الورقة الأمريكية لنزع سلاح حزب الله.. البنود الكاملة وردود الفعل اللبنانية
اكتسبت المناقشات في لبنان حول نزع سلاح حزب الله زخمًا. وكُلِّف الجيش بوضع خطة تنفيذ قبل نهاية العام. ويأتي ذلك في ظل ضغوط متزايدة من الولايات المتحدة، تجلّت في مذكرة للمبعوث الأمريكي توم باراك تتضمن جدولًا زمنيًا وآلية تنفيذ مقترحة.
منذ اتفاق الطائف، ظلّ سلاح حزب الله من أكثر القضايا حساسية في السياسة اللبنانية. ففي كل أزمة كبرى، يختفي أحيانًا ليعود للظهور.
لكن بعد الحرب المدمرة في عام 2024، أصبح هذا السلاح محور المفاوضات العامة التي تقودها واشنطن تحت ضغط دولي غير مسبوق.
قد تُعيد “ورقة باراك” أو “الورقة الأمريكية”، وهي خطة أمريكية مُفصّلة لنزع سلاح حزب الله مقابل انسحاب إسرائيلي وضمانات دولية، ترتيب موازين القوى في لبنان. فهل دخل البلد فعلاً مرحلة نزع السلاح؟
توماس باراك وصحيفته في بيروت
زار توماس باراك، السفير الأمريكي لدى تركيا والممثل الخاص لسوريا، بيروت لأول مرة في 19 يونيو/حزيران 2025. وحمل معه خارطة طريق أمريكية مفصلة من ست صفحات لعرضها على المسؤولين اللبنانيين. وتضمنت الخطة، المعروفة باسم “ورقة باراك”، مطالب واضحة بنزع سلاح حزب الله وجميع الفصائل المسلحة في لبنان بشكل كامل بحلول نهاية عام 2025 (نوفمبر/تشرين الثاني 2025).
في المقابل، تَعِد الخطة الأمريكية بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة المتبقية، ووقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان. علاوة على ذلك، من شأن تنفيذ نزع السلاح أن يُمهّد الطريق أمام الدعم المالي الدولي لإعادة إعمار المناطق اللبنانية التي دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وهو دعمٌ تقول واشنطن إنها لن تُقدّمه طالما احتفظ حزب الله بسلاحه.
تضمنت ورقة باراك أيضًا عناصر أوسع لإعادة هيكلة الشؤون الإقليمية والداخلية للبنان، بما في ذلك تسريع الإصلاحات المالية والاقتصادية، ومراقبة الحدود والمعابر للحد من التهريب. ولضمان تنفيذ الاتفاق المقترح، دعت الخطة إلى إنشاء آلية تراقبها الأمم المتحدة لضمان إطلاق سراح السجناء اللبنانيين من السجون الإسرائيلية، بالتوازي مع إحراز تقدم في نزع السلاح. كما طالبت واشنطن الحكومة اللبنانية باعتماد قرار بالإجماع يلتزم بنزع السلاح كعنصر أساسي في أي اتفاق نهائي.
حدد المبعوث الأمريكي الأول من يوليو/تموز 2025 موعدًا نهائيًا للقيادة اللبنانية للرد رسميًا على هذه المقترحات. وأعلن أنه سيعود إلى بيروت للاستماع إلى تعليقاتها. وبدأت بيروت على الفور بمراجعة الوثيقة، وشكلت لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن رئاسة الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس النواب لصياغة رد لبناني موحد. وفي الكواليس، تواصل رئيس مجلس النواب، نبيه بري، حليف حزب الله، مباشرةً مع قيادة الحزب لضمان مشاركتهم في صياغة الموقف. ووفقًا لتقارير صحفية، لم يتردد حزب الله في التعاون مع اللجنة، ووافق على بدء محادثات، لكنه لم يقدم أي التزام أو وعد بنزع سلاحه.
الجدل الداخلي ورد الفعل الأول لحزب الله
ما كان لافتاً للنظر في الوثيقة هو توقيتها مع مطالبة واشنطن لبنان بتبني قرار رسمي يلتزم علناً بتنفيذها. هذا المزيج من المشاركة السياسية والدعم العسكري والاقتصادي وضع الدولة اللبنانية في موقف حرج. وبينما التزم حزب الله الصمت العلني بشأن المقترح، بدأت المناقشات تغلي خلف الكواليس. دخل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مشاورات مباشرة مع حزب الله، ووافق على المشاركة في صياغة رد لبناني موحد.
