صحيفة أمريكية: نموذج مقترح لآلية جديدة لتوزيع مساعدات غزة يثير تساؤلات أخلاقية

نشرت صحيفة أميركية تقريرا جديدا عن مراجعة توزيع المساعدات إلى غزة، مثيرا عددا من التساؤلات حول أخلاقيات النظام المقترح.
مؤسسة غزة الإنسانية
وتظهر وثائق حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست أن مجموعة من المسؤولين السابقين في الاستخبارات والدفاع ومديري الشركات في الولايات المتحدة، بالتشاور الوثيق مع إسرائيل، قدموا اقتراحا لتقديم مساعدات إنسانية إلى غزة ردا على مزاعم الحكومة الإسرائيلية بأن حماس تعمل على تحويل المساعدات.
وفي وثائق داخلية لم تنشر من قبل، قدمت المجموعة نموذجًا جديدًا وطموحًا بشكل جذري. وتضمنت الخطة إنشاء منظمة تدعى مؤسسة غزة الإنسانية، والتي من شأنها توظيف متعاقدين مسلحين من القطاع الخاص. وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية “سما”، فإن الاتفاق يتضمن توفير الخدمات اللوجستية والأمنية لعدد صغير من مراكز توزيع المساعدات التي سيتم إنشاؤها جنوب قطاع غزة.
وبموجب هذا الترتيب، الذي سيحل محل شبكات توزيع المساعدات الحالية التي تنسقها الأمم المتحدة، يتعين على المدنيين الفلسطينيين السفر إلى المراكز والخضوع لفحص الهوية. الحصول على أسهم من المنظمات غير الحكومية.
وفي نهاية المطاف، تدعو الخطة الفلسطينيين إلى العيش في منشآت محروسة تضم ما يصل إلى عشرات الآلاف من السكان “غير المقاتلين”، كما تصفهم الخطة.
لكن الوثائق التي صدرت في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أظهرت أن المخططين توقعوا أن تواجه المؤسسة أسئلة عامة ضارة محتملة حول أصولها الغامضة، واعتماداتها، وشرعيتها الأخلاقية.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن منظمات إنسانية معروفة وجهات مانحة محتملة رفضت الخطة، كما أبدى بعض كبار الضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي شكوكهم بشأنها. في الواقع، نأى بعض الأشخاص المشاركين في التخطيط المبكر للمنظمة بأنفسهم عن المشروع، وأثاروا مخاوف أخلاقية من أنه قد يساهم في النزوح القسري للفلسطينيين أو إساءة استخدام البيانات الحيوية الفلسطينية.
وسيتم الإعلان عن عمليات مؤسسة غزة الإنسانية في الأسبوع المقبل، بحسب الصحيفة الأميركية. وأشارت إلى أن نجاحها أو فشلها سيؤثر على مصير مليوني فلسطيني يعيشون محشورين في مساحة 325 كيلومترا مربعا ويهددهم المجاعة، بحسب الأمم المتحدة.
وفي الرابع من مايو/أيار، وافقت الحكومة الأمنية على إعادة توزيع المساعدات وفقا للنموذج الإنساني الخاص بغزة. ولكنها واجهت صعوبة في الحصول على دعم المنظمات الإنسانية الرائدة، التي قالت إنها لا تستطيع التعاون مع هذا النموذج. لأنه ينتهك مبادئ توزيع المساعدات الإنسانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتمدت خطة لترويج المبادرة، وعقدت اجتماعا مع منظمات إنسانية على أمل التوصل إلى اتفاق يرضي هذه المنظمات وإسرائيل. لكن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود.
وفي مقابلات مع قادة العمل الإنساني في قطاع غزة، ومستشارين، ومسؤولين إسرائيليين وأجانب، ومن خلال مراجعة مئات الوثائق الداخلية، وجدت الصحيفة أن المخططين واجهوا نفس المشاكل التي توقعوها.
في وثيقة مكونة من 198 صفحة مؤرخة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أي بعد ستة أشهر من موافقة إسرائيل والولايات المتحدة على الخطة، أقر المخططون بأن صندوق غزة الإنساني هو “كيان جديد تماما ليس لديه مشاريع أو خبرة سابقة يمكن الاعتماد عليها” وأن صندوق الأمم المتحدة الإنساني سوف يحتاج إلى جذب وكالات الإغاثة الدولية والقادة المحترمين “الذين يتمتعون بمصداقية خاصة في العالم الإنساني”.
ولكن لم توافق أي من وكالات الأمم المتحدة أو منظمات الإغاثة الرئيسية المشاركة في الخطط على التعاون تقريبا.
