ماكرون ونتنياهو.. مواجهة دبلوماسية على وقع حرب غزة: أزمة صامتة تتحول إلى صدام مفتوح

منذ 3 ساعات
ماكرون ونتنياهو.. مواجهة دبلوماسية على وقع حرب غزة: أزمة صامتة تتحول إلى صدام مفتوح

تجاوزت الأزمة بين باريس وتل أبيب مجرد خلاف دبلوماسي عابر، بل تطورت إلى صدام علني بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما يعكس تصاعد التوترات بسبب الحرب الدامية في قطاع غزة.

وصفت وسائل الإعلام الفرنسية هذه المواجهة غير المسبوقة بأنها “قطيعة في علاقة طالما ربطتها مصالح استراتيجية، وإن شابها التوتر”. ويرى المراقبون أن الوضع المتطور يمثل صدامًا بين رؤيتين متعارضتين: فرنسا، التي تسعى إلى لعب دور قوة أوروبية مستقلة، تقترح مبادرات سلام وتهدد بالاعتراف بدولة فلسطين، وإسرائيل، التي تعتبر أي انتقاد لعملياتها العسكرية تقويضًا لشرعيتها وتهديدًا لأمنها القومي.

بدورها، اعتبرت صحيفة “ميدي ليبر” الفرنسية هذا الخلاف صراعًا بين رؤيتين استراتيجيتين. وذكرت أن فرنسا تسعى لتقديم نفسها كقوة أوروبية مستقلة قادرة على طرح مبادرات سلام، بل وهددت بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطين في الأمم المتحدة. في المقابل، ترى إسرائيل في هذه المواقف تهديدًا لشرعيتها الدولية، وتعتبر أي انتقاد لعملياتها العسكرية تقويضًا لأمنها القومي.

أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الوضع لا يزال عالقًا بين الهدوء والتصعيد. إن المصالح العميقة التي تجمع فرنسا وإسرائيل – سواء في التعاون العسكري أو ضمن الاتحاد الأوروبي – قد تدفع الجانبين عاجلًا أم آجلًا نحو تهدئة الأزمة. إلا أن الحرب الدائرة في غزة، وتصاعد التكاليف الإنسانية والسياسية، تجعل خطر القطيعة الدبلوماسية أكبر من أي وقت مضى.

وبحسب الصحيفة الفرنسية، أجّجت تصريحات ماكرون الأخيرة بشأن الهجوم الإسرائيلي الوشيك على مدينة غزة الأزمة. وصرح الرئيس الفرنسي بأن أي عملية عسكرية “لن تؤدي إلا إلى كارثة حقيقية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وستُغرق المنطقة في حرب دائمة”. وكان قد دعا قبل عشرة أيام فقط إلى تشكيل بعثة دولية “لإرساء الاستقرار” في قطاع غزة، بمشاركة مصر والأردن.

أشارت صحيفة “ميدي ليبر” إلى أن “رد فعل نتنياهو لم يتأخر. فبعد رسائل تحذيرية من باريس، هدد الجانب الإسرائيلي باتخاذ إجراءات دبلوماسية غير مسبوقة، بما في ذلك إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس. بل ووردت تقارير عن نية مصادرة بعض الممتلكات الفرنسية في المدينة ردًا على ذلك”.

**اتهامات متبادلة ومعركة سردية

في هذه الأثناء، صعّد نتنياهو من لهجته، متهمًا ماكرون بـ”التحريض على معاداة السامية في فرنسا”. وفي رسالة رسمية، أشار إلى “تزايد مقلق في العداء تجاه اليهود في المدن الفرنسية”. ردّ ماكرون بقوة، واصفًا هذه الاتهامات بـ”الكاذبة والمخزية”. وأكد أن فرنسا تُحارب معاداة السامية بكل مؤسساتها، وأنها لا يمكن أن تُتخذ ذريعة سياسية للحرب على غزة.

حتى المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) تدخل لتهدئة الوضع. صرّح رئيسه، جوناثان آرف، بأن “العلاقات بين فرنسا وإسرائيل تستحق أكثر من مجرد نقاشات عقيمة وتصريحات قاسية”.

**التعبئة العسكرية الإسرائيلية… ونافذة للوساطة

في خضم هذه التوترات الدبلوماسية، أعلنت إسرائيل استدعاء 60 ألف جندي احتياطي استعدادًا لهجوم بري واسع النطاق على غزة. وبينما يُظهر هذا التعبئة عزم حكومة نتنياهو على مواصلة الحرب، يرى مراقبون أن الوقت اللازم لإعداد هذه القوات قد يُتيح فرصةً للوسطاء المصريين والقطريين لبدء جهود وقف إطلاق النار، لا سيما في ضوء قبول حماس لمقترح وقف إطلاق النار الأخير، وفقًا للصحيفة الفرنسية.

