أستاذ دراسات حربية في كينجز كوليدج بلندن يتنبأ بحرب أهلية في فرنسا والمملكة المتحدة

منذ 2 ساعات
أستاذ دراسات حربية في كينجز كوليدج بلندن يتنبأ بحرب أهلية في فرنسا والمملكة المتحدة

في دراسة مثيرة للجدل نُشرت في مجلة “الاستراتيجية العسكرية”، حذّر الباحث ديفيد بيتز، أستاذ الدراسات العسكرية في كلية كينغز لندن، إحدى أبرز جامعات العلوم العسكرية عالميًا، من تصاعد التوترات الداخلية في عدد من الدول الغربية، وخاصة فرنسا وبريطانيا. وأشار إلى أن هذه التوترات قد تتفاقم لتتحول إلى حروب أهلية في السنوات القادمة.

وأكد بيتز أن دراسته التي استندت إلى بيانات ودراسات اجتماعية وسياسية واسعة النطاق، ليست مقالة رأي عاطفية أو سيناريو كارثي لا أساس له من الصحة، بل بحث علمي خضع لمراجعة أكاديمية وتمت الموافقة على نشره، بحسب صحيفة لوفيجارو الفرنسية التي نشرت مقتطفات من الدراسة.

من التماسك الوطني إلى “القبائل المتحاربة”

ويشير بيتز إلى أن التنوع الاجتماعي ليس بالضرورة سبباً مباشراً للصراع، ولكن الوضع في الغرب اليوم مختلف جذرياً: “إن المجتمعات الأكثر هشاشة هي تلك التي تتمتع بدرجة معتدلة من التجانس، وخاصة عندما ترى الأغلبية التقليدية أن وضعها مهدد أو عندما تمتلك أقلية كبيرة القدرة على التمرد بمفردها”.

أشار أستاذ دراسات الحرب إلى أنه قبل جيل واحد فقط، كانت معظم الدول الغربية متماسكة بهوية مشتركة وتراث ثقافي موحد. أما اليوم، فتشبه هذه الدول “كيانات سياسية مجزأة، لغزًا من قبائل هوية متنافسة” تعيش غالبًا في مجتمعات معزولة.

ويدعم بيتز وجهة نظره بمفهوم “حرب الثقافة” الذي ناقشه عالم الاجتماع جيمس ديفيدسون هانتر، ويقتبس عن القاضي الأمريكي أوليفر ويندل هولمز: “بين مجموعتين تحاولان خلق عالمين غير متوافقين، لا أرى أي حل آخر غير العنف”.

فقدان الثقة في النخب السياسية

بالإضافة إلى الانقسام الاجتماعي، يبرز عامل آخر لا يقل خطورة: تراجع ثقة الشعب بالطبقة السياسية. يتهمها كثيرون بالعيش في “فقاعة”، وبانفصالها عن الواقع، وعجزها عن إدراك حجم التحديات أو تقديم حلول فعّالة. هذا الانقسام المتنامي يُغذّي شعورًا بالإقصاء، وأحيانًا بالغضب المكبوت، ويهدد بتقويض النسيج الوطني.

تزامن ذلك مع ركود اقتصادي هيكلي ضغط على الطبقة المتوسطة، وزاد من البطالة، وركز الثروة في أيدي قلة قليلة. ويرى المؤلف أن هذا المزيج السياسي والاقتصادي خلق بيئة مثالية لاندلاع الصراع الداخلي.

الانقسامات الديموغرافية والسياسية

أشار بيتز إلى أن التغير الديموغرافي يزيد الوضع تعقيدًا. فالمراكز الحضرية الكبرى تشهد الآن نسبة عالية من المهاجرين، بينما المناطق الريفية أكثر تجانسًا. وقد يؤدي هذا الواقع إلى صراعات داخلية مستقبلية على أسس عرقية، تتجلى في مواجهة بين المناطق الحضرية والريفية.