التزم الحزب الصمتَ العلني تجاه اقتراح باراك في النصف الثاني من يونيو. ومع ذلك، ومع اقتراب الموعد النهائي للرد، شددت قيادته موقفها، مؤكدةً رفضها الرضوخ للضغوط الأمريكية والإسرائيلية. في 30 يونيو/حزيران 2025، عشية الموعد النهائي، ألقى الأمين العام الشيخ نعيم قاسم خطابًا متلفزًا شديد اللهجة، أكد فيه على حق الحزب والشعب اللبناني في قول “لا” لأمريكا و”لا” لإسرائيل. واتهم قاسم واشنطن وإسرائيل بالسعي إلى استغلال الوضع الراهن لفرض واقع جديد في لبنان والمنطقة يخدم مصالحهما، ودعا جميع اللبنانيين إلى عدم دعم أمريكا وإسرائيل في تنفيذ مخططاتهما.
الجولة الثانية من الوساطة: ورقة لبنانية معدلة
عاد توماس باراك إلى بيروت مطلع يوليو/تموز 2025، وتحديدًا يوم الاثنين 7 يوليو/تموز، لتلقي الرد الرسمي من لبنان. وقدّمت السلطات اللبنانية للمبعوث الأمريكي وثيقة ردّ تتضمن تعديلات وضمانات مقابلة تُحدّد رؤية لبنان لتنفيذ خارطة الطريق.
قدّم الرئيس جوزيف عون شخصيًا إلى باراك “أفكارًا لحل شامل”، تُمثّل الموقف اللبناني الموحّد. كما وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري خارطة طريق مُفصّلة ومُتدرجة لنزع سلاح حزب الله، تندرج في إطار المقترح اللبناني وتُقدّم خطوات عملية لتطبيقه.
ركّز الرد اللبناني على مبدأ التزامن والتبادلية في تنفيذ أي اتفاق: لن يُناقش مصير سلاح حزب الله إلا في إطار عملية مرتبطة بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان والوقف النهائي للهجمات الإسرائيلية. وأكد رئيس الوزراء نواف سلام في مؤتمر صحفي عقب لقائه باراك أن النقاش ركّز على “الخطوات المترابطة بين الانسحاب الإسرائيلي من لبنان ونزع سلاح حزب الله”.
أكد سلام أن الحد من بيع الأسلحة للدولة وتوسيع نطاق سلطة الدولة مبدأ توافقي لبناني كرسه اتفاق الطائف. وذكّر بأن حزب الله جزء من الدولة اللبنانية (وقد أيد نوابه إعلان الحكومة)، مما يؤكد ضرورة التوصل إلى حل توافقي داخلي. في الوقت نفسه، أدان سلام الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب والبقاع، مؤكدًا رفض لبنان القاطع لهذه الاعتداءات، وتكثيف بيروت اتصالاتها العربية والدولية لوقفها.
وبحسب سلام، تضمن الرد المكتوب الذي تلقاه باراك ملاحظات من الرئيس والحكومة ورئيس مجلس النواب. وهذا يُظهر تنسيقًا غير مسبوق بين الرؤساء الثلاثة بشأن هذه القضية المعقدة. وكشف سلام أيضًا أن باراك، كخطوة أولى، قدّم مقترحًا لآليات لتعزيز وقف إطلاق النار وضبط الأسلحة تدريجيًا في الجنوب، ربما من خلال تعزيز دور اللجنة الثلاثية لوقف إطلاق النار وتوسيع صلاحيات الجيش اللبناني في الجنوب. وأكد سلام موقف لبنان القائل بأن قرار الحرب والسلم يعود للدولة وحدها.
كان رد فعل المبعوث الأمريكي حذرًا ولكنه إيجابي تجاه رد الفعل اللبناني. وعقب لقائه بالرئيس عون، عقد باراك مؤتمرًا صحفيًا أعرب فيه عن “رضاه التام” و”سعادته البالغة” بالرد اللبناني. ووصف باراك الرد بأنه مدروس بعناية، وتضمن خطة مشتركة للخطوات التالية. وأضاف: “الآن، يجب المضي قدمًا في التفاصيل… جميعنا ملتزمون بالعمل على التفاصيل وإيجاد حل”.
