لماذا تعتبر معركة كردفان حاسمة في الحرب السودانية؟

بي بي سي
يظل الوضع في السودان معقدا، ولم يتمكن أي من الجانبين من حل الصراع لصالحه وتأكيد سيطرته على ثالث أكبر دولة في أفريقيا.
ينصب الاهتمام حاليًا على غرب السودان وإقليم دارفور، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على كامل البلاد باستثناء الفاشر، عاصمة الولاية الشمالية. وهذا يجعل الفاشر آخر مدينة رئيسية في المنطقة تحت سيطرة الجيش النظامي.
منذ أبريل 2024، تفرض قوات الدعم السريع حصارًا خانقًا على مدينة الفاشر، لم تتمكن القوات المسلحة النظامية من كسره حتى الآن.
إلى الشرق من الفاشر وغرب الخرطوم تقع منطقة كردفان، حيث تدور حاليا معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تكثف هجماتها في المنطقة.
وفي حين نجح الجيش النظامي في طرد قوات الدعم السريع من عدة مناطق، بما في ذلك الخرطوم والنيل الأبيض، فإن الأخيرة تسيطر الآن على أجزاء من شمال وغرب كردفان، وجيوب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأربع من الولايات الخمس في منطقة دارفور.
في يونيو/حزيران الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة المثلث الاستراتيجي في أقصى شمال غرب البلاد، وهي نقطة التقاء رئيسية بين السودان وليبيا ومصر. وهدفت إلى فتح طريق إمداد آمن للسيطرة الكاملة على منطقة كردفان، مع ترسيخ سيطرتها على دارفور.
ويرى مراقبون أن سيطرة هذه القوات على كردفان قد تؤدي إلى تقسيم السودان من جديد بين قوات الدعم السريع في الغرب والجيش النظامي في الشرق.
“ساحة معركة حاسمة ورمز للقوة السياسية والنفوذ.”
وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، قال الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني العميد جمال الشهيد إن منطقة كردفان كانت “ساحة معركة حاسمة في هذه الحرب التي اندلعت منذ أكثر من عامين”.
وعن الأهمية الإستراتيجية لكردفان قال الشهيد: “بسبب موقعها الجغرافي تشكل المنطقة حزاماً دفاعياً استراتيجياً بين وسط وغرب السودان، والسيطرة عليها مفتاح التحكم في خطوط الإمداد العسكري بين الخرطوم ودارفور والميناء الرئيسي في بورتسودان”.
وأشار الشهيد إلى أن “منطقة كردفان تضم مطارات يمكن استخدامها للنقل العسكري والدعم اللوجستي لطرفي النزاع. كما أن المنطقة قريبة من حقول النفط والذهب، مما يجعلها هدفًا مفضلًا لجميع الأطراف الساعية للسيطرة على موارد تمويل الحرب”.
من جانبه، أكد عمران عبدالله مستشار قائد قوات الدعم السريع، على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة كردفان باعتبارها “محوراً رئيسياً في الصراع الدائر في السودان، حيث تربط شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها”.
وفي مقابلة مع بي بي سي، لخص عمران الأهمية العسكرية لمنطقة كردفان على النحو التالي: “ممر حيوي للقوات والإمدادات يربط دارفور بوسط البلاد، بما في ذلك الخرطوم”.
وأشار عمران إلى مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان والتي توجد بها محطة سكة حديد رئيسية تربط غرب السودان بالشرق والشمال بالجنوب.
وعن الأهمية السياسية لكردفان، قال مستشار قائد قوات الدعم السريع: “المنطقة رمز للقوة والنفوذ السياسي في السودان، والسيطرة عليها قد تعزز موقف قواتنا المسلحة في الصراع”.
وعلى صعيد الفوائد الاقتصادية، يقول عمران عبدالله إن منطقة كردفان تمتلك موارد مهمة مثل الزراعة، وخاصة برنامج الجزيرة، وتربية الماشية.
ماذا نعرف عن المناطق التي يسيطر عليها الجيش وقوات الدعم السريع في السودان؟ | بي بي سي تحقق من الحقائق
«من يراهن على تقسيم السودان فهو كمن يراهن على السراب».
