من الفراعنة إلى العالمية.. أبو مازن ينقل حرفة أبراج الحمام إلى فرنسا

تُجسّد أبراج الطين، التي يطير الحمام من نوافذها الصغيرة، جمال الريف المصري الأصيل. مع مرور الزمن، بدأت هذه الأبراج بالزوال والاختفاء بسبب غلاء الأسعار وقلة الوعي بهواية تربية الحمام. لكن بعض الشباب المصريين من عائلات ورثت هذه الحرفة أعادوا إحياءها ونشروها عالميًا.
أحمد الفخراني، المعروف بأبو مازن، صرّح لصحيفة الشروق أن صناعة أبراج الحمام كانت لتواجه خطر الانقراض لولا الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد عمل أفراد العائلة على تطوير هذه الصناعة واستعادة مكانتها كأداة فعّالة لحماية مُربي الحمام.
حرفة من زمن الفراعنة
أوضح أبو مازن أن صناعة حظائر الحمام تعود إلى العصور المصرية القديمة. أما بالنسبة لعائلته، فقد بدأت قبل 300 عام عندما انتقلوا من صعيد مصر، مهد صناعة حظائر الحمام، إلى البحيرة، لتصبح معقلًا جديدًا لهذه الحرفة في دلتا النيل، حيث قاومت الاندثار رغم كل التحديات.
من القلعة إلى المسلة… رحلة التطوير
أكد أبو مازن أن الأبراج انتشرت في صعيد مصر لتكيفها مع مناخها الحار. وفّرت السيراميك تبريدًا معتدلًا للحمام، كما أن ارتفاع البرج منع الحيوانات والزواحف من أكله. وفي الوقت نفسه، امتصت المادة الخزفية النفايات وحافظت على نظافة المنطقة.
وأضاف أن الأبراج القديمة كانت مربعة الشكل، وارتفاعها خمسة أمتار. ثم ظهر لاحقًا طرازٌ شبيهٌ بالقلاع، يضم العديد من الأبراج القصيرة. إلا أن هذا الطراز اختفى منذ خمسة عشر عامًا، إذ تطلب كمياتٍ كبيرةً من الخزف.
وأضاف أن عائلته طورت نموذجًا جديدًا وأكثر أمانًا للحمام على شكل مسلة طويلة، والتي تجذب محبي الحمام وأصحاب المنازل الراقيين الذين يريدون إضافة لمسة من التقاليد.
-مع عجلة اليد.. خطوات التصنيع
أوضح أبو مازن أن إنتاج الأبراج يدوي بالكامل، ويقتصر على ثلاثة مصانع في مصر: مصنع العائلة بالبحيرة، وآخر بالشرقية، وثالث بالمنوفية. يعمل حوالي 400 فرد من أفراد العائلة لإنتاج 50 ألف قطعة سيراميك يوميًا، أي ما يكفي لبناء 33 برجًا. يُصدّر جزء من السيراميك إلى الخارج، بينما يُوزّع الباقي على المحافظات.
تبدأ العملية بطين النيل، الذي يُرشّح ويُكرّر باستخدام آلات خاصة. ثم يُشكّل على عجلة الخزاف بحركة القدمين، بينما يُشكّل الحرفي القطع الخزفية على شكل برج بأيديه. تستغرق هذه الخطوة من أسبوع إلى أسبوعين. بعد ذلك، يُنقل البرج إلى موقع التركيب ويُوضع على قاعدة من الطوب الأبيض والقش. تُجهّز فتحات لمداخل الحمامات، وتُركّب سلالم خشبية لتسهيل وصول المزارعين.
ارتفاع الأسعار وغياب الوعي يهددان المهنة
أشار أبو مازن إلى أن ارتفاع أسعار الفخار وصعوبة استخراج الطين، بالإضافة إلى قلة الوعي لدى المزارعين، أدى إلى تراجع الطلب على الأبراج. إلا أن العائلة استجابت للأزمة بطريقتين: استخدام الآلات الحديثة لتحسين جودة الطين المحلي بدلاً من الطين المستورد، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لتراث الأبراج وأهميتها في مشاريع التربية.
مشروع مربح رغم التحديات
أوضح أبو مازن أنه رغم ارتفاع سعره، الذي يصل إلى 15 ألف جنيه مصري، إلا أن البرج يوفر بيئة مثالية للحمام، ويشجع على تكاثره، ويجذب شراكات تُدرّ دخلاً يصل إلى 2000 جنيه مصري يوميًا. كما يُنتج سمادًا طبيعيًا يُمكن بيعه والاستفادة من عوائده.
من مصر إلى فرنسا والمملكة العربية السعودية
واختتم أبو مازن حديثه بالإشارة إلى أن جهوده في تعزيز الحرف اليدوية قد أفضت إلى بناء برج خزاف في فرنسا. وأوضح أن إنجازاته لم تقتصر على أوروبا، بل شملت أيضًا بناء 15 برجًا في السعودية، وسبعة أبراج أخرى في دول مختلفة.