أعرب عن تفاؤله الكبير بإمكانية تحقيق ذلك. كما أفاد المكتب الرئاسي اللبناني على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أن الرئيس عون قدّم لباراك “رؤية شاملة للحل”. وأصدر رئيس مجلس النواب نبيه بري بيانًا وصف فيه لقاءه مع باراك بأنه “بناء، ويراعي مصالح لبنان وسيادته… ومطالب حزب الله”.
عند هذه النقطة، بدا أن لبنان والولايات المتحدة قد وجدا أول أرضية مشتركة بينهما: التزمت الدولة اللبنانية مبدئيًا باتفاقية محدودة زمنيًا وحصرية للحد من الأسلحة، لكنها طالبت بضمانات صارمة للانسحاب الإسرائيلي ووقف الأعمال العدائية قبل عملية نزع السلاح وأثناءها. وشملت هذه الضمانات إطلاق سراح السجناء اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل، وتأمين الدعم الدولي لتعزيز الجيش اللبناني كبديل أمني.
وبحسب التقارير الصحفية، تتضمن الخطة اللبنانية المنقحة ثمانية مطالب أساسية طرحها الرئيس عون في المفاوضات مع باراك. وأهم هذه المطالب: الانسحاب الكامل لإسرائيل إلى ما وراء حدود معترف بها دوليًا، ووقف جميع أشكال العدوان الإسرائيلي برًا وبحرًا وجوًا، بما في ذلك الاغتيالات، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين.
في المقابل، تعهّدت بيروت ببسط سيادة الدولة على كامل أراضيها من خلال استعادة أسلحة جميع الفصائل، وعلى رأسها حزب الله، وتسليمها للجيش اللبناني، الذي سيكون الوحيد المخوّل بحمل السلاح. كما طلب لبنان دعمًا دوليًا طويل الأمد للجيش، بقيمة مليار دولار سنويًا على مدى عشر سنوات، لتعزيز قدراته إلى جانب قوى الأمن الداخلي. ودعا لبنان أيضًا إلى عقد مؤتمر دولي للمانحين في الخريف لدعم إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي.
مع ذلك، ظلّ موقف حزب الله العلني ثابتًا، دون تنازلات، وإن كان مع بعض التحفظات. وعقب الاجتماعات، أصدر الشيخ نعيم قاسم (الذي يُعتبر الآن رأسَ قيادة الحزب) بيانًا يوم الأحد 6 يوليو/تموز، حدّد فيه رؤية الحزب: على إسرائيل أولًا الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار – الانسحاب من الأراضي المحتلة، ووقف جميع أشكال العدوان، وإطلاق سراح الأسرى – ثم الانتقال إلى “المرحلة الثانية”، التي ستشمل مناقشة استراتيجية دفاع وطني تشمل “سلاح المقاومة”.
كما جدد قاسم رفض الحزب الاستسلام تحت وطأة التهديدات، قائلاً: “لن نستسلم ولن نلقي سلاحنا ردًا على التهديدات الإسرائيلية”. وفي خطاب آخر بُثّ مساء 30 يوليو/تموز، جدد قاسم تأكيده على أن سلاح حزب الله مُعدّ لمواجهة إسرائيل، ولا يُستخدم محليًا. وجادل بأن أي مطالبة حالية بنزع سلاح حزب الله تخدم أهداف إسرائيل.
بينما فهمت واشنطن الرسالة اللبنانية المشروطة، حاولت تسويق الخطة كصفقة شاملة يجب تنفيذها بسرعة. وأكد توماس باراك للجانب اللبناني أن نزع سلاح حزب الله لا يهدف إلى تهميشه سياسيًا. وصرح باراك في بيان: “على حزب الله أن يدرك أن له مستقبلًا، وأن المسار المقترح ليس موجهًا ضده فقط”.
في الوقت نفسه، حذّر باراك القيادة اللبنانية من التراخي قائلاً: “المنطقة تتطور بسرعة جنونية، وستتخلفون عن الركب”. وأشار إلى الحوار غير المسبوق بين سوريا وإسرائيل بعد سقوط نظام الأسد. وأعرب عن قناعته بأن بيروت، كما انشغلت دمشق باتفاقيات ما بعد الحرب، يجب ألا تفوّت فرصة إحياء الحوار حول سلاح حزب الله قبل فوات الأوان. وأفادت مصادر دبلوماسية لواشنطن أن بيروت قد لا تتاح لها هذه الفرصة مجددًا، وأنه يجب اتخاذ قرار تاريخي الآن.
