حصن من الطين في الصحراء.. “طابية الدراويش” سر تاريخي في قلب الواحات – صور

في قلب الصحراء الغربية، حيث تنتشر واحات النخيل وتختبئ القصص القديمة بين حبات الرمال، تقف قلعة شامخة من الطوب اللبن، صامدة في وجه عواصف الزمن ورياح النسيان.
إنها “قلعة الدراويش” وهي قلعة حصينة بنيت منذ قرون لحماية واحات الوادي الجديد من الغارات والغزوات القادمة من الجنوب.
تقع هذه القلعة الفريدة على بعد 20 كيلومترًا جنوب واحة باريس، وهي واحدة من خمس قلاع متبقية تم بناؤها في القرن التاسع عشر في عهد الخديوي توفيق.
ويستكشف ايجي برس تفاصيل رحلة تاريخية رائعة، ويكشف أسرار هذه القلعة المنسية ودورها المحوري في الدفاع عن مصر ضد هجمات الدراويش القادمين من السودان.
بداية القصة
يعود تاريخ تابيا الدراويش إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين تم بناء خمسة تابيا (حصون) في واحة باريس لحمايتهم من الغارات المتكررة.
أكد عالم الآثار منصور عثمان، المتخصص في الآثار الإسلامية بالوادي الجديد، لموقع ايجي برس في تصريحات خاصة، أن القوات المسلحة المصرية أولت هذه الواحات اهتمامًا بالغًا، كونها خط الدفاع الأول لمصر، ما جعلها هدفًا للغزاة من مختلف الجهات عبر التاريخ، من النوبيين إلى بربر الصحراء الكبرى.
أوضح منصور أنه في عام ١٨٩٣ (١٣١٠م)، وصلت طلائع من الدراويش من السودان لاستكشاف الطريق بين مصر والسودان عبر واحة باريس، واستكشاف إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية هناك. وفي الأول من أغسطس عام ١٨٩٣م، وصلت هذه القوات بالفعل إلى مدينة باريس، مما دفع الحاكم العسكري للواحة، اليوزباشي خليل حمدي أفندي، إلى بناء هذه الحصون لصد هجماتهم المحتملة.
التفاصيل الفنية
من بين الأبراج الخمسة، لم يبقَ إلا برج واحد سليم. يقع هذا البرج في قرية المِقْص القبلي، جنوب واحة باريس. وأوضح محسن عبد المنعم الصايغ، مدير هيئة تنشيط السياحة المصرية بالوادي الجديد، لموقع ايجي برس أن هذا البرج بُني على شكل مربع يتناقص تدريجيًا نحو الأعلى.
أوضح محسن أن قاعدة الحصن تبلغ أبعادها حوالي 5 × 5 أمتار، وتتناقص تدريجيًا إلى 3 × 3 أمتار عند القمة. ويصل ارتفاعها إلى حوالي 10 أمتار، مما يجعلها موقعًا استراتيجيًا للمراقبة والدفاع. وقد بُنيت على مصطبتين من الطوب اللبن، ويمكن الوصول إلى المصطبة العلوية عبر درجين في الجزء الشمالي الغربي.
وعن هيكل البناء أوضح رشاد كرار حسب، خبير تراث الواحات وأحد أبرز العائلات في واحة باريس، ايجي برس، أن القلعة بنيت من الطوب اللبن، وغطت طابقيها عتبات خشبية مصنوعة من سعف النخيل، مدعومة بجذوع النخيل وأغصان نخيل الدوم.
وأشار إلى أن هذا الطراز المعماري الفريد، رغم تأثره لاحقاً سلباً بسبب أضرار النمل الأبيض للخشب، إلا أنه أظهر عبقرية المهندسين الذين استغلوا الموارد المتوفرة في الصحراء.
كشف كرار أن اسم الحصن سُمي “حصن الدراويش” نسبةً إلى هجمات الدراويش القادمين من السودان، الذين هاجموا سكان الواحات ونهبوا ثرواتهم. وأشار إلى أن هذه الحصون استُخدمت لاحقًا في العهد الملكي لمقاومة الثورات ضد البريطانيين، وأشهرها ثورة عبد الله التعايشي.
اكسسوارات عتيقة
لم يكن حصن الدراويش مجرد برج مراقبة، بل كان مركزًا عسكريًا متكاملًا. وقد أكد عالم الآثار منصور عثمان، المدير السابق لمصلحة الآثار بالخارجة وباريس، لموقع ايجي برس، أن بعض الوحدات المعمارية أُضيفت لاحقًا إلى الحصن، منها غرفتان مستطيلتان من الطوب، ربما كانتا تُستخدمان كمستودعات أسلحة أو ثكنات للجنود.
أوضح عثمان أن الغرفة الأكبر يبلغ طولها 6.10 أمتار وعرضها 3.60 أمتار، بينما يبلغ طول الغرفة الأصغر 1.50 مترًا وعرضها 1.30 مترًا. وكلاهما سُقِّفا بنفس طريقة الطابية الأصلية، أي بسعف وسعف النخيل.
كنوز ثقافية وسياحية
تُعدّ منطقة طبيعة الدراويش اليوم وجهةً سياحيةً فريدة تجمع بين التاريخ العريق والطبيعة الساحرة. وهذا ما أكّده فرحات شعيرة، الخبير السياحي والممثل السابق لوكالة الإنعاش السياحي، وهو من أبناء الواحة الباريسية، قائلاً: “تزخر المنطقة بالعديد من المعالم السياحية التي تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. ومن أشهرها:
1- عين الطابية: عين طبيعية غنية بالمعادن تروي عطش المسافرين عبر الصحراء.
2- جبل الطابية: جبل شاهق يوفر إطلالة بانورامية ساحرة على المنطقة.
3- واحة الطابية: واحة صغيرة خضراء مليئة بأشجار النخيل تنبض فيها الحياة في قلب الصحراء القاحلة.
4- كهف الطابية: كهف طبيعي كبير مليء بالنقوش والمنقوشات الصخرية القديمة التي توثق حياة أجدادنا في هذه المنطقة.
ورغم الأهمية التاريخية والثقافية لهذه المنطقة، أشار خبير التراث رشاد كرار إلى أن قلعة الدراويش تقع خارج المسارات السياحية بالوادي الجديد، وأكد على ضرورة التواجد الإعلامي القوي للتعريف بتاريخ وتراث هذه المنطقة الواعدة.
وفي عام 2000 تم تسجيل المنطقة بالكامل كموقع أثري بموجب القرار رقم 573، مما مهد الطريق لجهود الحفاظ عليها وتطويرها لتصبح وجهة مهمة على خريطة السياحة المصرية.