حرية أم خطر صحي؟ فلوريدا تواجه ماضي الحركات المناهضة للقاحات

في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت ولاية فلوريدا أنها ستلغي التطعيمات الإلزامية في المدارس، لتصبح أول ولاية أمريكية تفعل ذلك منذ عقود.
على الرغم من أن التطعيمات كانت دائما حجر الزاوية في سياسة الصحة العامة لحماية الأطفال والبالغين من الأمراض المعدية، فإن الوكالات الحكومية اعتبرت واجبها بمثابة انتهاك للحرية الفردية.
وأثار هذا الاتجاه قلقا كبيرا بين خبراء الصحة، الذين حذروا من أن تخفيف القيود قد يعرض الأطفال والمجتمع لخطر عودة ظهور الأمراض التي كانت محاصرة في السابق بالتطعيمات.
لكن هل هذا الموقف جديد حقا أم أنه استمرار لتاريخ طويل من الحركات المناهضة للتطعيم التي ظهرت بمرور الوقت؟
* من جينر إلى القضاء على الجدري
وفقًا لتقرير حديث صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، قد يبدو التشكيك في اللقاحات حركةً حديثة، إلا أنه في الواقع رافق تاريخ التطعيم منذ بدايته. كان الجدري، الذي أودى بحياة ما يُقدر بـ 300 مليون شخص في القرن العشرين، الشرارة الأولى لمحاولة تطعيم ناجحة، ولكنه أثار أيضًا أولى موجات المقاومة.
في عام ١٧٩٨، اكتشف الطبيب البريطاني إدوارد جينر أن حلاّبات الأبقار المصابات بجدري البقر لا يُصبن بالجدري. أجرى تجربة جريئة بحقن طفل بمادة من بثور المرض. واكتشف أن الصبي أصبح محصنًا ضد الجدري.
وكانت هذه هي الخطوة الأولى نحو التطعيم، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى إعلان منظمة الصحة العالمية القضاء على مرض الجدري تماما في عام 1980.
* الجذور الدينية والفكرية
لم تبدأ المقاومة مع جينر، بل ظهرت مبكرًا عام ١٧٢٢ مع ممارسة قديمة تُسمى “التجدير”. في هذه الممارسة، تُؤخذ مادة من بثور أو قشور مريض الجدري وتُحقن في جسم شخص سليم لمنحه المناعة.
لكن هذه الطريقة قوبلت باعتراضات دينية واسعة النطاق، حيث وصف القس إدموند ماسي في إحدى عظاته عملية التلقيح بأنها خطيئة وانتهاك لإرادة الله.
مع طرح لقاحات جينر، ظهرت حجج جديدة تُشير إلى أن التطعيمات غير طبيعية أو تُغير طبيعة الجسم. في الواقع، ظهرت عام ١٨٠٢ رسوم كاريكاتورية تُظهر أشخاصًا مُلقَّحين يتحولون إلى أبقار.
* الاحتجاجات في القرن التاسع عشر
مع إدخال قوانين التطعيم في بريطانيا العظمى – بدءًا من قانون عام 1840 الذي جعل التطعيمات مجانية، مرورًا بقانون عام 1853 الذي جعل التطعيمات إلزامية للأطفال، وانتهاءً بقانون عام 1871 الذي زاد العقوبات على أولئك الذين يرفضون التطعيم – ظهرت جمعيات مناهضة للتطعيم، ونشرت كتيبات ومنشورات مثل “رعب التطعيم” و”التطعيم لعنة”.
لم تقتصر القضية على الدعاية فحسب. فقد اندلعت احتجاجات في إنجلترا، واندلعت أعمال عنف في كندا والولايات المتحدة. وفي عام ١٩٠٥، وصلت القضية إلى المحكمة العليا الأمريكية في بوسطن، التي أقرت دستورية التطعيم الإلزامي.
* الحرية الفردية والاستقلال الطبي
ومع توسع نطاق التطعيمات، انتقلت المقاومة إلى ما يسمى “حركة حرية الصحة”، التي كان شعارها المركزي هو أن الدولة ليس لها الحق في التدخل في أجساد الناس.
كانت النتيجة جليةً في ستوكهولم عام ١٨٧٣: إذ لم يتلقَّ سوى ٤٠٪ من السكان التطعيم هناك، مقارنةً بنسبة ٩٠٪ في بقية أنحاء السويد. وفي العام التالي، اجتاح وباء الجدري المميت المدينة، مما أدى إلى مضاعفة معدلات التطعيم.
*تكرار الحجج حتى اليوم
رغم أن التطعيمات أدت إلى انخفاض ملحوظ في وفيات الأطفال وأنقذت ملايين الأرواح، إلا أن معارضيها يعزون ذلك إلى تحسينات أخرى، مثل تحسين النظافة. ولم تختفِ هذه الحجج، بل عادت إلى الظهور مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
اليوم، تنتشر الأفكار القديمة نفسها: من نظريات المؤامرة حول جشع الأطباء إلى مزاعم أن اللقاحات سامة أو غير ضرورية. ولهذا السبب تُدرج منظمة الصحة العالمية التردد في تلقي اللقاحات ضمن أكبر عشرة تهديدات للصحة العامة العالمية.