نزوح نحو المجهول.. عائلات وأطفال غزة بلا ماء ولا كهرباء ولا أمان

منذ 1 شهر
نزوح نحو المجهول.. عائلات وأطفال غزة بلا ماء ولا كهرباء ولا أمان

تتواصل عمليات النزوح الجماعي في قطاع غزة في ظل ظروف إنسانية كارثية، ولم يعد هناك مكان آمن لا في الشمال ولا في الجنوب.

ورغم التصريحات الكاذبة التي أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي حول ما يسمى بـ”المناطق الإنسانية”، فإن الواقع على الأرض يثبت أن كل شبر من قطاع غزة أصبح ساحة معركة للتدمير والمجازر.

في قطاع غزة، دُمِّرت المنازل والمستشفيات والمرافق المدنية بشكل كبير، واختفى أي أثر للحياة الطبيعية. الشوارع التي كانت تعج بالحياة أصبحت الآن مليئة بالأنقاض والمباني المدمرة، بينما يبحث المواطنون عن مأوى في خيام مؤقتة أو عقارات مستأجرة تفتقر حتى لأبسط الخدمات.

إياد مطر، 38 عامًا، أب لثلاثة أطفال، يصف محنته في النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه: “اضطررتُ لبيع هاتفي وهاتف زوجتي لتغطية تكاليف الرحلة. لم يبقَ معي مال، ولا حتى وسيلة للتواصل مع عائلتي. بنيتُ خيمةً من خشب باب منزلي الأمامي لأنني لم أستطع نقل الأثاث بسبب ارتفاع الأسعار. عندما وصلتُ إلى الجنوب، وجدتُ منزلي مدمرًا بالكامل. لم يبقَ لي شيء؛ حتى ذكرياتي اختفت مع الدمار”.

ويضيف بحزن: “أعيش اليوم في حي المواصي بخان يونس في ظروف قاسية، وقلبٌ يثقله الحزن. أستيقظ كل يوم على دويّ الانفجارات، وأعيش في خوف دائم على أطفالي من القصف المفاجئ. لم أتخيل يومًا أن أعيش هذه الحياة، بلا مأوى، بلا أمل، وبلا ضمان لمستقبل أطفالي”.

رامي الأستاذ، نازح يبلغ من العمر 45 عامًا وأب لثلاثة أطفال، يروي قصة هروبه قائلًا: “بمعجزة، نجونا من القصف، لكن دوي الانفجارات التي تلتنا أرعبنا. لم يكن أمامي خيار سوى بيع مجوهرات زوجتي لنتمكن من الفرار. لم نحمل معنا سوى بعض البطانيات والفرش، وتركت كل شيء خلفي. قضينا 48 ساعة في الشارع، محاطين بآلاف النازحين، وسط طرق مدمرة وغارات جوية متواصلة. اضطررنا لقطع طرق ترابية مليئة بالحفر والحطام، في رحلة لم نكن نعرف نهايتها”.

يضيف رامي: “عندما وصلنا إلى خان يونس، اضطررتُ لاستئجار قطعة أرض صغيرة مقابل 1000 شيكل شهريًا، رغم عدم وجود أي مرافق عامة هناك. في ليلتنا الأولى هناك، قصف جيش الاحتلال خيمةً مجاورة لخيمتنا. قُتل عدد من النازحين وجُرح آخرون. كان الموت قريبًا جدًا منا. تركت هذه التجربة ندوبًا نفسية عميقة عليّ وعلى أطفالي، وكانت كل خطوة نخطوها محفوفة بالمخاطر”.

ويختم قائلاً: “لم يعد الموت محصوراً في الشمال، بل انتشر في أرجاء قطاع غزة، الذي حوّله الاحتلال إلى جحيم على الأرض. أصبح جميع المواطنين هدفاً مباشراً، بلا حماية أو ملجأ أو أمل بالنجاح”.

سماح شاهين، صحفية تبلغ من العمر 31 عاماً وتعمل في العديد من المواقع الإخبارية، أصبحت الآن واحدة من آلاف النازحين الذين وثقت معاناتهم ذات يوم.

تروي قصتها قائلةً: “نزحتُ في البداية من منطقة أبو إسكندر بعد استشهاد اثنين من أبناء عمومتي أمامي. لجأنا إلى منزلنا المدمر في منطقة المخابرات وحاولنا تغطيته بالخيام، لكن القصف لم يتوقف. كثّف جيش الاحتلال هجماته، مستخدمًا طائرات مسيرة لإطلاق النار على كل ما يتحرك. انقطعت عنا المياه والإنترنت، واضطررنا للفرار سيرًا على الأقدام مجددًا وسط القصف وإطلاق النار”.

تُتابع: “كان نزوحنا الثاني جنوبًا من أصعب التجارب التي مررت بها. فقدت حياتي استقرارها، وانهارت نفسيتي. كنت أكتب عن معاناة الناس، أما الآن فأكتب عن مأساتي. لم يعد أحد آمنًا، جميعنا مُستهدفون. أُكافح يوميًا لتأمين الطعام والماء لعائلتي، بينما أواصل توثيق ما يمر به الآخرون. لقد جعلنا النزوح أسرى خوف، نعيش في حالة من عدم اليقين”.

وقالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، أولغا تشيريفكو، لمراسل وكالة “وفا” خلال لقاء مع الصحفيين في مقر الشبكة بدير البلح، إن تقديرات المكتب تشير إلى أن عدد النازحين من شمال قطاع غزة إلى جنوب القطاع منذ منتصف أغسطس/آب الماضي بلغ نحو 300 ألف نازح.

وأضافت أولغا أن معظم النازحين يعيشون في ظروف إنسانية مزرية، وأن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يبذل قصارى جهده لمساعدة من بقوا ونازحين وتخفيف معاناتهم. إلا أن هذه الجهود تُعيقها العراقيل الإسرائيلية، لا سيما القيود المفروضة على حركة فرق المكتب.


شارك