ارتفاع ملحوظ.. التجويع الإسرائيلي يحصد أرواح أجنة وخدج في غزة

زيادة حالات الإجهاض والولادة المبكرة بسبب سوء التغذية لدى الأم تعاني أغلبية النساء الحوامل اللاتي تعرضن للإجهاض من فقر الدم الناجم عن نقص الحديد. وفي أغسطس/آب، تم تسجيل أعلى عدد من الوفيات مقارنة بالأشهر السابقة. والدة طفل مريض: سوء التغذية الشديد سبب نقص البروتين لديه أم لطفلة عمرها 4 سنوات: لا تستطيع المشي أو الكلام، ولا يزيد وزنها، وتوقف نموها.
في مشرحة مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة، ترقد جثث أربعة أجنة وثلاثة أطفال خُدّج لقوا حتفهم يوم الاثنين. يعكس هذا المشهد مأساة الفلسطينيين، نتيجة المجاعة الإسرائيلية الممنهجة والحصار الصارم الذي يحرمهم وأمهاتهم من الغذاء والدواء والرعاية الكافية.
ويعتبر هذا المشهد، بحسب طبيب فلسطيني، مؤشراً خطيراً على تزايد أعداد الوفيات نتيجة سوء التغذية والإجهاض بين النساء الحوامل بسبب المجاعة الإسرائيلية، رغم الإدانات الدولية.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، يعاني آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، من سوء التغذية الحاد منذ أن شددت إسرائيل حصارها وأغلقت المعابر في مارس/آذار الماضي، مما منع دخول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية.
في بعض الأحيان لا تسمح إسرائيل إلا بكميات صغيرة جداً من المساعدات، والتي لا تغطي حتى الاحتياجات الأساسية للجوعى ولا تؤدي إلى إنهاء المجاعة، خاصة وأن معظم الشاحنات تتعرض للسرقة من قبل العصابات التي تحميها إسرائيل، وفقاً للحكومة في قطاع غزة.
ويقول الفلسطينيون إن المساعدات المسروقة تباع بأسعار تفوق قدرتهم الشرائية بعد أن أفقرتهم الإبادة الجماعية.
ومنذ 20 يوليو/تموز الماضي، حين بدأت وزارة الصحة تسجيل الوفيات، وحتى يوم الإثنين، ارتفع عدد الوفيات بسبب سوء التغذية من 86 حالة إلى 435 حالة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينهم 147 طفلاً.
على سبيل المثال، ارتفع عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية بنسبة 394 في المائة منذ 20 يوليو/تموز، في حين ارتفع معدل وفيات الأطفال بأكثر من 90 في المائة.
في 22 أغسطس/آب 2025، أعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهي مبادرة عالمية للمنظمات الدولية، المجاعة في مدينة غزة، وتوقع أن تنتشر إلى دير البلح وخان يونس بحلول نهاية سبتمبر/أيلول من العام المقبل.
وفي ضوء المجاعة، حذرت المتحدثة باسم اليونيسف تيس إنغرام في السابع من سبتمبر/أيلول من أن المجاعة في مدينة غزة قد تتفاقم وتنتشر إلى وسط قطاع غزة خلال أسابيع إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول، قال إنغرام: “الناس يبحثون بيأس عن الطعام والماء. التقيتُ بآباءٍ كانوا يمسكون بيديّ، يبكون، ويسألون: متى سيصل الطعام؟ هل سينجو طفلنا حتى ذلك الحين؟ الوضع كارثيٌّ بكل معنى الكلمة”.
زيادة حالات الإجهاض
وقال رئيس قسم الأطفال والولادة في مستشفى ناصر، أحمد الفرا، لوكالة الأناضول، إن المستشفى شهد في الآونة الأخيرة ارتفاعا في حالات الإجهاض وولادة أجنة ميتة بسبب سوء التغذية لدى الأمهات نتيجة سياسة الجوع الإسرائيلية.
وأوضح أن أغلب الأمهات اللاتي أجهضن يعانين من فقر الدم نتيجة سوء التغذية، مشيرا إلى أن 70% من أصل 55 ألف امرأة حامل في غزة يعانين من هذه الحالة.
وأضاف أن سوء التغذية يرتبط أيضًا بـ “ضعف الصحة العقلية للنساء الحوامل” نتيجة للإبادة الجماعية المستمرة والظروف القاسية للنزوح المتكرر، مما يزيد من خطر الإجهاض.