زيارة حاسمة واجتماع حكومي مبكر
رغم الأجواء الإيجابية الحذرة التي سادت مطلع يوليو/تموز، ظلت عدة نقاط خلافية جوهرية عالقة خلال الأسابيع التالية. أصرّ لبنان على إعطاء الأولوية للأمن على السلاح، أي عدم نزع سلاح حزب الله قبل ضمان الانسحاب الكامل ووقف إطلاق النار. ورفضت إسرائيل ربط التزامها بالخطوات الأولية التي اتخذها حزب الله.
وبحسب تقارير صحفية، أبلغت الولايات المتحدة بيروت رفضها لمقترح الانسحاب أولاً. سمح ذلك لواشنطن بالضغط لتليين الموقف اللبناني. في غضون ذلك، واصلت إسرائيل قصفها اليومي، مما أبقى التوترات مرتفعةً وزاد الشكوك حول نواياها.
في نهاية يوليو/تموز 2025، سافر باراك إلى بيروت للمرة الثالثة لتقديم الرد الأمريكي الرسمي على المقترحات اللبنانية. وأوضح باراك للسلطات اللبنانية أن بلاده لن ترسل مبعوثين آخرين أو تضغط على إسرائيل لوقف هجماتها إذا لم تلتزم الحكومة اللبنانية سريعًا وعلنًا بنزع سلاحها.
وفقًا لتقرير رويترز الصادر في 29 يوليو/تموز، اشترطت واشنطن على الحكومة اللبنانية الالتزام رسميًا بنزع سلاح حزب الله قبل أي مفاوضات أخرى أو استئناف الجهود الأمريكية. ونقل عن مصدر لبناني قوله: “الولايات المتحدة تقول لنا: لن تكون هناك زيارات أخرى لباراك ولن يكون هناك تبادل للأوراق. على الحكومة اتخاذ قرار، وعندها يمكننا استئناف المحادثات. لا يمكنهم الانتظار أكثر من ذلك”.
في غضون ذلك، أبلغ باراك رئيس الوزراء نواف سلام صراحةً أن واشنطن لا تستطيع “إجبار” إسرائيل على فعل أي شيء ما لم تلتزم بيروت صراحةً بخارطة الطريق. ونشر المبعوث الأمريكي على تويتر رسالةً حازمةً بعد اجتماعه مع مسؤولين لبنانيين: “طالما أن حزب الله يحتفظ بسلاحه، فالكلام وحده لا يكفي”.
“على الحكومة والحزب الآن أن يلتزما ويتحركا بشكل كامل حتى لا يحكما على الشعب اللبناني بالركود الحالي”، ما يوضح ضرورة الانتقال من مرحلة التصريحات إلى مرحلة الإجراءات الملموسة.
في مواجهة هذا الضغط المتزايد، أدركت القيادة اللبنانية خطر الانفجار. إن عدم الالتزام بالشروط الأمريكية قد يؤدي إلى تصعيد إسرائيلي واسع النطاق، قد يشمل هجمات على الضاحية الجنوبية لبيروت. لذلك، دعا رئيس الوزراء نواف سلام فورًا إلى اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء في 5 أغسطس/آب 2025، لوضع جدول زمني لتنفيذ سياسة ضبط الأسلحة في البلاد.
نصّت الدعوة على أن الاجتماع سيناقش “بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها حصريًا من خلال قواتها المسلحة” – وهي عبارة تُوحي بالتزام علني بمبدأ نزع سلاح حزب الله وتسليمه للجيش. كما سيتناول الاجتماع “اتفاقيات وقف إطلاق النار… بما في ذلك أفكار تنفيذها الواردة في اقتراح السفير باراك”.
الانقسام الداخلي
جدد حزب الله رفضه تسليم سلاحه في ظل الغارات الجوية المتواصلة. وأعلن نعيم قاسم أن الحزب لن يتفاوض على سلاحه قبل انتهاء العدوان، معتبرًا أن المطالبة الفورية بهذا السلاح تخدم مصالح إسرائيل. وحذّر مفتي الجعفري أحمد قبلان من أن نزع سلاح الحزب سيترك لبنان أعزلًا. في غضون ذلك، صعّدت قوى المعارضة من لهجتها. وقال زعيم حزب القوات اللبنانية إن اللحظة تستدعي الحسم لا التردد. ووصف النائب جبران باسيل السلاح بأنه عبء وطني.
