الفلسطينية صفاء: أبيع ذكريات طفلتي الشهيدة لأطعم إخوتها

في خيمة لاجئين متهالكة جنوب قطاع غزة، تجلس الفلسطينية صفاء الفرماوي على حصيرة وتحتضن ملابس ابنتها غزال التي قتلها جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء انتظارها مساعدات إنسانية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
تحت ضغط التجويع الممنهج والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 22 شهراً ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، اضطرت صفاء إلى الذهاب مع ابنتها إلى نقاط توزيع المساعدات التي أصبحت تُعرف باسم “فخاخ الموت”.
لكن رحلتهم بحثًا عن لقمة عيش انتهت بعودة الأم وحيدة. تحمل ذكريات ابنتها غزال، ابنة الخمسة عشر ربيعًا، بين يديها، تضم ملابسها إلى صدرها، وترفعها بين الحين والآخر إلى وجهها، راجيةً أن تستنشق ما تبقى من رائحتها كتعزية مؤقتة لألم الفقد.
هذا الشوق المُلِحّ يُقابله جوعٌ لا يلين. لا خيار أمام الأم سوى بيع ما تبقى من ملابسها التي نسجتها لتأمين لقمة عيش أطفالها الثلاثة. إنهم يتضورون جوعًا في ظروفٍ مأساويةٍ في خيمةٍ تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
ويضطر بعض الفلسطينيين إلى شراء الملابس المستعملة بسبب حظر استيراد السلع والملابس الجديدة إلى قطاع غزة منذ عامين.
وتضطر العائلات إلى شراء ملابس لأطفالها تغيرت مقاساتهم في العامين الأخيرين، وأصبحوا بحاجة إلى ملابس تناسبهم، وليس باعتبارها ترفاً لم يعد متوفراً في هذه الصناعة.
بعيدًا عن رقابة الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية، بدأت تل أبيب في 27 مايو/أيار بتنفيذ خطة لتوزيع المساعدات عبر ما يُسمى “مؤسسة الإغاثة الإنسانية في غزة”، وهي خطة رفضتها الأمم المتحدة. وتستدرج هذه الخطة الجياع وتستهدفهم بنيران كثيفة.
منذ تطبيق هذه الآلية، ارتفع عدد القتلى إلى 1859 وعدد الجرحى إلى 13594. ويعود ذلك إلى إطلاق الجيش الإسرائيلي النار يوميًا على المنتظرين للحصول على المساعدة، وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة يوم الثلاثاء.
النزوح المتكرر والحياة غير الآمنة
تعيش صفاء هاربةً بسبب أوامر عسكرية إسرائيلية. بعد أن عاشت في المناطق الشرقية من خان يونس، اضطرت للنزوح عدة مرات حتى استقرت في منطقة المواصي غرب المدينة.
وقالت السيدة الفلسطينية لمراسل وكالة الأناضول للأنباء، إن الجوع ونقص الطعام والشراب دفعها إلى بيع ملابس ابنتها المتوفاة من أجل إطعام أطفالها.
وأضافت: “لا يوجد طعام ولا شراب، أبيع ملابس الشهيدة غزال وأطبخ الطعام لأطفالي، فلا معيل لي والحرب مستمرة”.
بيع الذكريات من أجل البقاء
وتابعت الأم: “سأضطر لبيع غزل قطعة ملابس ثانية. ابنتي عزيزة عليّ، وملابسها عزيزة عليّ. هي جزء من روحي، لكنني أُجبرت على فعل هذا”.
تقول إنها كانت تأمل أن تُخلّد ملابس ابنتها في الذاكرة، لكنها اضطرت لبيعها لشراء الطعام لأطفالها. مؤخرًا، باعت آلة غزل واشترت كيلوغرامًا من الباذنجان. وبسبب قلة دخلها، تضطر لبيع ما تبقى من ملابسها.
قبل الحرب، عملت صفاء في إنتاج وبيع مواد التنظيف، لكن إغلاق المعابر الحدودية وحظر استيراد المواد الخام أجبرها على ترك عملها.
يشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه. فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشهد غزة تجويعًا ممنهجًا وإبادة جماعية على يد إسرائيل.
حذرت دائرة الإعلام الحكومي في قطاع غزة، الأربعاء، من كارثة إنسانية غير مسبوقة بسبب تفاقم سوء التغذية الناجم عن المجاعة الإسرائيلية، حيث يعاني 1.2 مليون طفل من “انعدام شديد للأمن الغذائي”.
وأعلنت الحكومة أن حصيلة القتلى جراء المجاعة الإسرائيلية ارتفعت إلى 235 فلسطينيا، بينهم 106 أطفال و19 امرأة و75 مسناً و35 رجلاً (فوق 18 عاماً).
حذّر البرنامج مؤخرًا من أن “ثلث سكان غزة يعانون من انعدام الطعام لعدة أيام”، ووصف الوضع الإنساني بأنه “غير مسبوق في مستوى الجوع واليأس”. في غضون ذلك، أكدت الأمم المتحدة أن غزة بحاجة إلى مئات شاحنات المساعدات يوميًا لإنهاء المجاعة الناجمة عن الحصار والإبادة الجماعية.
استشهاد غزال
وعن ملابسات استشهاد ابنتها، تقول صفاء: “ذهبتُ مع ابنتي إلى دوار العلم غرب رفح، حيث أطلق الجنود النار علينا. استلقينا على الأرض وسط حشد كبير، ثم تقدمنا قليلاً، ولكن عندما أطلقوا النار مجدداً، فقدت ابنتي ولم أجدها إلا في مستشفى ناصر – شهيدة”.
وأضافت “لقد صدمت وبدأت بالصراخ عندما رأيت ابنتي مغطاة بالدماء بعد إصابتها برصاصة متفجرة”.
وأضافت أن ابنتها الثانية، جنى، أصيبت بشظايا، استقرت إحداها في كبدها. وأوضحت أنها كانت تعاني من ألم مستمر، ولا تستطيع النوم ليلًا، وتبكي باستمرار.
توضح الأم أنها تعيش في خيمة وليس لديها دخل. تعتمد على وجبات دار الرعاية المجانية، لكن أطفالها يعودون أحيانًا خاليي الوفاض.
وبحسب برنامج الغذاء العالمي، يعاني نحو 100 ألف طفل وامرأة من سوء التغذية الحاد، في حين يعيش ربع سكان قطاع غزة في ظروف أشبه بالمجاعة.
وفي الثاني من أغسطس/آب، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن عددا “غير مسبوق” من الأطفال يموتون في غزة بسبب الجوع وتدهور الظروف المعيشية نتيجة للإبادة الجماعية الإسرائيلية.
يوم الثلاثاء، أصدر 27 شريكًا دوليًا، من بينهم المملكة المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، بيانًا مشتركًا بشأن القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية وعمل منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة. وذكر البيان أن المعاناة الإنسانية وصلت إلى مستويات “لا تُصدق”.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة، من قتل وتجويع وتدمير وتشريد، متجاهلة الدعوات والأوامر الدولية من محكمة العدل الدولية لوضع حد لها.
أودت الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحياة 61,722 شخصًا وجرحت 154,525 آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء. واختفى أكثر من 9,000 شخص، ونزح مئات الآلاف، وأودت المجاعة بحياة 235 شخصًا، من بينهم 106 أطفال.