وزير الشؤون الدينية بالجزائر: دمج الذكاء الاصطناعي في الفتوى يفرض تحديات معرفية وشرعية وأخلاقية

منذ 19 ساعات
وزير الشؤون الدينية بالجزائر: دمج الذكاء الاصطناعي في الفتوى يفرض تحديات معرفية وشرعية وأخلاقية

أكد الدكتور يوسف بلمهدي، وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، أن المفتي الكفؤ لا يقتصر على حفظ النصوص الدينية أو إصدار الأحكام، بل هو عالمٌ بالشريعة الإسلامية، مُدركٌ للواقع، مُلِمٌّ بأدوات العصر، مُلِمٌّ بأبعاد التكنولوجيا. كما أنه قادرٌ على إصدار فتاوى سليمة وعقلانية وموثوقة تُثير المصلحة العامة وتدفع الضرر. وأشار إلى أن دخول الذكاء الاصطناعي في مجال الفتاوى كان نقطةً محوريةً في تطوير أدوات الفتوى الحديثة، إذ تتوفر قاعدة بيانات تضم ملايين الفتاوى المتداولة والآراء الفقهية السابقة.

جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي العاشر للفتوى الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم تحت عنوان “صناعة المفتي الصالح في عصر الذكاء الاصطناعي”.

أكد الدكتور بلمهدي أن التطورات التكنولوجية الحديثة والتغيرات الجذرية التي يشهدها العالم اليوم تتطلب من المؤسسات الدينية والإفتائية إعادة النظر في خصائص المفتي من حيث التكوين والوظيفة والمسؤوليات. وفي هذا السياق، تبرز أهمية مؤتمر دار الإفتاء المصرية، إذ يتناول قضية جوهرية تتعلق بصناعة الفتوى وتبسيطها في بيئة معرفية رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ويتحقق ذلك من خلال دمج الشريعة والتكنولوجيا بتدريب المفتي على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون إغفال مبادئ الشريعة. كما سيتم تعزيز التكيف المؤسسي من خلال استخدام التكنولوجيا في إدارة وتوثيق بيانات الفتوى، مما يزيد من كفاءة المؤسسات ويساهم في استدامتها.

كما سلّط بلمهدي الضوء على عدد من الإشكاليات العلمية والمنهجية والأخلاقية التي تواجه الفتوى في عصر الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أنه لا بديل عن عقل المفتي البشري في أي مجال. ومن أهم هذه الإشكاليات: “عدم وعي الآلة بالسياق البشري”، أي الظروف النفسية والاجتماعية للمفتي، وصعوبة تفعيل روح النص؛ وغياب الاجتهاد الموضوعي الذي لا يقتصر على ظواهر النصوص أو تفاصيلها الفقهية، بل يتجاوزها ليشمل فهم مقاصد الشريعة الكلية وتطبيقها في سياقات جديدة، مع مراعاة تغير الظروف والزمان والمكان، وانقطاع العلاقة التربوية بين المفتي والمفتي.

فيما يتعلق بتأهيل المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي، صرّح وزير الأوقاف الجزائري بأنه في عصر الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون المفتي حارسًا للفكر الديني، واعيًا لتحديات التكنولوجيا، قادرًا على تحليل خطابه والتمييز بين ما يصلح وما لا يصلح. وأكد أن “المفتي الحكيم” لم يعد خيارًا طوعيًا، بل ضرورة دينية واجتماعية في عصر العولمة الرقمية. إنه استثمار في السلم الاجتماعي والأمن الفكري والمعرفة الدينية السليمة، ومواصلة ومثابرة على تجديد الخطاب الديني وفهمه والتكيف مع الواقع، لا الخضوع له.

كما ناقش دور المفتي في حماية الملكية الفكرية، والذي يحققه من خلال مهام متعددة، أولها “التحقق المسبق من الفتاوى”، وذلك بالتحقق من مصادرها وتقييم مصداقية التطبيقات الذكية قبل إصدار الفتوى بناءً عليها. وتناول أيضًا “التصحيح الاستباقي”، حيث لا يكتفي المفتي بالرد على الأخطاء، بل يزود الذكاء الاصطناعي بمحتوى ديني وقائي يعالج المشكلات قبل وقوعها. وتناول أيضًا “التوعية”، أي الوصول إلى الجماهير وإيصال الفتاوى الصحيحة بلغاتهم ولهجاتهم إلى شريحة واسعة من الناس، حتى لا يقعوا في الغلو والوسطية.

إضافة إلى “التحصين المعرفي” للجمهور من خلال البرامج الإعلامية والتعليمية التي تشرح آليات التلاعب بالمحتوى الديني الرقمي، ورصد وتتبع الفتاوى الرقمية غير الدقيقة بالتعاون مع وحدات التضليل الرقمي وهيئات حماية البيانات، وتحسين أرشفة الفتاوى، وتنظيم قواعد بيانات ضخمة للفتاوى القديمة والحالية، وتحليل اتجاهات الأسئلة لفهم أولويات الجمهور والاستجابة الدقيقة لمخاوفهم.

وأشار إلى أن بناء مستقبل فتوى أكثر فعالية وموثوقية يتطلب من المفتين الاستفادة من أنظمة توليد الفتاوى الآلية وتعزيز التبادل المؤسسي الدولي وتبادل المعرفة من خلال إنشاء منصات للتعاون وتبادل تجارب الفتوى، وخاصة الرقمية منها.

أكد الدكتور بلمهدي أن دمج الذكاء الاصطناعي في الفتاوى يطرح عددًا من التحديات المعرفية والقانونية والأخلاقية والتنظيمية. وسلط الضوء تحديدًا على “الفتاوى الآلية غير المنظمة” الصادرة عن أدوات توليد الفتاوى القائمة على الذكاء الاصطناعي، والتي تجيب على الأسئلة دون فهم مقاصد الشريعة الإسلامية أو مبادئها. وكثير من هذه الفتاوى لا تصدر عن جهة موثوقة، وقد تستند إلى مصادر غير موثوقة. كما شدد على نقص الخبرة التقنية لدى بعض العاملين في مؤسسات الفتوى، وغياب روح الاجتهاد في النظام الآلي، إذ لا يفهم الذكاء الاصطناعي مقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يستطيع ترجيح مبادئها أو إجراء مقارنات شرعية.

ولمعالجة هذه التحديات، حدّد سلسلة من الضوابط والتوازنات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتاوى. وتشمل هذه الضوابط مراجعة بشرية مؤهلة للفتاوى الذكية، واستخدام المذاهب الفقهية المعترف بها والمصادر الموثوقة لنظام الفتوى، ومنع إصدار الفتاوى بواسطة البرمجيات دون إشراف علمي، وحماية خصوصية السائل وسرية البيانات، واستخدام نماذج مُدرّبة خصيصًا ضمن إطار إسلامي موثوق، وتجنب النماذج العامة البحتة. وتشمل هذه الضوابط دمج أدوات التحقق والمراجعة الآلية، وربط النظام بمؤسسات الفتوى المعتمدة للتحقق من صحة الفقه.


شارك