ألفا ساكن بقلب باريس يتحدون لشراء منزل من القرن التاسع عشر وتحويله لملاذ يحارب العزلة

قرر مئات الجيران في أحد أحياء باريس كسر جدران العزلة التي فرضتها المدينة. ليس بالكلام أو المبادرات الاجتماعية فحسب، بل بخطوة جريئة وعملية: شراء “منزل مشترك” يعود للقرن التاسع عشر، ليصبح قلب الحي ونبضه.
وتُظهر هذه التجربة غير المسبوقة في العاصمة الفرنسية كيف يمكن للتعاون والتضامن أن يحوّلا الإغلاق إلى احتضان اجتماعي دافئ.
ذكرت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية أن حوالي 15 ألف شخص يسكنون الدائرة الرابعة عشرة في باريس، الواقعة بين شارع الجنرال لوكلير، وشارع رينيه كوتي، وشارع رييل، بالقرب من ساحة الإليزيه وحديقة مونسوري. إلا أن هذا الحي لا يشبه أي حي آخر في العاصمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن “مجتمعاً فريداً من نوعه نشأ في هذا الحي، يطلق على نفسه اسم الجيران المفرطين، أو كما يحلو للبعض أن يسميهم الدببة الودودة الراديكالية، في إشارة إلى روحهم الاجتماعية المتفائلة والمبادرة”.
منذ عام 2017، تعمل جمهورية الجيران المفرطين، التي أسسها باتريك برنارد، على نشر ثقافة المشاركة والتواصل بين سكانها.
بدأ كل شيء مع “مائدة أود”، أطول مائدة في باريس، والتي تُقام كل نوفمبر في منتصف الشارع. هناك، يُنصب أكثر من ألف كرسي وطاولات متصلة، ويحضر كل شخص طبقًا ليتشاركه. يُذكرنا المشهد بمهرجانات القرى التقليدية أكثر من صخب العاصمة.
* المشروع العقاري المشترك… قلب جديد للحي
وفي خطوتهم الجريئة الأخيرة، قرر نحو 2000 من هؤلاء الجيران شراء مبنى يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، بمساحة 120 مترًا مربعًا، في الحي ليكون “مسكنهم المشترك”.
آلية التمويل مبتكرة: كل جار يشتري “قطعة بناء” أو “حصة” بقيمة 1000 يورو، وبالتالي يمكنه جمع المبلغ اللازم لشراء العقار.
لن يكون هذا المنزل مقرًا فقط، بل سيكون مركزًا مفتوحًا للجميع، يستضيف الأنشطة الثقافية وورش العمل الإبداعية والاجتماعات والمهرجانات المحلية، وحتى المبادرات البيئية المحلية.
يصف باتريك برنارد المشروع بأنه “القلب النابض للحي”، حيث يمكن للجميع الالتقاء والتخطيط لمشاريع مشتركة أو ببساطة شرب القهوة والدردشة بعيدًا عن صخب المدينة وضجيجها.
* أنشطة مضطربة
بالإضافة إلى المشروع العقاري، ينظم جيران هايبرنيبورس أنشطة مختلفة على مدار العام: أمسيات موسيقية، وعروض مسرحية محلية، وورش عمل تعليمية للأطفال والكبار في مجالات مثل الزراعة الحضرية، والطبخ، والتصوير الفوتوغرافي، وتنظيف شوارع وأزقة الحي، والمقاهي الصباحية المفتوحة حيث يمكن للجيران التوقف والدردشة قبل العمل.
ولا تعد هذه الأنشطة ممتعة فحسب، بل إنها تعمل أيضًا على تعزيز الروابط بين السكان وإنشاء شبكة دعم اجتماعي تساعدهم على التغلب على تحديات العيش في مدينة مزدحمة مثل باريس.
* رسالة إلى المدن الكبرى
في وقتٍ تعاني فيه المدن الكبرى، رغم كثافتها السكانية، من العزلة الاجتماعية، يُقدّم هذا الحيّ نموذجًا مُلهمًا. فالمساحة المشتركة لا تقتصر على العقارات؛ بل هي وسيلةٌ لاستعادة الشعور بالانتماء للمجتمع. وكما قال أحد المشاركين: “الأمر لا يقتصر على الجدران والأسقف… بل هو تقريب القلوب”.