ظاهرة مؤقتة أم تحول فى فكر صناعها؟.. قضايا الأحوال الشخصية تفرض نفسها على الدراما التليفزيونية

• ماجدة موريس: ضرورة فنية تتطلب الشجاعة والمسؤولية. سعد هنداوي: «فات الأوان» كسر الصمت بشأن العنف الأسري وحرك مشاعر الشارع المصري. • محمد شاكر خضير: «تحت الوصاية» يجسد المعاناة الحقيقية التي تعيشها العديد من النساء. ناصر عبد الحميد: نعاني من نقص ملحوظ في هذا النوع من العمل. • ماجدة موريس: ضرورة فنية تتطلب الشجاعة والمسؤولية. • ماجدة خيرالله: الدراما تعكس التغيرات الاجتماعية وتفتح الأبواب المغلقة. • هالة منصور: الدراما تبالغ في مناقشة قضايا الأحوال الشخصية وتتجاهل الموضوعية لصالح التشويق.
لا تعد الدراما التلفزيونية وسيلة ترفيه فحسب، بل هي أيضًا منصة لمعالجة القضايا الاجتماعية التي تؤثر على حياة الناس، وخاصة قضايا الأحوال الشخصية، والتي حظيت مؤخرًا باهتمام كبير في أعمال مثل “فات الميد”، و”تحت الوصاية”، و”إلى أنا”، و”فاتن أمل حربي”، و”بغم اللون”.
ويثير هذا الاتجاه تساؤلا حول ما إذا كان يعكس تغيرا في الرأي بين صناع المسرح أم أنه اتجاه مؤقت يستغل الشعبية التي اكتسبتها هذه المواضيع في الآونة الأخيرة.
وفي الدراسة التالية، تستعرض الشروق تصريحات أبرز المخرجين والكتاب والنقاد الذين شاركوا أو تابعوا هذه التجربة عن كثب، لفهم أبعاد وتداعيات هذا التحول.
أوضح المخرج سعد هنداوي أن الاهتمام المتزايد بقضايا الأحوال الشخصية في الأعمال المسرحية ليس مقصودًا ولا مقصودًا، بل هو نتيجة طبيعية تعكس الواقع الاجتماعي. وأوضح أن الأعمال الدرامية تتناول بطبيعتها هموم الناس، ومن بينها قضايا الأحوال الشخصية، التي تمس شريحة واسعة من المجتمع.
وأعرب عن سعادته بالتفاعل الإيجابي الذي حققه مسلسل «فات المعيد»، مؤكداً أن فريق الإنتاج لم يتوقع هذا الإقبال الكبير، وأن النجاح لا يعتمد فقط على الموضوع المقدم، بل أيضاً على جودة التنفيذ والإتقان في كل جوانب العمل، من السيناريو إلى الإخراج والتمثيل.
وتابع أن الجمهور اليوم يتمتع بحس نقدي أكثر حدة، ويمكنه التمييز بين الأعمال التي تعالج القضايا بصدق وتلك التي تستخدمها كأداة تسويقية أو جذب سطحي. وأكد أن أصالة العمل الفني تعتمد على التدقيق في كل تفصيل، من السيناريو إلى بيئة التصوير وحتى الأداء التمثيلي.
أكد هنداوي أن التفاعل القوي على وسائل التواصل الاجتماعي يعكس الصلة الوثيقة بين الجمهور والعمل، ويُعد دليلاً واضحاً على نجاح إيصال الرسالة. وأضاف أن “فات الميد” ساهم في كسر حاجز الصمت المحيط بالعنف الأسري، وتفاعل الجمهور المصري مع قصص واقعية من الحياة اليومية.
يعتقد الكاتب ناصر عبد الحميد أن حضور قضايا الأحوال الشخصية في الدراما يعكس بدقة الأزمات الحقيقية للعلاقات الاجتماعية. ويؤكد أن هذه القضايا جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، ويجب أن تحظى بمكانة بارزة في الدراما.
أشار عبد الحميد إلى وجود نقص ملحوظ في الأعمال التي تناولت هذه القضايا بعمق في السنوات الأخيرة. وقد قدّمت أعمال مثل “تحت الحراسة” و”فاتن أمل حربي” و”فاتن الميعاد” نموذجًا شاملًا لمعالجة قضايا متعددة من وجهات نظر مختلفة، مما منح الجمهور قوة وتأثيرًا أكبر.