عندما سُئل عمران عن التقسيم في مقابلة مع بي بي سي، نفى نية قوات الدعم السريع تقسيم السودان. وادّعى أن هذه “ادعاءات وأكاذيب من ‘الحركة الإسلامية’ التي أشعلت الحرب وتحاول تشويه صورة قوات الدعم السريع وصرف الانتباه عن فشل الحل العسكري للمعركة”، على حد تعبيره.
من جانبه أكد العميد جمال الشهيد أن فكرة التقسيم طرحت أكثر من مرة وفشلت: “الذين يراهنون على تقسيم السودان كمن يراهن على السراب”.
وفي حديثه لبي بي سي، قال الشهيد: “نظراً للتعقيد العرقي والديموغرافي للسودان، فمن الصعب للغاية تقسيمه، خاصة وأن قوات الدعم السريع لا تمثل كل المجموعات القبلية في دارفور، التي ترفض مشروع التقسيم من الأساس”.
علاوة على ذلك، فإن تاريخ إقليم دارفور حافل بالصراعات بين القبائل العربية والأفريقية، مما يجعل عملية التقسيم بالغة الصعوبة والتعقيد. وحتى لو نشأت دولة، فإنها ستشهد صراعات داخلية تُلقي بظلالها على الدول المجاورة والمنطقة بشكل عام، كما قال الشهيد.
ويتفق ياسر زيدان، الباحث المتخصص في شؤون القرن الأفريقي بجامعة واشنطن، مع هذا الرأي، قائلاً: “لن تعتمد منطقتا كردفان ودارفور على قوات الدعم السريع، لأن لديها قوات محلية غير عربية موجودة في كردفان والفاشر، وسوف تستمر في الدفاع والقتال هناك”.
وقال زيدان إن “المجازر التي ارتكبتها وترتكبها قوات الدعم السريع بحق هذه المجتمعات المحلية والأصلية ستجعل من الصعب على السلطة التي تريد إقامتها في هذه المناطق”.
وفي مقابلة مع بي بي سي، أشار الباحث بجامعة واشنطن إلى أن “قوات الدعم السريع فشلت في محاولات سابقة في إقامة نموذج حكم في المناطق التي سيطرت عليها، مثل الجزيرة وسنار والخرطوم، قبل أن يحررها الجيش السوداني”.
وأشار الباحث زيدان إلى أن “قوات الدعم السريع لا تهدف إلى دولة صغيرة تضم دارفور وكردفان، بل إن مشروعها يشمل السودان بأكمله، كما تؤكد مرارًا”.
“تهديد لسلامة أراضي السودان”
رفض مجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، خطط قوات الدعم السريع لإقامة حكومة مضادة في المناطق التي تسيطر عليها.
وفي بيان شديد اللهجة، حذر مجلس الأمن من مثل هذه الخطوة، التي قال إنها “ستهدد وحدة أراضي السودان” وتؤدي إلى تفاقم الصراع الدائر على الأرض.
تجدر الإشارة إلى أن السودان وجنوب السودان كانا دولة واحدة حتى عام ٢٠١١. حينها فقط أعلن جنوب السودان استقلاله بعد عقود من الصراع مع الشمال. قبل هذا الانفصال، كان السودان أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة.
في عام ٢٠٠٣، وقعت إبادة جماعية في إقليم دارفور غربي السودان، راح ضحيتها، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، ما يقرب من ٣٠٠ ألف شخص، معظمهم من أصول أفريقية وينتمون إلى قبائل الزغاوة والمساليت والفور. ارتكبت المذبحة القوات النظامية السودانية وميليشيات عربية حليفة لها، تُسمى الجنجويد (المعروفة الآن بقوات الدعم السريع).
العودة إلى كردفان: بحسب عدد من المسؤولين في المنطقة فإن سكان المنطقة المعروفة بزراعة القمح والذرة الرفيعة مهددون بالمجاعة بعد تدمير محاصيل مهمة بسبب العنف بين الأطراف المتحاربة.
تتهم الأمم المتحدة طرفي الصراع في السودان باستخدام الجوع كسلاح. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يعاني حوالي 637 ألف سوداني حاليًا من المجاعة، ويحتاج حوالي ثمانية ملايين شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة.
وبحسب إحصاءات أميركية، قُتل في هذه الحرب أكثر من 150 ألف شخص ونزح نحو 14 مليون شخص على مدى أكثر من 28 شهراً، وهي أسوأ أزمة إنسانية في العالم.