بينما تستعد الحكومة لما قد يكون أهم اجتماع لها منذ اتفاق الطائف، تراقب العواصم الإقليمية والغربية عن كثب نتائج التصويت وتداعياته. سيمثل نجاح الاتفاق بدايةً لعملية تاريخية لتسليم سلاح حزب الله إلى الدولة. إلا أن الفشل قد يدفع البلاد إلى تصعيد جديد.
اجتماعات حكومية لمناقشة الورقة الأميركية
عقدت الحكومة اللبنانية اجتماعين متتاليين في القصر الجمهوري في مطلع آب/أغسطس 2025 لبحث موضوع نزع سلاح حزب الله في ضوء “الورقة الأميركية” التي قدمها المبعوث الخاص توم باراك.
وفي الجلسة الأولى يوم الثلاثاء 5 آب/أغسطس، ناقش الوزراء محتويات الوثيقة الأميركية، بما في ذلك الجدول الزمني المقترح وآلية إنهاء الوجود المسلح لكل الجهات غير الحكومية، ونشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية والمواقع الاستراتيجية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة.
بسبب خلافات حادة حول الجدول الزمني والآليات، انسحب الوزراء الشيعة من كلا الجانبين من الاجتماع بعد انتهاء النقاش وقبل اتخاذ قرار. لم يُتخذ قرار بعد بشأن الأحكام المحددة، ولكن كُلِّف الجيش اللبناني بوضع خطة شاملة لتقييد حيازة الأسلحة من قِبل القوات المسلحة الشرعية. ومن المقرر استكمال هذه الخطة بحلول 31 أغسطس/آب كحد أقصى، وعرضها على مجلس الوزراء لمناقشتها وإقرارها.
ورد حزب الله على هذا الاجتماع على الفور، وأصدر بياناً قال فيه إنه سيتعامل مع هذا القرار وكأنه “غير موجود”.
شهدت الجلسة الثانية، الخميس 7 أغسطس/آب، والتي استمرت أكثر من أربع ساعات، تصعيدًا سياسيًا. انسحب الوزراء الشيعة، بمن فيهم ممثلون عن حزب الله وحركة أمل، من الاجتماع احتجاجًا على استمرار التمسك بأهداف الوثيقة قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار وضمان الانسحاب الإسرائيلي.
مع ذلك، وافق مجلس الوزراء على تنفيذ الوثيقة، التي تتضمن أحد عشر هدفًا. وتشمل هذه الأهداف، على وجه الخصوص، ضمان وقف دائم للأعمال العدائية، وإنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، ونشر الجيش اللبناني في مواقع محددة، وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب. كما أكد مجلس الوزراء على تفويض الجيش باستكمال خطة التنفيذ الخاصة به بحلول نهاية الشهر الجاري، ليتم اعتمادها وتنفيذها قبل نهاية العام.
خطوة بخطوة
وفي 18 آب/أغسطس، عاد توماس باراك إلى بيروت برفقة نائب المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس.
وتأتي هذه الزيارة في أعقاب اجتماعات حكومية تقرر فيها تقييد حيازة الأسلحة النارية داخل الولاية.
في بيروت، قدّم المبعوث الأميركي توم باراك اقتراحاً سياسياً بعنوان “خطوة خطوة”. وفي هذا الاقتراح، ربط التزام لبنان بالبدء بنزع سلاح حزب الله بدعوة صريحة لإسرائيل إلى اتخاذ تدابير موازية.
بعد لقائه بالرئيس جوزيف عون، صرّح باراك بأن بيروت قد اتخذت الخطوة الأولى. وستجري واشنطن محادثات مع إسرائيل بشأن وقف طويل الأمد للأعمال العدائية. ويشمل ذلك الانسحاب من خمسة تلال حدودية حيث لا تزال القوات الإسرائيلية متمركزة، ووقف الغارات الجوية. علاوة على ذلك، سيناقشان أيضًا حزمة مساعدات اقتصادية لإعادة الإعمار.