وكشف التحقيق أن مؤسسة غزة الإنسانية تعاني من ارتباك وشكوك داخلية رغم إعلانها الرسمي في بيان صحفي بتاريخ 14 مايو/أيار الجاري، وفق الصحيفة.
ولم ينضم إلى المؤسسة حتى الآن أو يتركها العاملون البارزون في المجال الإنساني الذين اعتبرتهم المنظمة ضروريين لقيادة جهودها. وانسحبت أيضا دول عربية وأوروبية كانت مقترحة كجهات مانحة. وهذا يثير تساؤلات حول كيفية حصول المنظمة على التمويل وإمدادات الإغاثة.
وكما كشفت الصحيفة، فإن مسؤولين كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي أثاروا تساؤلات حول الخطة.
على الرغم من أن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين يتفقون عمومًا على ضرورة معالجة تحويل المساعدات المزعوم، فإن بعض هؤلاء الأفراد يتساءلون عما إذا كانت الطوابير الطويلة خارج المراكز الإنسانية في غزة سوف تؤدي إلى ذعر جماعي، وكيف ستعمل القوات الخاصة جنبًا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي، وما إذا كانت الخطة تخدم الهدف السياسي الشامل المتمثل في احتلال غزة.
وردا على أسئلة الصحيفة، قالت مؤسسة غزة الإنسانية إنها تلقت 100 مليون دولار من جهة مانحة لم تسمها.
وذكر أن التخطيط الأصلي لم يعكس عمل وعقلية المؤسسة التي تنفذ رسالتها ككيان مستقل.
وترى الصحيفة الأميركية أن البحث عن بديل لنظام التوزيع الذي تشرف عليه الأمم المتحدة شغل إسرائيل منذ بداية الحرب.
وزعمت أن “حماس كسبت ملايين الدولارات من خلال السيطرة على المساعدات وإعادة بيعها”، رغم أنها لم تقدم أي دليل عام أو خاص للمنظمات الإنسانية في هذا الصدد، بحسب الصحيفة.
وقالت عدة منظمات غير حكومية إن السؤال المطروح هو ما إذا كانت الولايات المتحدة سوف “تستعيد” المساعدات الإنسانية والأغذية والسلع الأخرى التي تم شراؤها في السابق لقطاع غزة بأموال الحكومة الأميركية ولكن لم يتم توزيعها بعد بسبب الحصار الإسرائيلي. وقد تمكنت مؤسسة غزة الإنسانية من توزيع هذه المساعدات المستردة بالإضافة إلى السلع التي كانت تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشكل مباشر في السابق ولكن لم يتم توزيعها بعد.
وذكرت الصحيفة أن مسؤولين عقدوا اجتماعات في مقر قيادة الجيش في كيريا. ولمناقشة كيفية علاج وإطعام سكان غزة، دفعت إدارة بايدن من أجل تقديم المساعدات، على الرغم من إصرار الحكومة الإسرائيلية على حجب المساعدات حتى “سحق” حماس.
– المثانات البشرية
وفي نهاية عام 2023، بدأ منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT) في تطوير مفهوم “الفقاعات الإنسانية”، الذي من شأنه أن يحصر السكان في مناطق أمنية ويسمح للجيش بمحاربة حماس، بحسب الصحيفة.
ورغم أن المناقشات جرت في البداية على الجانب الإسرائيلي، فقد شارك اثنان من مجتمع الأعمال: ليران تانكمان، وهو جندي احتياطي في وحدة الاستخبارات الإشارية 8200، ومايكل إيزنبرغ، وهو مستثمر إسرائيلي أميركي.
وتضمنت الخطة إنشاء مركز عمليات عن بعد. ومن المقرر أن تتم مراقبة الأنشطة في قطاع غزة على مدار الساعة عبر الكاميرات والطائرات بدون طيار. وستتضمن المرحلة النهائية إنشاء مناطق سكنية محمية، أو ما يسمى بـ”مناطق انتقالية إنسانية”، حيث سيعيش سكان قطاع غزة.
وكتب المخططون أنه من المهم طمأنة سكان غزة بأنهم سوف يتمكنون في نهاية المطاف من العودة إلى ديارهم بمجرد أن يصبح الوضع آمنا هناك. قاموا بتجميع قوائم من المؤثرين على إنستغرام وتويتر من العالم العربي لكي تقوم منظمة غزة الإنسانية بتجنيدهم كجزء من حملة على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الدعم الجماهيري للمشروع.
ومن أجل الحصول على الدعم الدبلوماسي، كانت خطة مؤسسة غزة الإنسانية تتمثل في محاولة التودد إلى دول غربية مثل ألمانيا وإقناع فرنسا، التي تنتقد إسرائيل نسبيا، بعدم التدخل سياسيا في غزة وعملياتها الإنسانية خلال العام المقبل.