علاوة على ذلك، يتعمق الاستقطاب السياسي. فالمدن الأكبر والأكثر تنوعًا غالبًا ما تتبنى مواقف سياسية تتعارض مع بقية البلاد. يشير بيتز إلى نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الأوروبية الأخيرة: صوّتت 457 دائرة انتخابية فرنسية لصالح التجمع الوطني، بينما صوّتت 119 دائرة انتخابية فقط – معظمها حضرية – لأحزاب أخرى.

«المدن البرية» وفقدان السيطرة

يُحذّر بيتز من “أزمة حضارية” بدأت تُقوّض أسس المجتمعات الغربية. ويتجلى ذلك في فقدان الدولة لسيطرتها على بعض المناطق الحضرية الكبيرة، التي يُطلق عليها “المدن البرية” – وهو مصطلح استعاره من الباحث ريتشارد نورتون عام ٢٠٠٣.

يصف هذه المدن بأنها موطن لأكثر من مليون نسمة، وأن السلطات عاجزة عن إنفاذ القانون، رغم بقائها جزءًا من المشهد الدولي. وتتميز هذه المدن بارتفاع معدلات الفساد، وانتشار الجريمة في المناطق الخارجة عن السيطرة، وتهالك البنية التحتية، وتراجع الصناعة، والديون الهائلة، ونظام أمني مزدوج (الشرطة العامة وقوات الأمن الخاصة).

سيناريو الحرب الأهلية

وبحسب بيتز فإن اندلاع الحرب الأهلية من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الأمن العام وفقدان السيطرة على النظام، وتصاعد العنف العرقي والطائفي، وانهيار الشرعية السياسية، والشلل الاقتصادي الكامل في المناطق المتضررة.

تُعتبر هذه المناطق “أراضٍ مفقودة” من قِبل بقية البلاد، خاضعة لسيطرة “قوى أجنبية”. ستعتمد استراتيجية المتمردين على تدمير البنية التحتية لإحداث انهيار كامل، مما يؤدي إلى فوضى عارمة في المدن، وبالتالي تسريع زعزعة الاستقرار الوطني.

العواقب المتوقعة

ويحدد بيتز السمات المتكررة لكل حرب أهلية، بما في ذلك: تدمير التراث الثقافي (المتاحف والمحفوظات والآثار) من خلال التخريب أو النهب؛ والنزوح الجماعي للسكان، والذي غالبا ما يكون منهجيا ومتعمدا، مما يغير البنية الديموغرافية ويعطل الروابط الاجتماعية؛ والطبيعة المطولة للصراع؛ وارتفاع عدد القتلى، والذي يمكن أن يصل في الحالات القصوى إلى الملايين.

احتمالية الحدوث

وفقًا لحسابات بيتز، فإن أي دولة تُهيئ ظروفًا مواتية لحرب أهلية تُواجه خطرًا سنويًا يُقارب 4%. وعلى مدار خمس سنوات، يرتفع هذا الخطر إلى 19%. وإذا تعرضت عشر دول أوروبية على الأقل لهذا السيناريو، فإن احتمالية أن تشهد إحداها صراعًا داخليًا خلال السنوات الخمس المقبلة تبلغ 87%. وعند تحليل 15 دولة، يرتفع هذا الاحتمال إلى 95%.

يقول الباحث إن الأخطر من ذلك هو أن هذه الاضطرابات قد تنتشر بسرعة. ويُقدر احتمال امتداد الصراع من دولة غربية إلى أخرى خلال خمس سنوات بنسبة 60%.

ويخلص بيتز إلى أن فرنسا وبريطانيا هما الأكثر عرضة للخطر، إذ هناك بالفعل علامات تحذيرية مثل الهجمات الإرهابية والعنف العرقي والاضطرابات الاجتماعية.

وهذا يذكرنا بتصريحات الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند عام 2016، حين تساءل: “كيف يمكننا تجنب الانقسام؟ لأن هذا بالضبط ما يحدث”.


شارك