هل يتعلم علماء الفلك وشركات الأقمار الاصطناعية كيفية اقتسام منافع الفضاء فيما بينهم؟

منذ 2 ساعات
هل يتعلم علماء الفلك وشركات الأقمار الاصطناعية كيفية اقتسام منافع الفضاء فيما بينهم؟

أمام أعيننا، بل فوق رؤوسنا، تدور معركة جديدة وغير مألوفة في الفضاء. من جهة، يستكشف علماء الفلك النجوم والمجرات البعيدة باستخدام تلسكوبات أرضية عملاقة، ويسبرون أعماق الفضاء. ومن جهة أخرى، تتنافس شركات التكنولوجيا، والمخططون العسكريون، وأباطرة صناعة الأقمار الصناعية، للسيطرة على الفضاء المحيط بكوكب الأرض.

يقول توني تايسون، كبير الباحثين في مرصد روبين الفضائي وعالم فلك في جامعة كاليفورنيا، ديفيس: “عندما يخترق قمر صناعي مجال رؤية مرصد فضائي على الأرض، فإنه يعكس ضوء الشمس على عدسة التلسكوب، مما يُشوّش الصورة، وقد يمنع رصد بعض الظواهر السماوية”. تُشكّل هذه الحوادث مشكلةً كبيرة، لا سيما بالنسبة لمرصد روبين، الذي يستخدم مرايا عملاقة وأكبر كاميرا رقمية في العالم لالتقاط صورة بانورامية عالية الدقة للسماء من قمة جبل نائية في تشيلي.

مع تزايد عدد الأقمار الصناعية في مدار الأرض، وخطط بناء أكثر من مليون قمر جديد لتلبية احتياجات البشرية المتنوعة، تتزايد التوترات حاليًا بين من يعتبرون السماء مصدرًا للمعرفة حول الأجرام السماوية والفضاء، ومن يعتبرون الفضاء وسيلةً للتنمية الاقتصادية والربح المادي. ووفقًا لموقع “ساينتفك أمريكان”، يدور حاليًا أكثر من 13,000 قمر صناعي حول الأرض، وتقوم شركة سبيس إكس، المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، ببناء وتشغيل أكثر من نصفها كجزء من خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك”، التي تهدف إلى توفير خدمة الإنترنت للمناطق النائية التي تفتقر إلى التغطية التقليدية.

على الرغم من أن ستارلينك هي أكبر مزود عالمي للإنترنت عريض النطاق عالي السرعة، إلا أنها ليست الشركة الوحيدة في هذا المجال. يُشغّل مشروع كوبر التابع لشركة أمازون أكثر من 3200 قمر صناعي، ويُشغّل مشروع ون ويب التابع لشركة يوتلسات ما يقرب من 650 قمرًا صناعيًا. وتهدف مشاريع صينية مماثلة، مثل غووانغ، وتشيانفان، وهونغهو 3، إلى بناء وإطلاق آلاف الأقمار الصناعية. بالإضافة إلى أقمار الإنترنت الصناعية، أطلقت سبيس إكس أيضًا خدمة ستار شيلد، وهي خدمة طُوّرت خصيصًا لوزارة الدفاع الأمريكية لتلبية متطلبات الأمن القومي الأمريكي.

تُشكّل هذه المجموعة الضخمة من الأقمار الصناعية مصدر قلق دائم لعلماء الفلك، إذ تختبر قدرة كلا الطرفين على التعايش بسلام وتشارك الفضاء دون تداخل. في البداية، عمل مهندسو ستارلينك مع علماء الفلك لتقليل التأثير البصري للأقمار الصناعية. استخدم الجيل الأول من هذه الأقمار طبقات داكنة وطبقات لامتصاص ضوء الشمس وتقليل وضوحها من الأرض.

ومع ذلك، اكتُشف لاحقًا أن هذه الطلاءات أثرت على سرعة الأقمار الصناعية، فأُزيلت من تصاميم أجيال الأقمار الصناعية اللاحقة. ركزت سبيس إكس على فكرة عكس ضوء القمر الصناعي بعيدًا عن الأرض باستخدام طبقات عاكسة على السطح. أما الجيل الثاني من هذه الأقمار، فقد استخدم طلاءً أسود لتقليل الانعكاسات المحتملة من المكونات الأخرى على جسم القمر الصناعي أثناء وجوده في مدار الأرض.

في دراسة نُشرت في مجلة arXiv.org للفيزياء والفضاء وعلوم الحاسوب، قام فريق من الباحثين، بمن فيهم تايسون ومهندسو سبيس إكس، بتحليل تأثير هذه التطورات على التداخل البصري الذي تسببه الأقمار الصناعية على التلسكوبات على سطح الأرض. ووجدوا أن هذه التعديلات قد قللت بالفعل من هذا التأثير، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من التحسينات لحل المشكلة. على الرغم من أن أقمار ستارلينك الصناعية تحلق عادةً على ارتفاع 550 كيلومترًا فوق الأرض، فقد أجرى الباحثون محاكاة لقياس تأثير الأقمار الصناعية التي تحلق على ارتفاع 350 كيلومترًا. ووجدوا أن المدار المنخفض يقلل من عدد الأقمار الصناعية التي تدخل مجال رؤية التلسكوبات بنسبة 40%، بينما يزيد سطوعها بنسبة 5% فقط. وفي تصريحات لمجلة ساينتفك أمريكان، قال تايسون إن الطيران على ارتفاع منخفض قد يسبب مشاكل إضافية للمشغلين بسبب الظروف الجوية، وتقلص حجم المدار، وما ينتج عنه من عودة خاطئة إلى الغلاف الجوي للأرض. وتظل التوصية الرسمية لمرصد روبين هي أن الأقمار الصناعية يجب أن تحلق على ارتفاعات أقل من 600 كيلومتر فوق الأرض.

من التحديات التي تواجه مراصد الفضاء أن الأقمار الصناعية التي تؤثر على أنشطتها لا تُصنع أو تُطلق في نفس البلدان التي توجد فيها المراصد. وقد ذكرت لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية في تقرير بحثي أنه “لا يمكن لأي دولة أو منظمة بمفردها إحداث تغيير جوهري دون تنسيق الجهود والتعاون بين الحكومات ومشغلي الأقمار الصناعية ومصنعيها وعلماء الفلك من جميع أنحاء العالم”. وتوصي اللجنة الدول الأعضاء عمومًا بتشجيع ودعم التعاون بين مشغلي الأقمار الصناعية وباحثي الفضاء.


شارك