في “المساحة الآمنة”.. كيف يستقبل أطفال غزة في مصر عامهم الدراسي؟ (قصة مصورة)

منذ 2 ساعات
في “المساحة الآمنة”.. كيف يستقبل أطفال غزة في مصر عامهم الدراسي؟ (قصة مصورة)

مارينا ميلاد:

مع بداية العام الدراسي الجديد، تشبث تيسير (١١ عامًا) وشقيقه محمود (٨ سنوات) بيد والدتهما. لم يُردا تركهما، ولم يُصدقا أنهما بعد عامين بلا مدرسة، سيذهبان أخيرًا إلى المدرسة! الابن الأكبر، على وجه الخصوص، كرر: “هذه ليست المدرسة التي عرفها في غزة، وهؤلاء ليسوا معلميه ولا زملاءه!”

استقبلهم عبد الله، الذي جاء، مثلهم، إلى مصر من غزة بعد الحرب. انحنى وهمس لهم بلهجة فلسطينية: “هنا سنجلس معًا، نتعلم ونلعب. ستكون مدرستكم، وجميع المعلمين والأطفال هنا يأتون أيضًا من غزة”.

منذ عام تقريبًا، تُقدّم منظمة “أنقذوا الأطفال” في مصر “ملاذًا آمنًا” لأطفال غزة، مُوفّرةً لهم تعليمًا قائمًا على المنهج الفلسطيني ودعمًا نفسيًا. يقول عبد الله، الذي فقد 17 فردًا من عائلته، بينهم تسعة أطفال، إنّه “وجد رسالته في هذا المشروع: مساعدة أهالي غزة قدر الإمكان”.

شعرت حنين بالاطمئنان وتركت أطفالها مع عبد الله. قالت: “إنه الخيار الوحيد. انتظرنا عامًا بعد عام انتهاء الحرب، لكن يبدو أنها لن تنتهي قريبًا. من غير الطبيعي أن يقضي أطفالي ثلاث سنوات يتعلمون عبر الإنترنت فقط! إنهم بحاجة إلى التواصل مع أطفال آخرين”.

على الأقل، نجا أطفال حنين من مصير آلاف الأطفال الآخرين الذين فقدوا حياتهم، أو مصير ما يقارب 660 ألف طفل، وفقًا للأونروا، حُرموا من التعليم للعام الثالث على التوالي. وحذرت الوكالة من أن “أطفال غزة معرضون لخطر أن يصبحوا جيلًا ضائعًا”.

شاهد الفيديو

ركّز عبد الله على تنظيم بيانات حوالي 350 طفلاً يقيمون في هذه الغرفة. أي 350 قصة مختلفة، كل تفصيل فيها تأثر بالحرب. بعضهم فقد أحد والديه أو كليهما، وآخرون أصيبوا، وآخرون عانوا من صدمات نفسية. هكذا وصف عبد الله الوضع عندما تلقى كل هذه المعلومات منهم. يقول: “عليه أن يكبح جماح نفسه، ولا يُكثر من إخبارهم عن غزة، بل أن يدعهم ينسون ما مروا به من أحداث مؤلمة، ويساعدهم على تجاوز هذه المحنة”.

لكن بالنسبة له، بدا أن كل ما سمعه منهم، وكل ما رآه من غزة، وكل ما اختبره بنفسه، قد علق في ذهنه. بدا مشتتًا بعض الشيء وهو يشاهدهم من حاسوبه المحمول، ربما لأنه تعرّف على طفولته في وجوه كلٍّ منهم. قال: “منذ اليوم الذي أدركت فيه العالم، أدركت أيضًا الأحداث والحروب!”

عندما كان في الرابعة من عمره، اندلعت الانتفاضة الثانية، التي لا يزال يتذكر أحداثها حتى اليوم، وإن كانت صورًا ضبابية. كان هناك أيضًا ابن عمه الذي قُتل آنذاك، وموكب جنازته الذي غادر حيهم تاركًا إياه تائهًا فيه. ثم جاءت حرب ٢٠٠٨، التي اندلعت فجأةً وهو في المدرسة: قفز الأطفال من الطابق الثاني أمامه. ثم جاءت حرب الأيام الستة عام ٢٠١٢، ثم حرب ٢٠١٤، حيث جلس مع عائلته حتى الفجر حين فاجأهم خبر اندلاع الحرب.