**أبعاد الأزمة بين باريس وتل أبيب

من جانبها، أفادت صحيفة “ليزيكو” الفرنسية أن التوترات بين ماكرون ونتنياهو تتصاعد، وحذرت من أن هذا التصعيد قد تكون له تداعيات أيضا على قضايا أخرى، وخاصة التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وكذلك على مواقف الاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يوفق بين الضغوط الداخلية المتزايدة للتضامن مع الفلسطينيين والضغوط الأميركية للحفاظ على التحالف مع إسرائيل.

أفادت قناة بي إف إم التلفزيونية الفرنسية أن العلاقات بين ماكرون ونتنياهو تحولت من الدعم إلى توتر متزايد. بعد تعهده بدعم إسرائيل الكامل عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، نأى ماكرون بنفسه تدريجيًا عن حكومة نتنياهو في ضوء المأساة الإنسانية في قطاع غزة. وتصاعدت التوترات بين الزعيمين منذ ما يقرب من عام، وبلغت ذروتها بإعلان فرنسا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين.

أشارت الإذاعة الفرنسية إلى أنه بالإضافة إلى الوضع في قطاع غزة، فإن المواجهة العسكرية الإسرائيلية في لبنان مع حزب الله، الحليف الوثيق لحماس، وإيران، التي تُعتبر “العدو اللدود” لإسرائيل، تُسهم في تعميق الخلاف. واعتبرت باريس العملية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان إهانة دبلوماسية، إذ تجاهلت تل أبيب مبادرة وقف إطلاق نار لمدة 21 يومًا، وضعتها فرنسا بالتنسيق مع الولايات المتحدة. كما أدانت باريس “القصف الإسرائيلي المتعمد” لمواقع اليونيفيل في جنوب لبنان.

ونقلت الإذاعة الفرنسية عن ديفيد ريجولي روز، الباحث في المعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، قوله إن “العلاقات الشخصية بين الرجلين أصبحت سيئة للغاية”، ما يعكس عمق الخلاف الحالي بين باريس وتل أبيب.

وأوضحت ريجولي روزان أنه “بعد السابع من أكتوبر، اعتبرت بعض تصريحات الرئيس ماكرون متحيزة للغاية ضد إسرائيل، في حين اعتبر البعض الآخر انتقاديا للغاية لإسرائيل”، مضيفة أنه على الرغم من تقلب الأحداث، حاول ماكرون الحفاظ على موقف متوازن، وهو النهج الذي ميز الدبلوماسية الفرنسية دائما.

وأضاف الباحث الفرنسي: “مع مرور الأشهر وتدهور الوضع الإنساني في غزة، بدأ الإسرائيليون يشعرون بشكل متزايد بأن فرنسا تبتعد تدريجيا عن مواقفهم”.

الاعتراف بدولة فلسطين: “نقطة تحول حاسمة”

أشار ريغولي-روز إلى أنه رغم تدهور العلاقات بين الرجلين تدريجيًا، إلا أن نقطة التحول الحاسمة كانت إعلان فرنسا في نهاية يوليو/تموز اعترافها رسميًا بدولة فلسطين. وجادل بأن هذا الإعلان أثار موجة انتقادات لاذعة من بنيامين نتنياهو ووزرائه.

وأضاف ريغولي-روز: “يُمثل هذا الإعلان بلا شك نقطة تحول في العلاقات بين رئيسي الدولتين، متجاوزًا تقلبات الخطاب السياسي في الأشهر الأخيرة. ويمكن اعتباره نقطة تحول في زمن يشهد تقلبات حادة”.

عقب هذا الإعلان، سارعت أكثر من عشر دول غربية – منها كندا وأستراليا والمملكة المتحدة (مع بعض التحفظات) – إلى الإعلان عن نيتها اتباع النهج الفرنسي. وعلق الباحث قائلاً: “يشعر نتنياهو باستياء أكبر تجاه ماكرون لأنه كان مُطلق شرارة ديناميكية دولية لم يتوقع أحد اتساعها إلى هذا الحد”. وأشار إلى أن تأثير القرار الفرنسي ربما لم يكن موضع تقدير كبير في إسرائيل.


شارك