وأضاف أن سنوات خبرته الطويلة في العمل الصحفي، والتي خاض فيها تحقيقات تسلط الضوء على هموم الناس الحقيقية، دفعته إلى التركيز على تقديم قصص واقعية تعكس حياة الناس بعمق مع ترك مجال للنقاش والحوار، بدلاً من نقل الرسائل التقليدية المباشرة.
فيما يتعلق بتعاونه في مسلسل “فات الميعاد”، أوضح أن الفكرة مستوحاة من سيناريو قدمته شركة الإنتاج. تدور أحداث المسلسل حول امرأة في صراع مع زوجها السابق وزوجها الحالي، وتتخذ خطوات معقدة للاحتفاظ بحضانة أطفالها. ثم طور الفريق هذه الفكرة إلى قصة متكاملة من 30 حلقة.
واختتم كلمته بتسليط الضوء على التحديات التي واجهته في الكتابة، مثل ضمان تطور القصة بسلاسة عبر الزمن مع الحفاظ على تماسك الشخصيات والسياق الدرامي، فضلاً عن الجهد الكبير الذي بذله بالتعاون مع عدد من الخبراء المتخصصين لضمان دقة التفاصيل القانونية.
أوضح المخرج محمد شاكر خضر أن تناول المسرح لقضايا الأحوال الشخصية لم يأتِ من فراغ أو نزوة عابرة، بل هو نتاج تغيرات اجتماعية وقانونية جذرية تشهدها الأسرة المصرية والعربية حاليًا. وأكد أن تناول هذه القضايا يُظهر وعيًا حقيقيًا بدور الفن في كشف المشكلات الاجتماعية.
أشار خضر إلى تجربته مع مسلسل “تحت الوصاية”، الذي شكّل نقطة تحول مهمة في مسيرته الفنية. وأعرب عن استغرابه من استناد أحداثه إلى قصص حقيقية تؤثر في حياة العديد من النساء. وأوضح أن هدف العمل لم يكن تقديم حلول جاهزة، بل إثارة نقاش حول قوانين كالوصاية والتحديات القانونية والاجتماعية التي تواجهها المرأة.
كما أكد أن التعاون بين النص والمخرج والممثلين ساهم في نقل التجربة بواقعية وصدق، متجنبًا المبالغة أو الإساءة العاطفية، مما يضمن وصول الرسالة إلى الجمهور. وأوضح أن الدراما القائمة على فهم دقيق للواقع يمكن أن يكون لها تأثير ثقافي حقيقي، حتى لو لم تُفضِ إلى تغييرات تشريعية مباشرة.
اختتم خضير كلمته مؤكدًا أن دوره هو فتح باب النقاش بين الجمهور. وأضاف: “أنا لا أقدم حلولًا، بل أطرح أسئلةً وأتيح فرصة الحوار. هذا هو جوهر رسالة الفن، وربما واجبه أيضًا”.
وقالت الناقدة ماجدة موريس إن إدخال موضوعات الأسرة في الأعمال الدرامية لم يكن مجرد رد فعل على نجاح بعض المسلسلات، بل كان اتجاها متوقعا يواكب التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يعيشها المجتمع حاليا.
وأضافت أن الفن أصبح منصة مؤثرة لتسليط الضوء على ما خفي في هذه القضايا. وتُسهم أعمالها التي تتناولها بوعي وعمق في فتح حوار اجتماعي واسع، وتعزيز مراجعة القوانين والأعراف التي لم تعد ملائمة لواقعنا المعاصر.
أكد موريس على أهمية تناول هذه القضايا بجدية وتجنب السطحية. وأكد أن الدراما التي تترك أثرًا إيجابيًا في وعي الناس هي التي تتميز بجودة الإنتاج وقوة الممثلين، ما يجعل المشاهد يشعر بأن ما يُعرض على الشاشة قريب من حياته اليومية.
واختتمت موريس كلمتها بالتأكيد على أن تناول قضايا الأحوال الشخصية بشجاعة لم يعد ترفا فكريا أو توجها عابرا، بل أصبح ضرورة وواجبا فنيا وخطوة مهمة في رفع الوعي الاجتماعي والمطالبة بالتغيير الحقيقي في بعض المفاهيم والممارسات السائدة.
وصفت الناقدة ماجدة خيرالله اهتمامَ العروض المسرحية بمعالجة قضايا الأحوال الشخصية بأنه تطور منطقي وتدريجي يعكس تسارع التغير الاجتماعي وتنامي الوعي العام. وأضافت أن المسرح أصبح أداةً مهمةً لمعالجة قضايا ظلت مغلقةً أمام النقاش العام لفترة طويلة.
