن المقرر أن تنتهي في عام 2026 دون استبدالها. ورغم ترسانة الصين المتنامية، فقد تم تعليق محادثات ضبط الأسلحة بين واشنطن وبكين في يوليو/تموز بسبب مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان.

إن الحاجة إلى إحياء الحوار الاستراتيجي بين القوى الكبرى أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى نظراً لتزايد خطر سوء التقدير والتصعيد غير المقصود. إن التطورات السريعة في تكنولوجيا الصواريخ وأنظمة الفضاء والذكاء الاصطناعي تتجاوز القواعد والأعراف المصممة لمعالجتها، كما تتزايد التوترات الجيوسياسية.

ويشكل أمن الفضاء أحد أكثر السبل الواعدة والضرورية للقوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا، لإجراء حوار بناء. ومع اعتماد القوى النووية بشكل متزايد على الأنظمة الفضائية للأغراض العسكرية والمدنية، يتزايد خطر سوء التقدير أو التصعيد غير المقصود في الفضاء.

ولذلك، فإن حتى التدابير المتواضعة مثل الاتفاق على تبادل الإخطارات بشأن إطلاق الأقمار الصناعية أو مناقشة إمكانية الاستخدام المزدوج يمكن أن تساعد في بناء الثقة وتقليل احتمالات الصراع في المدار. ومن خلال التركيز على الفضاء، حيث تتداخل المصالح وتصبح نقاط الضعف المتبادلة واضحة، تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد في استعادة الأسس لحوار استراتيجي أوسع في المستقبل.

تحذر جوليا كورنيو من تكرار أخطاء الماضي. لقد استهلكت مبادرة الدفاع الاستراتيجي، المعروفة باسم “حرب النجوم”، والتي أطلقها الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان في ثمانينيات القرن العشرين، موارد هائلة، وأدت إلى تفاقم التوترات الدولية، وأشعلت شرارة سباق تسلح، والذي بدلاً من جعل العالم أكثر أمناً، أدى إلى انقسامه بشكل أكبر. وفي الوقت نفسه، فشل في توفير نظام دفاع فعال.

وفي وقت ينهار فيه إطار ضبط الأسلحة وتتصاعد التوترات العالمية، ينبغي النظر إلى الإعلان عن مشروع القبة الذهبية باعتباره فرصة استراتيجية لبدء مناقشات جديدة حول أمن الفضاء، وليس كنقطة انطلاق لجولة جديدة من سباق التسلح الذي من شأنه أن يجعل العالم أكثر تنافسية وعسكرة وانعدام الأمن.


شارك