اللواء محمد الكشكي يكتب: المحاربون الجدد: عندما يصبح الماوس أخطر من البندقية

منذ 3 ساعات
اللواء محمد الكشكي يكتب: المحاربون الجدد: عندما يصبح الماوس أخطر من البندقية

كنت في صالة الألعاب الرياضية، حيث كانت أجهزة التلفاز تعمل طوال الوقت، وما لفت انتباهي هو الإعلان عن بطولة العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض، والتي يشارك فيها 2500 لاعب من حوالي 100 دولة، بمجموع جوائز يبلغ 60 مليون دولار على مدى ثمانية أسابيع، و7 ملايين دولار للفائز بالمركز الأول.

لقد شهدت كيف يستخدم هؤلاء الشباب أجهزة الكمبيوتر باحترافية ويطورون الاستراتيجيات، وخطر ببالي: ماذا لو تم استغلال هؤلاء الشباب وتسجيلهم في كليات تقنية خاصة مرتبطة بالقوات المسلحة لبناء جيش مستعد للحروب المستقبلية؟

بدأتُ البحثَ في الموضوع أكاديميًا، واكتشفتُ أن آخرين يفكرون بنفس الطريقة. قبل أسبوعين، نُشر مقالٌ مهمٌّ لإليز ستيفانيك وستيفن برينس في صحيفة واشنطن بوست بعنوان “هذا أفضل دفاع لنا ضد الحرب السيبرانية”. كما حلل أستاذنا المرموق، الدكتور محمد كمال، الموضوعَ في مقالٍ بصحيفة الأهرام بعنوان “من يستفيد من أفضل طلاب الثانوية العامة؟”. مع ذلك، أتناول الموضوع من منظورٍ عسكريٍّ أكثر.

إن الحروب التقليدية، التي اعتمدت على الجنود والسرايا والفرق والألوية والكتائب في المواجهات المباشرة، تقترب من نهايتها. نحن على أعتاب عصر جديد تُخاض فيه الصراعات على جبهات مختلفة تمامًا. لن تُحسم الحروب الحديثة بالأسلحة فحسب، بل بالطائرات المسيرة المُسيّرة عن بُعد، والأمن السيبراني لحماية البنية التحتية الوطنية، والذكاء الاصطناعي الذي يستهدف الأنظمة والمعلومات.

يجلس المحارب خلف شاشة في غرفة آمنة، يتحكم بطائرة بدون طيار بمهارة فائقة. بالأمس، كانت المعدات الثقيلة رمزًا للقوة؛ أما اليوم، فهي القدرة على شلّ أنظمة الحاسوب في البنوك المركزية، ومحطات الطاقة، والمستشفيات، وأنظمة النقل، وشبكات المياه والكهرباء، وبالتالي شلّ حركة السكان المدنيين تمامًا دون إطلاق رصاصة واحدة. (أتذكر شابًا صينيًا، أثناء وجوده في الصين، افتتح سدًا في أمريكا، وبسبب تحكمه عن بُعد، اضطر إلى استبدال عدد كبير جدًا من أنظمة الحاسوب).

وهذا يجعل الحرب الرقمية أكثر فتكًا وشمولاً، مما يتطلب منا الاستعداد للتحديات التي لم نشهدها من قبل.

يمتلك الشباب المتفوقون في ألعاب الفيديو المهارات الأساسية لهذه المعارك الجديدة. فهم قادرون على التركيز لساعات، ومرنون في التعامل مع التغيير، ولديهم فهم عميق للأنظمة الرقمية، وقادرون على العمل كفريق واحد لتحقيق هدف مشترك. هذه هي الصفات التي يحتاجها القائد أو الجندي في حروب المستقبل.

يشير مستقبل الحرب الرقمية مع صعود الذكاء الاصطناعي إلى تغيير جذري في طبيعة وأساليب الصراع العسكري، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي قوة مركزية تعمل على إعادة تشكيل خصائص الحرب بشكل شامل.

يتميز مستقبل الحرب الرقمية بالدور المتزايد للذكاء الاصطناعي:

يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات العسكرية والاستخباراتية بسرعة البرق، واتخاذ قرارات عسكرية بسرعة ودقة تفوقان القدرات البشرية. لكنه في الوقت نفسه يزيد من الضغط على عملية صنع القرار. فهو قادر على شن هجمات إلكترونية معقدة ومتزامنة على نطاق واسع، يصعب على الدفاعات التقليدية مواجهتها. وفي الوقت نفسه، يتميز بقدرته العالية على التكيف، ويتعلم من الهجمات السابقة لتحسين التكتيكات والهجمات المستقبلية.