وأوضح خيرالله أن الجمهور اليوم أصبح أكثر انفتاحا على الأعمال التي تعالج قضايا مثل الطلاق وحضانة الأطفال وتربية الأطفال، بشرط تقديمها في سياق درامي متوازن يحترم ذكاء المشاهد ويبتعد عن المسرحيات السطحية التي تسعى إلى جذب الانتباه.
وأشارت إلى أن أعمالاً مثل «تحت الوصاية» و«فاتن آمال حربي» قدمت نموذجاً تقدمياً لتناول معاناة المرأة المصرية من خلال شخصيات وأحداث واقعية، دون مبالغة أو تمثيل مصطنع، مما منحها مصداقية وقبولاً لدى المشاهد.
كما أشادت بمسلسل “إلى أنا”، الذي يتناول قضايا اجتماعية مهمة بسرديات مستقلة، ويتناول مواضيع متنوعة كالعنف الأسري، والتمييز في الميراث، ونقص تعليم المرأة بشكل معمق. وأضافت أن هذا التنوع يمنح المسلسل بُعدًا اجتماعيًا قويًا.
واختتمت خيرالله حديثها مؤكدةً أن الجمهور قادر على التمييز بين الأعمال الجادة التي تتناول قضايا المرأة وتلك التي تستغلها لأغراض دعائية. وترى أن للمسرح مسؤولية اجتماعية كبيرة في هذا الصدد، وأن النجاح الحقيقي يكمن في تكامل عناصره الفنية، من نص وإخراج وتمثيل.
قالت الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن قضايا الأحوال الشخصية لطالما برزت في الدراما المصرية، إلا أنها غالبًا ما تُصوَّر من منظور غير موضوعي. وأوضحت أن الأعمال الدرامية غالبًا ما تميل إلى تفضيل طرف على آخر، فإما تُصوَّر المرأة باستمرار على أنها مُضطهدة، أو تُسلَّط الضوء على معاناة الرجل، وهو أمر نادر الحدوث.
وأضافت أن هذا التحيز لا يعكس الواقع الاجتماعي الحقيقي، فالدراما المصرية تعتمد بشكل متزايد على الخيال والخيال بدلاً من تصوير حياة الناس اليومية وقصصهم الحقيقية. وأكدت أن كُتّاب المسرحيات بدأوا يبحثون عن كل ما هو غير مألوف ومثير لجذب المشاهدين، مما يؤدي إلى دمج مواضيع متعددة في قصة واحدة، ما ينتج عنه إنتاجات غير واقعية، تتسم بانحياز واضح، مما يُضعف مصداقية المحتوى.
وأضافت منصور أن الأداء القوي للممثلين والإخراج الاحترافي يُقنع الجمهور بأن ما يشاهدونه مطابق للواقع، حتى وإن ابتعد عنه في كثير من الأحيان. وأضافت أن هناك العديد من المواقف الحياتية التي يُظلم فيها الرجال، لكن هذه الجوانب لا تُصوَّر بشكل كافٍ على الشاشة، مما يُؤدي إلى تحيز الدراما في تناولها لقضايا الأحوال الشخصية.
وأشارت إلى أن الدراما لم تكن متحيزة فحسب، بل بالغت في طريقة تناولها للقضايا من خلال تسليط الضوء على أكثر من نقطة إشكالية في القضية الواحدة، ما خلق شعوراً اجتماعياً بالديناميكية والقمع، وكأن المشاهد أمام الواقع كله وليس مجرد معالجة درامية.
وأشارت منصور إلى أن أغلب المسلسلات التي تناولت قضايا الأحوال الشخصية في السنوات الأخيرة مثل «تحت الولاية» و«فاتن آمال حربي» كانت تستهدف المرأة بشكل واضح.
أشارت إلى مسلسل “فات الميعاد” الذي عُرض مؤخرًا، مؤكدةً أنه يُصوّر زوجةً مسؤولةً مُحبةً للعائلة، تواجه زوجًا أنانيًا يُقصّر في مسؤولياته. يُركّز المسلسل على التضحية من جهة، والتمرد من جهة أخرى. ورأت أن هذا النهج موضوعيٌّ إلى حدٍّ ما. وأكدت أن مثل هذه الحالات، وإن كانت قد تحدث في الواقع، إلا أنها لا تجتمع في قصة واحدة، كما هو الحال في الأعمال الدرامية. وبرّر صناع المسلسل ذلك برغبتهم في تقديم أعمالٍ أكثر جاذبيةً للجمهور.