ارتفاع الأحمال إلى رقم قياسي.. كيف تتجاوز مصر أزمة الكهرباء المحتملة؟

بقلم – أحمد والي:
سجلت الشبكة الكهربائية الموحدة أعلى زيادة في الأحمال في تاريخها في يوليو الماضي، حيث بلغت 38,800 ميجاوات. وهذا يعادل زيادة قدرها 800 ميجاوات في يوم واحد. وبالمقارنة، بلغ أعلى زيادة في الأحمال في العامين الماضيين وهذا العام 38,000 ميجاوات، وفقًا لتقارير ورصد المركز الوطني للتحكم في الطاقة.
في صيف عام ٢٠٢٤، شهدت مصر أزمة كهرباء غير مسبوقة، بلغت ذروتها بانقطاعات يومية للتيار الكهربائي في القاهرة والمدن الكبرى، مما أثار قلق السكان وقطاع الأعمال. ونتجت الأزمة عن انخفاض إمدادات الغاز المنزلي، وارتفاع تكاليف استيراد الوقود، وزيادة الاستهلاك في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية.
بحلول أوائل سبتمبر، نجحت الحكومة في السيطرة على الوضع عبر زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال وتشجيع استخدام الديزل لتزويد محطات الكهرباء. ساهم ذلك في استقرار الشبكة ومنع انقطاعات واسعة النطاق. إلا أن هذا الحل مؤقت، ويبقى السؤال الأهم: كيف نتجنب تكرار الأزمة في السنوات القادمة؟
بحسب الخبراء الذين تحدثوا إلى ايجي برس، ثمة حاجة إلى نهجين متوازيين لمعالجة الأزمة المحتملة: الأول عاجل ويرتكز على ترشيد الاستهلاك، وتقليل فاقد الشبكة، وزيادة الإمدادات عند الحاجة. والثاني هيكلي وطويل الأجل، يركز على تنويع مصادر الطاقة، وإصلاح نظام التسعير، وجذب استثمارات جديدة لتطوير البنية التحتية، وضمان استدامة إمدادات الكهرباء كخدمة أساسية ومحرك رئيسي للاقتصاد.
حلول عاجلة لتخفيف الأزمة
يقول محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلي بمجلس الوزراء، إن معالجة الأزمة المحتملة تتطلب مجموعة من الحلول قصيرة الأجل لتخفيف حدة الاضطرابات. وتشمل هذه الحلول:
– زيادة واردات الوقود تدريجيا لتلبية الطلب الأقصى.
– برامج ترشيد استهلاك الكهرباء من خلال حملات التوعية للأسر الخاصة وتطبيق أنظمة أكثر كفاءة للمصانع والمباني الحكومية.
وافق الدكتور حافظ سلماوي، أستاذ هندسة الطاقة، على هذا الرأي. وأشار إلى أن الأولوية العاجلة يجب أن تكون للحد من خسائر شبكات الكهرباء، وخاصة الخسائر التجارية الناتجة عن السرقة أو الاستهلاك غير المحسوب. علاوة على ذلك، يجب زيادة تركيب العدادات المشفرة. كما دعا إلى توسيع شبكات النقل والتوزيع لتحسين كفاءة إدارة الطلب. وفي الوقت نفسه، ينبغي تعزيز برامج توفير الطاقة لخفض التكاليف وتخفيف الضغط على الشبكة.
الحلول الهيكلية طويلة الأمد
يعتقد فؤاد أن التحدي الحقيقي لإصلاح نظام الطاقة لا يكمن فقط في التغلب على الأزمة الحالية، بل في تمهيد الطريق لاقتصاد أكثر تنافسية. ومن أهم الحلول:
تنويع مصادر الطاقة: من خلال توسيع مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتسريع دمجها في الشبكة الوطنية، واستكشاف إدخال بدائل مثل الفحم النظيف والهيدروجين الأخضر للحد من الاعتماد المفرط على الغاز.
– إصلاح نظام التسعير: من خلال مراجعة تدريجية لآلية تسعير الكهرباء، وربطها بأسعار السوق العالمية، وتوفير آليات دعم مستهدفة للفئات الأكثر ضعفا للتخفيف من الآثار الاجتماعية.
جذب الاستثمارات: من خلال فتح الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لتوفير التمويل والتكنولوجيا، وتحسين البيئة القانونية والضريبية لجعل قطاع الطاقة أكثر جاذبية.
– تطوير البنية التحتية: تحديث شبكة الكهرباء الوطنية لتقليل الخسائر وضمان توزيع أكثر كفاءة، فضلاً عن الاستثمار في تقنيات التخزين مثل البطاريات واسعة النطاق لإدارة الإنتاج المتقلب من المصادر المتجددة.
يتوقع سلماوي أن تظل الفترة حتى عام ٢٠٢٨ متوترة نسبيًا، إذ تضطر مصر إلى استيراد حوالي ثلث احتياجاتها من الغاز بأسعار مرتفعة، وخاصةً الغاز الطبيعي المسال، الذي يتراوح سعره بين ١٣ و١٤ دولارًا للمليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنةً بنحو ٤.٥٠ دولار للغاز المحلي. ومع ذلك، يتوقع أن يتحسن الوضع تدريجيًا مع سداد الإتاوات للشركاء الأجانب واستئناف أنشطة الاستكشاف. هذا بالإضافة إلى بدء شحنات الغاز من قبرص وزيادة الإمدادات من إسرائيل.
وأضاف سلماوي أنه من المتوقع أن يتحسن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي تدريجيا ليصل إلى نحو 5.5 مليار قدم مكعب يوميا بحلول عام 2028 بعد إبرام الاتفاقيات مع الشركاء الأجانب وسداد الاستثمارات وبدء إمدادات الغاز من قبرص عبر حقل كورونا.
وأكد أنه بعد عام 2028 فإن تشغيل محطة الطاقة النووية وتوسيع الطاقة المتجددة وتنويع مصادر الغاز من شأنه أن يؤدي إلى خفض التكاليف وتحقيق استقرار أكبر، ما يخلق فائضاً يمكن استخدامه للتصدير.