يُغيّر الذكاء الاصطناعي نمط الحرب الهجينة بدمجه العمليات العسكرية التقليدية مع الهجمات الإلكترونية. كما يمتلك قدرات في الحرب البيولوجية من خلال تطوير أمراض أشد فتكًا ونشرها بسرعة أكبر.

أتمتة العمليات العسكرية: (استخدام الآلات في مهام كان البشر يؤدونها سابقًا). يشمل ذلك استخدام أسلحة ذاتية التشغيل، مثل الطائرات المسيرة والسفن التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والتي يمكنها تحديد الأهداف وتنفيذ الهجمات دون تدخل بشري مباشر، مما يزيد من الكفاءة العسكرية، ولكنه يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية.

– الحرب النفسية والخداع من خلال الذكاء الاصطناعي: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في حملات التضليل والتلاعب بالرأي العام، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الحملات الإلكترونية التي تستهدف نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بالخصوم، مما يخلق أبعادًا جديدة للحرب النفسية.

التحديات الأخلاقية والقانونية: مع تزايد الاعتماد على الأنظمة ذاتية التشغيل وسرعة العمليات، ثمة خطر من تراجع السيطرة البشرية على استخدام القوة. وهذا يتطلب وضع ضوابط وقواعد صارمة للاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الاصطناعي في الحروب.

– سباق التسلح الرقمي: تستثمر دول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي العسكرية، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات ودفع العالم إلى مرحلة جديدة من سباق التسلح التكنولوجي.

دور الذكاء الاصطناعي في الدفاع السيبراني: بالإضافة إلى الهجمات، يساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الدفاع السيبراني من خلال الكشف عن الهجمات السيبرانية ومكافحتها بسرعة وبشكل تلقائي، وبالتالي زيادة قدرة الجيش على حماية بنيته التحتية الحيوية.

ومن المهم أن تكون لدينا استراتيجية لبناء هذا الجيش السيبراني، باتباع بعض التوصيات المشابهة لتلك التي قدمتها دول مثل الصين.

*مقترح استراتيجي طموح لتطوير قدراتنا في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية. تركز هذه الاستراتيجية على عدة محاور رئيسية:*

– الاستثمار في التعليم والبحث العلمي: من المهم تخصيص ميزانيات مناسبة للجامعات ومراكز البحوث وتوفير المنح الدراسية للطلبة المتفوقين من أجل بناء جيل من الكوادر المؤهلة.

– تحديث المناهج الدراسية: سيتم دمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية في مناهجنا في مرحلة مبكرة وسيتم إنشاء برامج أكاديمية متخصصة تركز على الجوانب التطبيقية.

التعاون مع القطاع الخاص: نعمل على بناء شراكات بين الجامعات والشركات لتوفير فرص تدريبية للطلاب ودعم مشاريع بحثية مشتركة. كما ندعم حاضنات الأعمال لتعزيز الابتكار.

استقطاب المواهب العالمية: تنفيذ برامج لجذب الباحثين والعلماء من مختلف أنحاء العالم، وتسهيل إجراءات إقامتهم، وتحسين التعاون الدولي في هذه المجالات.

– التركيز على التطبيقات العسكرية: استخدام هذه التقنيات لتطوير قدراتنا العسكرية، وتحسين الأمن السيبراني، وتشجيع الخريجين المتميزين على الانضمام إلى الجيش.

باختصار، سيجعل الذكاء الاصطناعي الحرب الرقمية أكثر تعقيدًا وفتكًا، مع تسريع العمليات العسكرية وزيادة الأتمتة. ومع ذلك، يتطلب الأمر أيضًا إدارةً دقيقةً لضمان الاستخدام المسؤول وتقليل المخاطر على المدنيين والأمن الدولي.

إن استثمار الحكومة في هذه المواهب ليس مجرد فكرة مبتكرة، بل ضرورة حتمية للحفاظ على التفوق الاستراتيجي. فبدلاً من حصر هذه المهارات في صالات الألعاب، يمكن تحويلها إلى قوة عسكرية فعّالة قادرة على مواجهة التهديدات السيبرانية، وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي دفاعية وهجومية، والتحكم في أسراب الطائرات المسيرة. وبذلك، حوّلنا هواية جيل كامل إلى أداة فعّالة لحماية الأمن الوطني، مُثبتين أن ساحة المعركة القادمة قد تكون شاشة الكمبيوتر، وأن الأبطال هم من يتقنها.

– اللواء أحمد محمد الكشكي، مدير مركز الشئون الدولية بجامعة بدر، وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة، ووكيل وزير الدفاع الأسبق.


شارك