صنعاء القديمة.. تراث معماري تهدده أمطار الخريف

الباحث اليمني خالد السعيدي: وتعرضت المدينة لأضرار بالغة جراء الأمطار الغزيرة، خاصة في فصل الخريف. – انهارت المنازل المتضررة وغير المرممة في نهاية المطاف. هناك نقص واضح في جهود تعافي المدينة وخطط الطوارئ الفعلية.
بسبب الأمطار الموسمية الغزيرة، تواجه العاصمة اليمنية صنعاء تهديدًا وجوديًا. أحد أقدم نماذج العمارة الطينية في العالم معرض لخطر الانهيار. المدينة مُدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
المدينة (شمال) التي أشاد بها كبار شعراء اليمن واعتبرتها مهد الجمال والحضارة، أصبحت مهددة بالتحول إلى خراب ينعيها الشعراء أنفسهم، وسط تحذيرات متزايدة من انهيار معظم معالمها بسبب هشاشة مبانيها وكثافة الأمطار.
تتميز مدينة صنعاء القديمة بطرازها المعماري الغني، حيث تزدان بأشكال متنوعة كالأسوار والمساجد والحمامات والأسواق والمدارس. ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الأول الميلادي.
بسبب أسابيع من الأمطار الغزيرة، تتعرض مئات المنازل التاريخية المبنية من الطوب اللبن لخطر جسيم. وتسابق السلطات الزمن لإنقاذ تراث البلاد بإطلاق حملة ترميم طارئة للمباني المتضررة من الفيضانات.
يوجد في المدينة أكثر من 6000 منزل طيني، بعضها يبلغ ارتفاعه ستة طوابق، وكلها عمرها 2500 عام.
– مشروع الدعم
انطلق مؤخرا مشروع لإنقاذ عدد من المنازل التاريخية من الانهيار بدعم من أمانة صنعاء وصندوق إعادة التأهيل ووزارة الأشغال العامة التابعة للحوثيين.
وتشمل عملية إعادة الإعمار الطارئة أكثر من 100 منزل، بعضها دمر كلياً أو جزئياً، فيما تضرر الطابع التاريخي لبعض المنازل بشدة جراء الأمطار الغزيرة والفيضانات، بحسب تقارير محلية.
يتم اختيار المباني المراد ترميمها من قبل لجنة تقييم بناء على معايير تتعلق بمدى الضرر والوضع المالي لصاحب المنزل والقيمة التاريخية للمبنى.
يُشكّل تغيّر المناخ تحديًا إضافيًا يُفاقم معاناة اليمن. لقد دُمّرت قدرة البلاد على مواجهة هذه التحديات بسبب الحرب. لقد دمّرت الحرب جوانب كثيرة من البلاد، وتُهدّد المدن والمعالم التي تُمثّل جزءًا من الذاكرة الثقافية للبشرية.
انهارت عشرات المنازل
ويرى الباحث اليمني خالد السعيدي أن الأمطار أصبحت مصدر خوف وقلق أكثر منها طمأنينة لسكان المدينة، مشيرا إلى هشاشة الواقع المعماري للمدينة.
وقال لوكالة الأناضول: “مع كل موسم مطري يتزايد خطر انهيار المباني المعمارية في مدينة صنعاء القديمة، إذ تحولت هذه الأمطار من نعمة إلى خطر حقيقي يهدد سكان المنازل القديمة والتاريخية”.
وأضاف: “بدلاً من أن توفر الأمطار الأمن لسكان صنعاء القديمة، فإنها جعلتهم يخشون من انهيار أسقف منازلهم على رؤوسهم، خاصة وأن هذه المنازل لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأمطار الغزيرة”.
بالإشارة إلى فترات سابقة، أشار السعيدي إلى أن “المدينة تضررت بشدة جراء الأمطار الغزيرة، وخاصةً في فصل الخريف. وانهارت عشرات المباني جزئيًا، بعضها كليًا، بينما ظهرت تشققات وأضرار هيكلية واضحة على أخرى”. وبحسب الباحث اليمني، فإن الأمطار “كشفت هشاشة الواقع المعماري للمدينة، وهو أمر طبيعي نظرًا لطبيعة البناء التقليدي القائم على مواد كالطين والجص، مما يجعل المباني عرضة للتعرية والانهيار مع التعرض المستمر للأمطار”.
على الرغم من ترميم بعض منازل مدينة صنعاء القديمة، إلا أن العديد منها لا يزال بحاجة إلى مزيد من العمل. وصرح السعيدي: “المنازل التي تضررت ولم تُرمّم انهارت في المواسم اللاحقة”.
وأوضح أن “نقص الصيانة والدعم على مر السنين ساهم في تراكم الأضرار، بدءاً من الشقوق السطحية في المنازل، والتي تسبب بها أيضاً انفجارات الصواريخ القريبة والغارات الجوية، وصولاً إلى الانهيارات الكلية أو الجزئية”.
يذكر أن المدينة وأسواقها كانت في السابق مقصدا للسياح من مختلف أنحاء العالم، إلا أن الوضع الأمني غير المستقر أثر بشكل كبير على السياحة بسبب المخاطر الأمنية.
– الخطط المفقودة
وبحسب السعيدي فإن التدخلات الدولية، مثل جهود اليونسكو، اقتصرت على “حلول مؤقتة، مثل استخدام المشمعات لتغطية الأسطح خلال موسم الأمطار، دون تنفيذ مشاريع شاملة لإعادة تأهيل كافة المباني المتضررة”.
وأوضح أن “دور الأمم المتحدة اقتصر على ترميم جزء بسيط من المنازل، فيما تشير الإحصائيات المحلية إلى أن عدد المباني المتضررة تجاوز 500 منزل العام الماضي (2024)”.
وعلى المستوى الرسمي، قال السعيدي إن هناك “غياباً واضحاً لإعادة تأهيل المدينة وخطط الطوارئ الفعالة، رغم أن مدينة صنعاء القديمة مسجلة على قائمة التراث العالمي منذ سنوات، ما يتطلب اهتماماً أكبر وجهوداً جادة للحفاظ على هذا التراث الثقافي العريق”.
وأوصى “بإنشاء صندوق دعم خاص للمدن التاريخية والأثرية وخاصة صنعاء القديمة يتم تمويله من خلال خصم نسبة رمزية من بعض المبيعات والخدمات لتمويل مشاريع الترميم والصيانة الدورية”.
ودعا الباحث اليمني إلى “معالجة الخلل الحضري ومعالجة التهديدات الموسمية والحفاظ على الطابع المعماري والهوية الثقافية للمدينة”.
وتعاني البنية التحتية في اليمن من ضعف شديد، ما يفاقم معاناة المواطنين الذين يشكون من عدم استقرار الخدمات الأساسية نتيجة الحرب الدائرة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي.
ويشهد اليمن، منذ أبريل/نيسان 2022، تهدئة في الحرب التي بدأت عام 2014 بين القوات الموالية للحكومة وجماعة الحوثيين التي تسيطر على محافظات ومدن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014.