وأشار إلى أن المستشفى استقبل يوم الجمعة الماضي سيدة تعرضت للإجهاض في شهرها السابع بعد طردها من مدينة غزة في ظروف مأساوية وتعاني من إرهاق شديد.
وأشار إلى أن إغلاق إسرائيل للمعابر وصعوبة الوصول إلى المستشفيات، يؤدي إلى معاناة النساء الحوامل من نقص في المكملات الغذائية والفيتامينات، ما يزيد من خطر الإجهاض.
وحذرت وزارة الصحة مراراً من خطر نقص الأدوية والمستلزمات الطبية والمكملات الغذائية، حيث أغلقت إسرائيل المعابر بشكل شبه كامل أمام المساعدات الإنسانية، وخاصة الطبية، باستثناء كميات قليلة.
تحذير من ارتفاع عدد الوفيات
وحذر المسؤول من ارتفاع عدد الوفيات نتيجة سوء التغذية في سبتمبر/أيلول هذا العام مع استمرار تشديد الحصار الإسرائيلي على إيصال المساعدات.
وأضاف أن عدد الوفيات الناجمة عن سوء التغذية تضاعف في أغسطس، ومن المتوقع أن يستمر في سبتمبر. وأوضح أن المساعدات لا تغطي سوى 10% من الاحتياجات، وأن هناك نقصًا في البروتين ومنتجات الألبان.
وأشار الفرا إلى أنه قبل إغلاق المعبر كان يستقبل عيادة المستشفى يومياً ما بين 20 إلى 30 حالة سوء تغذية، وأن العدد ارتفع الآن إلى 120 إلى 140 حالة، بينهم العشرات في حالة خطيرة.
وحذر من أوضاع كارثية في مستشفى ناصر بسبب الاكتظاظ، ما يضطره إلى إيواء المرضى في الممرات.
الطفل قاسم: سوء تغذية حاد
قاسم زينون، طفل يعاني من سوء تغذية حاد، يرقد على فراش أرضي في مستشفى ناصر. ضلوعه وعموده الفقري بارزان.
وتقول والدة قاسم (التي حجب اسمها) إن طفلها يعاني من “نقص البروتين” بسبب سوء التغذية، ما يؤدي إلى ضمور العضلات وتأخر النمو وخلل في وظائف العديد من الأعضاء الحيوية، في حين تمنع إسرائيل استيراد الأدوية.
قام الأطباء بتشخيص حالة الطفلة بالحساسية من القمح، والتي، وفقا للأم، تفاقمت بسبب سوء التغذية ونقص الأدوية.
وأضافت: “طفلي يحتاج إلى طعام خاص لمرضى حساسية القمح، ولكنه غير متوفر في الأسواق بسبب الحصار الإسرائيلي”.
طلبت الأم السماح بعلاج طفلها خارج قطاع غزة، خوفًا من فقدانه بعد وفاة شقيقته بالأعراض نفسها. ولم تُقدم أي تفاصيل أخرى.
أرجوان: توقف النمو
في الجناح نفسه، ترقد الطفلة أرجوان الدهيني، البالغة من العمر أربع سنوات، وهي نحيفة، لا يتجاوز وزنها خمسة كيلوغرامات، وتعاني من سوء تغذية حاد.
وتقول حنين أبو عدوان والدة أرجوان إن ابنتها تعاني من نقص البروتين والبوتاسيوم وارتفاع حموضة الدم وفشل الكلى نتيجة سوء التغذية.
وأوضحت الأم أنها قضت فترات طويلة في المستشفى لمدة عام ونصف، على أمل تحسن صحة ابنتها، لكن دون جدوى.
وتابعت: “رغم أنها في الرابعة من عمرها، إلا أنها لا تستطيع المشي أو الكلام، ووزنها لا يزداد، ونموها توقف تمامًا”.
إضافةً إلى ذلك، عانت الطفلة مؤخرًا من تقشر جلدي أشبه بحرق. إلا أن حالتها، وفقًا للأم، لم تُشخَّص بعد.
وطالبت بنقل ابنتها إلى الخارج لتلقي العلاج في أسرع وقت، وتساءلت بدهشة: “هل ننتظر حتى تموت؟”
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، من قتل وتجويع وتدمير وتشريد، متجاهلة الدعوات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
بدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. قُتل 65,141 فلسطينيًا وجُرح 165,925، معظمهم من الأطفال والنساء. وشُرد مئات الآلاف، وحدثت مجاعة أودت بحياة 435 فلسطينيًا، بينهم 147 طفلًا.