لكن عبد الله يؤمن: “كل الحروب التي شكّلت طفولته لا تُقارن بهذه الحرب!” في بداية الحرب، اضطر هو وزوجته الحامل إلى الفرار من منزلهما في الشمال للانضمام إلى عائلته في مدينة خان يونس الجنوبية. وعندما صدرت أوامر الإخلاء في ديسمبر 2023، فرّوا جميعًا مرة أخرى إلى رفح، آخر معقل متبقٍّ في قطاع غزة. لا تزال عائلته تعيش في خيمة، بينما هاجر هو إلى مصر لأن زوجته مصرية.

منذ إقامته الأولى في مصر وحتى اليوم، ظل عبد الله منقطعًا عن كل ما يحدث في غزة ومسقط رأسه خان يونس، مسقط رأسه وعمل بالتجارة مع والده. يعرف كل شيء من الداخل والخارج، و”لم يبقَ منه شيء مما كان يعرفه”، كما يصف.

بعد قضاء بضع دقائق مع أحد الوالدين أو المعلمين في هذه الغرفة، يبدأ حديث لا ينتهي حول ما حدث لهم ولأطفالهم في غزة، وما يحدث الآن لعائلاتهم، وما إلى ذلك. يرى عبد الله هذا الأمر جيدًا وسيئًا في آن واحد. يوضح قائلًا: “الجيد هو تفاعله مع أبناء وطنه، والسيء هو ألمه المستمر بسبب كل ما يعرفه”.

هناك، في أروقة مدرسة تابعة للأونروا، حُوِّلت فصولها الدراسية إلى مهاجع مكتظة، تجلس مسك، فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، فقدت والدها في الحرب. بصوتٍ مُرهق، تقول لمن حولها: “عامان ونحن نبحث عن الماء والطعام، ولا نلعب ولا نتعلم!”. وصفت الأونروا الحرب في غزة في بيانٍ لها قبل أيام بأنها “حربٌ على الأطفال يجب أن تتوقف. يجب حماية الأطفال في جميع الأوقات”.

صرح صادق الخضر، المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، سابقًا: “وافقت الوزارة، بالتعاون مع مبادرات المجتمع المدني، مؤخرًا على إنشاء 234 مركزًا تعليميًا مؤقتًا لنحو 80 ألف طالب. إلا أن العدد انخفض مقارنةً بالمراحل السابقة بسبب القصف والهجمات المُستهدفة للتجمعات”.

يتصفح عبد الله الأخبار على جهازه، ويرى فيديوهات لأطفال ما زالوا في غزة وبيانات من أطفال في الغرفة معه. يثير هذا شعورًا غريبًا بالعجز والمسؤولية. يرفع نظره عن الشاشة ويقول: “لا نستطيع فعل شيء لمن هم هناك. نحن فقط نشاهد. لكن كل هذا يحفزني على بذل المزيد من الجهد لمساعدة النازحين هنا”.

حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، يقترب وصول الوالدين، ويستعد عبد الله لتسليم الأطفال إليهم. ويختتم حديثه قائلاً إنه رغم كل ما يحدث، ورغم ما يعتبره أصعب أيام حرب غزة، ومع تقدّم الجيش الإسرائيلي في عمق المدينة عقب قرار الإخلاء، “ما زلت أتوق للعودة”.

ويبدو أن هذا لم يتم من أجله فقط، بل أيضاً حتى يتمكن ابنه الذي ولد في مصر العام الماضي من رؤيتهما، كما يقول، ويتابع وكأنه يؤكد على وجهة نظره: “لكن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لي هو أنه آمن!”.

– بناءً على طلب المنسق، تم استخدام اسم مستعار لشخصيته.

– صور: انقذوا الاطفال.

– اقرأ أيضًا: تعرف على أطفال النازحين في غزة باستخدام تقنية الواقع المعزز.


شارك