يتضمن الاقتراح الأمريكي إجراءات تدريجية تُختتم بنهاية العام. يسلم الجيش اللبناني أسلحته للجماعات المسلحة، بينما تتوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، وتنسحب القوات من مناطق محددة في جنوب البلاد.
وأصدرت الحكومة اللبنانية تعليماتها للجيش بإعداد خطة تنفيذية.
من ناحية أخرى، لا تزال القيادة الحالية لحزب الله ترفض الالتزام بنزع سلاحه حتى يتوقف “العدوان الإسرائيلي”، في حين تواصل إسرائيل تنفيذ غارات جوية على مواقع حزب الله في مختلف أنحاء البلاد.
حذّرت قيادة الحزب من “عواقب داخلية” في حال تطبيق الحكومة للخطة. وهذا الموقف ليس جديدًا، فقد رفض الحزب بالفعل تسليم سلاحه، بحجة أن ذلك يخدم “المصالح الإسرائيلية”.
في المقابل، أكد الرئيس جوزيف عون التزامه مبدأ حصر حيازة السلاح بيد الدولة، تماشياً مع القرار الحكومي الأخير.
من الحرب إلى وقف إطلاق النار غير الكامل
في خريف عام ٢٠٢٣، تصاعدت الاشتباكات العسكرية على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية تدريجيًا. وشهدت المنطقة هجمات مدفعية متكررة واشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. إلا أن أشدها وقع في أواخر صيف عام ٢٠٢٤، عقب سلسلة من الهجمات المروعة لحزب الله. ردت إسرائيل بقصف وحشي لقواعد الصواريخ ومراكز القيادة، بالإضافة إلى عملية واسعة النطاق لتدمير معدات لاسلكية يستخدمها عناصر حزب الله. أدت هذه الهجمات، المعروفة إعلاميًا باسم “قنابل النداء”، إلى إصابة آلاف الأشخاص وإعاقة العديد منهم بشكل دائم. بعد أيام، اغتالت إسرائيل عددًا من أعضاء المجلس العسكري لحزب الله، مما شكل تصعيدًا حاسمًا للمواجهة.
لكن نقطة التحول جاءت في سبتمبر/أيلول 2024، عندما قُتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في غارة جوية استهدفت مقرًا محصنًا في الضاحية الجنوبية لبيروت. قصفت إسرائيل لاحقًا الضاحية ومناطق واسعة في الجنوب ووادي البقاع يوميًا. ردّ حزب الله بإطلاق آلاف الصواريخ على الجليل ومرتفعات الجولان ووسط إسرائيل. تلت ذلك معارك عنيفة استمرت أسابيع.
تدخلت واشنطن، بدعم من فرنسا والأمم المتحدة، للتفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار، أُبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. نصّ الاتفاق على انسحاب مقاتلي حزب الله شمال نهر الليطاني، بينما تُنشر القوات المسلحة اللبنانية وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) جنوبًا. في المقابل، تعهّدت إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة المتبقية، ووقف غاراتها الجوية وعملياتها الأمنية.
مع ذلك، لم يكتمل تنفيذ الاتفاق. احتفظت إسرائيل بخمس قواعد عسكرية قرب الحدود لأسباب أمنية، وواصلت شنّ غارات جوية شبه يومية، زعمت أنها استهدفت مستودعات أو أسلحة أو عناصر تابعة لحزب الله. اتهمت السلطات اللبنانية الرسمية إسرائيل بارتكاب أكثر من 3000 انتهاك لشروط وقف إطلاق النار في الأشهر التالية، وأفادت بمقتل أكثر من 230 شخصًا، معظمهم من المدنيين.
وجهت الحرب الأخيرة ضربةً قاسيةً للحزب. فبالإضافة إلى الخسائر في الأرواح والعتاد الميداني، فقد الحزب قيادته المركزية. وبعد اغتيال نصر الله، استُهدف هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي وخليفته المحتمل، بغارة جوية على الضاحية الجنوبية. وسرعان ما ملأ الشيخ نعيم قاسم هذا الفراغ القيادي، وأصبح الأمين العام الفعلي للحزب خلال فترة حرجة، محليًا ودوليًا.
وفي ظل هذا الواقع، عادت مسألة سلاح حزب الله إلى الواجهة مجدداً، وهذه المرة في سياق المفاوضات العلنية التي تقودها واشنطن في إطار الاتفاقات الدولية حول إعادة إعمار لبنان والوضع الأمني في الجنوب.