تحذير ومخاطر.. كيف تنهي مصر برنامج صندوق النقد وتبدأ صفحة جديدة؟

أعاد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إثارة الجدل حول علاقة مصر بصندوق النقد الدولي عقب تصريحاته يوم الأحد. وأشار إلى أن الحكومة تُجري حاليًا مراجعة شاملة لأولوياتها الاقتصادية لتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي وتعزيز قدرتها الاقتصادية على الاعتماد على مواردها الذاتية.
تزامن ذلك مع تصريحات محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، الذي أكد أن العلاقة الحالية بين مصر وصندوق النقد الدولي قائمة منذ عام ٢٠١٥ على “اقتصاد إدارة الأزمات”. وأشار محيي الدين إلى أن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة يُركز فيها على النمو والتنافسية.
وقال محيي الدين: “حان الوقت للتمرد على هذه العلاقة التقييدية التي كانت ضرورية آنذاك بسبب الاختلالات المالية والنقدية القائمة منذ عام 2015”.
وبينما يرى الخبراء الذين تحدثوا إلى مصر أن مصر قد تنهي علاقتها مع صندوق النقد الدولي بعد انتهاء البرنامج الحالي إذا التزمت بإصلاحات جوهرية في بنيتها الاقتصادية، حذروا أيضا من أن الانسحاب المبكر أو غياب الرؤية الاقتصادية سيجبر البلاد على العودة إلى برامج مماثلة.
تعليمات الإلغاء
يقول وائل النحاس، المستشار الاقتصادي وخبير الأسواق المالية، إن مصر لا تستطيع الانسحاب من برنامج صندوق النقد الدولي في الوقت الحالي، لا سيما وأن مدة الاتفاقية الحالية لا تزال حوالي عشرة أشهر. وسيؤدي انسحاب الصندوق إلى انسحاب شركاء التنمية الآخرين، مما قد يُعرّض الخطة الاقتصادية للبلاد للخطر.
وأشار النحاس إلى أن التصريحات الأخيرة لبعض مسؤولي صندوق النقد الدولي حول الحاجة إلى “استراتيجية جديدة” عكست رسائل غير مباشرة مفادها أن الحكومة المصرية لم تف بالتزاماتها كاملة، خاصة فيما يتعلق بالمراجعتين الخامسة والسادسة.
أكد النحاس أن مصر لم تُحقق الكثير في الإصلاحات الهيكلية، كالخصخصة والحوكمة وزيادة التنافسية وانسحاب الدولة من بعض القطاعات. وقد دفع هذا صندوق النقد الدولي إلى تأجيل استكمال المراجعات. وتوقع تأجيل المراجعة القادمة أو تعليقها بنسبة تصل إلى 70%.
وأوضح أن التعافي الاقتصادي المصري في الآونة الأخيرة لم يكن نتيجة الإصلاحات الحكومية بقدر ما كان نتيجة “الحظ” نتيجة عوامل خارجية مثل:
-انخفاض أسعار النفط العالمية.
انخفاض قيمة الدولار نتيجة للنزاعات الاقتصادية الدولية.
– اتفاقية الغاز مع إسرائيل والتي توفر ما بين 2 إلى 2.5 مليار دولار سنويا.
علاقة مؤقتة في الطبيعة
يعتقد هاني جنينة، رئيس قسم الأبحاث في شركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، أن علاقة مصر بصندوق النقد الدولي مؤقتة. تلجأ الدول إلى الصندوق خلال الأزمات المالية أو الاقتصادية، وتبقى فيه حتى تتعافى اقتصاداتها وتتمكن من النمو من جديد.
استشهد جنينة بأمثلة لدولٍ كانت لها تجارب إيجابية مع صندوق النقد الدولي، مثل كوريا الجنوبية، التي أنجزت برنامجًا ضخمًا مع الصندوق بقيمة تقارب 58 مليار دولار خلال الأزمة المالية الآسيوية. ونفّذت البلاد إصلاحات هيكلية شاملة ركّزت على الصادرات، لكنها أنهت البرنامج بعد ثلاث سنوات فقط، لتصبح واحدة من أكبر الدول الصناعية في العالم.
وأضاف جنينة أن تركيا واجهت تضخمًا مفرطًا وأزمة مصرفية، لكنها نفذت إصلاحات جذرية، شملت إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المالية العامة. وسددت آخر دفعة من ديونها للصندوق في عام ٢٠١٣.
ويرى جنينة أن مصر ربما تكون قادرة على استكمال برنامجها الحالي، شريطة استمرار الإصلاحات الهيكلية، وبقاء سعر الصرف مرناً، وتعزيز دور القطاع الخاص.
التحذير من الردة
يعتقد محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلي بمجلس الوزراء المصري، أن تجربة مصر في التسعينيات قد تُقدم درسًا هامًا. فبينما تحقق الاستقرار النقدي بسرعة بعد بدء برنامج الإصلاح عام ١٩٩١، أدى فشل الإصلاحات الهيكلية إلى تجدد الاختلالات بعد بضع سنوات.
وأشار فؤاد إلى أن هذا الوضع تكرر في برنامج عام ٢٠١٦، حيث تحقق استقرار مؤقت من خلال تحرير سعر الصرف وزيادة الاحتياطيات. ومع ذلك، ظل الاستثمار الخاص ضعيفًا، وظلت الصادرات غير النفطية محدودة، مما أدى إلى استمرار اعتماد الاقتصاد على مصادر دخل مثل تحويلات العاملين في الخارج، وقناة السويس، والسياحة، والائتمان.
أكد فؤاد أن مصر دأبت على تطبيق الإصلاحات المالية والنقدية فقط، وتراجعت عن الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تعزيز الاستثمار الخاص وتوسيع القاعدة الإنتاجية. وهذا غالبًا ما يؤدي إلى وصف العلاقة مع صندوق النقد الدولي بأنها “نصف إصلاح”.
وأضاف فؤاد أن مصر، رغم أن سكانها يتجاوزون 1.3% من سكان العالم، إلا أن حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لا تتجاوز 0.3%. وهذا يعكس فجوة هيكلية كبيرة تتطلب نموًا يتجاوز 7% سنويًا لجيل كامل.
مسار الإصلاح لا قطيعة مع صندوق النقد الدولي
من جانبه، أوضح الخبير المصرفي محمد عبد العال أن فكرة “إلغاء” الصندوق لم تُطرح رسميًا، بل ركز النقاش على مراجعة مسارات الإصلاح الحالية التي قد تُمكّن مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد انتهاء البرنامج.
وأوضح عبد العال أن العلاقات مع المؤسسات الدولية تنقسم إلى برامج إصلاحية مؤقتة تنتهي بانتهاء البرنامج، وتعاون طويل الأمد مع التحالفات والتكتلات الاقتصادية والذي يستمر بشكل دائم.
وأشار عبد العال إلى أن برامج صندوق النقد الدولي منحت الاقتصاد المصري ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية من خلال المراجعات الدورية، مؤكدا أن الانسحاب المفاجئ من البرامج قد يحرم مصر من هذه الميزة.
وأكد عبد العال أن إنهاء العلاقات بعد انتهاء البرنامج الحالي ممكن، ولكن بشرط وجود رؤية اقتصادية واضحة تضمن النمو المستدام، حتى لا تضطر مصر لطلب برامج جديدة مستقبلا.